يروي عن أحد الوزراء السابقين أنه أوصي خلفه علنا بمناسبة مراسم ختام تبادل المهام و "خُطْبَةِ الوَدَاعِ" التقليدية للوزراء المغادرين بما يلي " لا تَسْتَصْغِرَنً إطارا ممن هم تحت إمرتك و تسييرك و لو كان حَادً نَقْصِ الكفاءة، فاقد روح المبادرة، حاملا لأَسْفَارٍ من الشهادات التي تشهد عليه و لا تشهد له، حَدَثِ السن المهني، "ابْنَ لَبُونٍ جَامِعِيٍ" أو أصغر و إنما عامله كأنما هو وزير غدا فقد يصير وزيرا زميلا أو وزيرا وارثا أو وزيرا خلفا".!!
وتُفسِر هذه الوصية ذائعة الصيت واسعة الانتشار تنامي ظاهرة قديمة/جديدة( بلغة بائعي السيارات المستعملة) علي المجتمع الإداري الموريتاني يمكن وصفها بظاهرة "الكِعَابِ الحَمْرَاءِ" "Les Talons Rouges/Red Heels" . و الكعاب الحمراء تذكيرا استعمال مجازي في اللغة الفرنسية من أشهر معانيه و أكثرها تداولا و حداثة "الاعتداد و الزًهْوُ بالرأي و الثقة في الذات الواصلة سقف التهور ".
و يقصد باستعارة و استيراد مصطلح الكعاب الحمراء هنا "التعاطي الإيجابي للقائمين علي الشأن العام علي مدي الأربعينية الماضية مع أصحاب تضخم الثقة بالنفس و الطموح المفرط المزعجِ والمًسْتَفِزِ - بلا مُتًكَإٍ و لا مُسَوِغٍ- من غير المنتسبين أو المنتسبين -شرعا أو غصبا- للوظيفة العمومية المسكونين بِهَوَسِ و وَهْمِ حَصْرِيًةِ أهلية و أحقية الوظائف السامية المخل بكل الضوابط و القواعد و الأعراف الراسخة".
و ما من ريب في أن ظاهرة الكعاب الحمراء توسعت و رسخت منذ إرساء التعددية الديمقراطية حيث عَسُرَت غالبا المواءمة بين معياري المكافأة السياسية و الاستحقاق المهني. و تبلغ ظاهرة الكعاب الحمراء عادة ذَرْوَةَ رواجها و سَنَامَ موسم "مَبِيعِهَا" في فترات التجاذب و الاستقطاب السياسي الحاد و العنيف حين يطغي معيار "الكِلْيَانِيًةِ و الزبونية السياسية" علي الجدوائية و المردودية المهنية.!!
و يتسلي الموريتانيون بالعديد من قصص بعض الوزراء و كبار المسؤولين الذين أسرعت بهم "أنسابهم السياسية" و "كعابهم الحمراء" فَأحَلًتْهُمْ دِيًارَ مأمورياتٍ سامية دون سابق إعداد أو تَبْيِئَةٍ أو تحضير فكانوا مصدر تندر و استغراب من طرف الشركاء الفنيين و الماليين الأجانب كما كانوا دُمَي في أيدي مرؤوسيهم و منهم من أورده مرؤوسوه غفلة و جهلا مهالك و غَيَابَاتِ جِبَابِ اختلاس المال العام و سوء التسيير.
و لقد أدت الظاهرة المذكورة إلي انخفاض القيمة الرمزية لمنصب المسؤول السامي حتي أضحي الناس يتساءلون عن القيمة المعنوية للمسؤولية السامية ما دامت في متناول كل من هب و دب و يتساوي في الظفر بها الجميع من غير ضوابط و لا روابط بل أحيانا يُلَقًاهَا أقل منتسبي القطاع تحصيلا علميا و أخفضهم درجة مهنية فيفشل غالبا في ممارسة سلطته ذلك أن "السلطة من دون كفاءة مَجْلَبَةٌ للإحراج و المهانة".!!
و سعيا إلي جبر الضرر الذي ألحقته صولة ظاهرة الكعاب الحمراء بهيبة و وقار و سلطان الوظائف السامية علي مدي الأربعين سنة التي خلت فإنه من المستعجل التفكيرُ في إعداد إجراء تصحيحي قد يتخذ شكلا قانونيا أو تنظيميا أو عرفيا يرسم الحد الأدني لأهلية ممارسة المأموريات السياسية و الإدارية السامية تحصيلا علميا و تجربة مهنية وسيرة أخلاقية.
و يستحسن علي غرار ما هو معمول به في العديد من الدول الناجحة ديمقراطيا و الناجعة إداريا اشتراط توفر "الحد الأدني للأهلية" في قابلية الظفر بثلاثة أرباع ( 75%) من المأموريات السياسية و الإدارية العليا علي أن يخضع الربع الباقي ( 25%) للسلطة التقديرية غير المقيدة لأولي الشأن العام ضمانا للتكفل بالمُلاَءمَاتِ و المُوَاءَمَاتِ الاجتماعية و السياسية الضرورية...