الصحراء مقابل التطبيع
على المغرب الرسمي، اليوم وقبل أي وقت مضى، أن يتخلص من عقدته العاطفية تجاه فلسطين في صراعها مع إسرائيل. تخلص يتم من خلال إعادة النظر في المنطلقات النظرية المؤطرة لسياستنا الخارجية طيلة العقود الماضية؛ بفعل انجرارها وراء رأي عام غيبت عنه حقائق الواقع الملموس، وترك فريسة عمليات شحن عاطفي تفننت فيها تنظيمات وأحزاب اختزلته في البداية في مجرد دروع بشرية تحتمي وراءها في صراعاتها الطاحنة مع النظام، لتحوله اليوم إلى مجرد كتلة انتخابية لا غير. على المغرب الرسمي، في تصوري الشخصي، أن يعيد ترتيب سلم أولويات سياساته الخارجية بشكل يجعل قضاياه ومصالحه الاستراتيجية القُطْرية في صدارة تلك الأوليات بدلا عن القضايا الموروثة عن زمن النزعات القومية المتهالكة.
أقصد، بكل تأكيد، أنه بات لزاما علينا أن نعترف بحاجتنا اليوم إلى حلفاء حقيقيين للذود عن مصالحنا الاستراتيجية. وأهم حليف أبان عن جدارة التحالف معه ليس سوى الدولة العبرية التي ناصبناها العداء مجانا لعقود عديدة. أليست اللوبيات اليهودية الموالية لإسرائيل عبر العالم هي التي انتصبت للرد بقوة على التكالب الجزائري على الوحدة الترابية للمغرب مؤخرا عبر تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة؟ أليست ذات اللوبيات هي من أجبر أمريكا على سحب توصيتها لمجلس الأمن بتوسيع صلاحيات المينورسو بالصحراء المغربية وهَلُم مواقف مشرفة؟ بلى هي التي آزرتنا في نفس الوقت الذي يحفل فيه التاريخ المعاصر بضلوع من نسميهم “إخوتنا” الفلسطينيين بالتواطؤ مع البوليساريو بدءا بجورج حبش وجبهته، مرورا بياسر عرفات وفضيحته في الجزائر سنة 1987 وصولا إلى طرد سفير حركته بالرباط سنة 2013.
غير أن هذا التحالف الذي أتصوره لن يكون بذي الجدوى المرتجاة منه إذا ما بقي تحالفا من وراء ستار، بل علينا أن نرتقي به إلى تطبيع علني يجعل قضية الصحراء فوق كل اعتبار. قد ينتقدني البعض، ممن امتهنوا مناهضة التطبيع مع إسرائيل كما تعودنا منهم، في ما دعوت إليه وسيعتبرونه معاكسا لأخلاق المغاربة، بدعوى أنها لن تقبل حسب زعمهم التحالف مع دولة تعيش حربا مع إخوانهم الفلسطينيين. وإذا ما سلمنا معهم بهذا التصور المعيب لمفهوم الأخلاق، سنوافقهم الرأي أن ما ذهبنا إليه هو مبدأ شرير، لكنه سيكون كذلك إذا ما كان حكام الجزائر أخيارا في تعاملهم مع المغرب وفق المنطق السياسي لميكيافيلي. وما دمت لا أتفق معهم أصلا حول تعريفهم للأخلاق، يكفيني أن أسائلهم هنا عن أي معنى لمفهوم الأخلاق يتحدثون؟ ففي نظري أن الأخلاق توجد أينما وجدت المصلحة والمنفعة. فالشيء الأخلاقي والحقيقي هو الشيء المفيد والنافع بتعبير الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس. والمنفعة هنا لا تتضمن تحقيق السعادة فحسب، بل تعني أيضا “تجنب الشقاء أو التخفيف منه” على نحو ما يؤكد الفيلسوف الانجليزي جون ستيوارت. وتبعا لذلك، أعتقد أن أي مغربي مسكون بالوطنية الصادقة لن يكون لديه لمفهوم الأخلاق أي معنى خارج المصلحة العليا لبلاده، وبالأخص فيما يخص قضية الصحراء. حيث ستصبح لديه جميع الوسائل مشروعة لنصرة مواقف وطنه بشأن النزاع المفتعل حول الصحراء، أو على الأقل تجنيب هذا الوطن أية خسائر إضافية.
واستنادا إلى كل ما سلف، فإن مصلحة المغرب، من منظوري الشخصي دائما، تقتضي التحالف مع كل من يدعمه في الدفاع عن مصالحه وعلى رأسهم دولة إسرائيل. أما إذا كان المغاربة كلهم متفقين مع أصحاب الأطروحة المناهضة للتطبيع مع إسرائيل، فآنذاك يتوجب علينا أن نعيد النظر، لا في سياستنا الخارجية، وإنما في مفهوم الوطنية بالأساس. لماذا؟ لأن المسلمة النظرية التي ينطلق منها معارضو التطبيع، الإسلامويون منهم والقوميون العرب، لخصها زعيمهم رئيس ما يسمى “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع” أحمد ويحمان بمقولته الشهيرة التي أكد فيها أن "قضية الوحدة الترابية للمغرب تأتي في مرتبة ثانية وراء القضية الفلسطينية".