مراسلون - خاص
ما كان سرا خلال فترة لا تقل عن أشهر انكشف فجأة بالصدفة فقد أوجس سكان محليون في أنفسهم خيفة من أضواء تلك السيارات التي تجوب صحراء تازيازت في الظلام الدامس وأبلغوا الجهات الأمنية التي تعاطت باهتمام مع البلاغ ظنا منها أن الأمر يتعلق بإرهابيين أو مهربي مخدرات لكن المفاجأة كانت أن هؤلاء قوم يبحثون عن رزقهم المقسوم المكتوم.
مراسلون كانت أول وسيلة إعلام تنشر الخبر لتنشره تباعا بعد ذلك مواقع إعلامية تأكدت منه وأخرى أحسنت الظن فاستبعدت تواطؤ الناشرين على الكذب.
وسيطر الامر شيئا فشيئا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وسرى الخبر كالنار في الهشيم فأعد الرجال عدتهم ويمموا كنز الأحلام الموعود وهكذا وجدت قوات الدرك نفسها في محاولة ضبط مستحيلة لتدفق الجموع إلى الصحراء الملتهبة.
وزارة المعادن انتبهت إلى النازلة الجديدة و هي المطلع خبراؤها لا محالة على قصص شبيهة في دول أخرى ليعكف الجهاز القانوني بها على إعداد ما يلزم نصوصا و تشريعات و ليتحدث مدير المعادن على الشاشة إلى المواطنين واعدا بعمل في الضوء تنظمه الدولة لا خلسة المختلس .
صدرت القوانين و بدأ التسجيل و تزاحم الرجال هذه المرة على الحجر الأصفر و هم الوارثون لجدود أتقياء ما تمنوا الزحام يوما إلا لتقبيل الحجر الأسود .
لقد أصبح التنقيب السطحي واقعا و ربما سيكون عامل بهجة أو أسى .. ربما يكون رافدا اقتصاديا أو فقاعة .. وربما سلمت النية في الدعاية له و ربما لا ..
تلك قضايا اختلف الناس حولها و لا يزالون مختلفين..
مراسلون استباقا لتلك الأجوبة التي يتمنى الجميع أن تكون مرضية تقتطف من الصحافة المنشورة بعض ما كتب عن تجارب الدول الأخرى في هذا الميدان.
فبالنسبة لدولة السودان قال تقرير صحفي نشره موقع الجزيرة نت (أكثر من مليون سوداني توجهوا للعمل في مجال البحث والتنقيب عن المعدن الأصفر (الذهب)، ورغم المشاكل التي يعانيها العاملون في هذا المجال، فإن بعضهم تحدث لحلقة 10/10/2015 من برنامج "الاقتصاد والناس" عن أن ظروفهم المعيشية تحسنت بعد أن زاد مدخولهم المالي، كما قلّت حدة الفقر والبطالة.
وفي عام 2014 أنتج السودان 71 طنا من الذهب، 20 طنا منها جاءت عبر التنقيب الأهلي. وبلغ وزن أكبر كتلة عرضها منقب أهلي للبيع نحو 20 كيلوغراما.
وشهد نشاط التعدين التقليدي في السودان ارتفاعا كبيرا، مما جعله موازيا لأنشطة الزراعة والري. كما أن الأنشطة المساندة للتعدين شهدت ازدهارا كبيرا واجتذبت أكثر من خمسة ملايين سوداني.
موسى عيسى، عامل آلة طحن تقليدية، يقول إنه اتجه للعمل في التعدين ووجده مربح جدا، وهو ما أكده أيضا خضر عبد الرحيم، منقب تقليدي، الذي قال إنه استفاد ماديا وزاد دخله.
بابكر عبد الوهاب، عضو اتحاد التعدين الأهلي بمحلية بربر، يؤكد من جهته أن حياة الناس تغيرت من الناحية المادية، كما أن مجال التعدين ساهم في التقليل من نسبة العاطلين عن العمل.
وبحسب مدير إدارة التعدين الأهلي بوزارة المعادن السودانية حسن سليمان فقد ساهم التعدين التقليدي بنسبة 90% من الإنتاج الكلي لذهب البلاد، وهي نسبة عالية جدا، وكشف أن الذهب ينتشر في معظم ولايات السودان، وهناك احتياطات ضخمة جدا يستفيد منها البلد.
لكن من جهة أخرى، يتعرض المنقبون الأهليون لمخاطر شتى خلال بحثهم عن الذهب في مناطق التعدين حيث يستخدمون وسائل بدائية وخطرة، كما أن حياتهم تكون عرضة للخطر، إذ يقضون الليالي الطويلة في الصحاري، فالكثير منهم قد يموت بالعطش، وآخرون من لدغات العقارب والأفاعي، في مناطق لا توجد فيها أية مرافق صحية.
ويقول أحد السودانيين الذي عمل- من دون جدوى- لثلاث سنوات في عمليات التنقيب، إنهم كثيرا ما كانوا يعثرون على جثث مواطنين، قضوا خلال بحثهم عن الذهب.
وما يزيد من خطورة عملية التنقيب هو أن المشاركين في التنقيب يستخدمون مادة الزئبق السامة في عملية الاستخلاص.
يذكر أن السودان أنشأ أول مصفاة للذهب عام 2011 بهدف تأهيل جودة المعدن وترقية جودته. وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمصفاة حوالي 150 طنا من الذهب سنويا و30 طنا من الفضة.
كما أن المصرف المركزي السوداني هو أكبر مشتر للذهب المكتشف من قبل المنقبين الأهليين.)
و جاء في تقرير لنفس الموقع نشر سنة 2015 (ويعمل أكثر من مليون سوداني في قطاع التعدين الأهلي الذي ينتج الجزء الأكبر من الذهب، ويقوم البنك المركزي السوداني بشراء الذهب من المنتجين الذين يقومون بالتنقيب عنه في أنحاء البلاد. )
لكن هذه الأخبار السعيدة نسبيا من السودان مختلفة عن التجربة في غانا إذ يعتمد معظم المستثمرين الأهليين على الزئبق في استخلاص الذهب وهكذا أشار تقرير موثق من قبل المنظمة الإنسانية " هيومن رايتس ووتش " يتحدث عن تشغيل الأطفال، ممن تتراوح أعمارهم بين التاسعة والسابعة عشرة، بأعمال مضنية وخطرة للغاية في غانا الإفريقية..
ويركز التقرير على العمل في مناجم الذهب، حيث تقوم إحدى الشركات المنقبة بتشغيل أطفال غانيين، ويستخدمون في عملهم مادة الزئبق السامة، وهذا يُعد انتهاكاً للقانون الدولي والغاني..
وأجرت المنظمة بحثاً ميدانياً لاستخدام الأطفال في تعدين الذهب في غرب ووسط البلاد منذ عام 2013. وزار باحثوها مواقع التعدين ومعالجة الذهب، وأجرت مقابلات مع أكثر من 160 شخصاً، بينهم 44 من عمال المناجم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة والـسابعة عشرة.. وأكد التقرير أن آلاف الأطفال الغانيين يعملون بصناعة الذهب الخطيرة بغانا..
واستكمالاً للبحث الذي أجرته المنظمة، التقت مع عشرين من تجار الذهب في غانا وممثلي شركات تكرير الذهب خارج البلاد..
ويؤكد التقرير حدوث إصابات بين الأطفال العمال جراء تلك المهنة الخطرة، وفي حالة واحدة على الأقل قتل عدد منهم في انهيار أحد المناجم ".
كما يشير التقرير إلى أن الكثير من أولئك الأطفال يعانون جراء عملهم من آلام ومشاكل في الجهاز التنفسي، وهم يواجهون أيضاً مخاطر تلف في الدماغ، وغيرها من الإعاقات المستمرة مدى الحياة بسبب التسمم بالزئبق ".
وتقول الباحثة في مجال حقوق الطفل بمنظمة " هيومن رايتس ووتش " نفسها: إن بعض الأعمال ربما تكون مقبولة فيما إذا مارسها الأطفال.. لكن مناجم الذهب غير المرخصة في غانا، تعدّ أماكن خطرة جداً، ويجب ألا يعمل فيها أي طفل "..
ويتهم التقرير الحكومة الغانية بغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة بحق الأطفال، ويقول إنها توفر التراخيص لنحو 700 من التجار والشركات التجارية، دون إلزامهم بمعايير حقوق الإنسان، بما في ذلك المتعلقة بعمل الأطفال.. ويدعوها إلى أن تبدأ على الفور بإدخال تقنيات معالجة الذهب خالية من الزئبق..
و بين هذين المثالين تتأرجح حالة مختلف البلدان التي عرفت حالات شبيهة بما تعيشه موريتانيا الآن غير أن لبلادنا خصوصياتها التي لا تخطئها العين و تكاد الأرض كاملة أن تكون قسمت رخصا لشركات التنقيب و الاستثمار الدولية و لم يصح المواطن الموريتاني من غفوته إلا بعد أن احتجز الروم قبله معظم الكنوز بقوة القانون و قال رجل شاحب الوجه احمرت عيناه سهرا و مكابدة للاقدار و هو عائد لتوه من معترك التنقيب (لم أعثر إلا على القليل و الحقيقة أن الذهب الكثير لا يوجد إلا في جبل "الدواس" و تلك المنطقة محروسة من السلطات و ربما رخصت لشركات أجنبية) و هكذا يتبين أنه ربما على المواطن الموريتاني أن يردد سائر الدهر بيت الشاعر التونسي محمد الغزي:
لا تسقني من قبلهم يا ساقي۞ فأنا سأرضى بالقليل الباقي