تحاول كلية الطب في "جامعة حلب للمناطق المحررة" تخريج أكبر عدد من الأطباء لتغطية النقص الحاد بسبب الحرب، لكن القائمين على القطاع الطبي المنهار يدقون نواقيس الخطر جراء النقص الشديد في الكوادر والمستلزمات، محذرين من كارثة إنسانية قد تستمر في المنطقة بعد الحرب.
أحمد دعدوش-الجزيرة نت
لا يخفى على أي متابع لتردي الأوضاع الإنسانية في سوريا أن القطاع الطبي يعد من أكثرها تضررا، وبالرغم من الجهود الإغاثية المبذولة لإنقاذ المرضى والجرحى فإن المعنيين يطالبون بإصلاح جذري طويل الأمد للقطاع الطبي المنهار.
وكخطوة على هذا الطريق، أسست المعارضة كلية للطب ضمن "جامعة حلب بالمناطق المحررة"، وهي جامعة موازية لجامعة حلب العريقة، إلا أنها تعمل في المناطق الخاضعة للمعارضة، وأكد عميد الكلية الدكتور جواد أبو حطب للجزيرة نت أنهم يعملون على تأهيل مئتي طالب بشمال سوريا، و120 آخرين في الغوطة المحاصرة بريف دمشق.
وأوضح أن المختبرات وقاعات التدريس جُهزت بالكامل تحت الأرض لحمايتها من القصف الذي يستهدف المرافق الطبية بالدرجة الأولى، وأن بعض المنظمات الطبية الداعمة تحاول سد الفراغ بتقديم محاضرات عبر الإنترنت ومن خلال زيارات الأطباء المحاضرين، إلا أن ذلك لا يكفي لإعادة بناء القطاع الصحي في بلد منهار، فالمطلوب -حسب قوله- هو خطة شاملة طويلة الأمد.
أبو حطب: يجب الانتقال من مرحلة الإغاثة الطبية إلى التنمية الطبية (الجزيرة)
التنمية الطبية
وقال أبو حطب "يجب الانتقال من مرحلة الإغاثة الطبية إلى التنمية الطبية"، فرغم جهود المنظمات العاملة فإنها لا تملك رؤية شاملة للبلاد، مما يؤدي إلى افتقار بعض المناطق للخدمات الطبية في مقابل تركزها في مناطق أخرى.
وتابع "تمكنا من إجراء الجراحات المطلوبة رغم نقص الإمكانات، ولكن نفتقر للرعاية الصحية، فليس لدينا مثلا مخبر للقسطرة ولا معدات للتصوير الشعاعي للثدي (ماموغرام) لخدمة ملايين النساء في مناطق المعارضة"، مشيرا إلى أن نحو 30% من سكان بعض المناطق يعانون من ارتفاع الضغط الشرياني دون إمكانية معالجة حالاتهم ومتابعتها صحيا.
ولفت أبو حطب إلى أن سوريا كانت تضم نحو 32 ألف طبيب قبل بدء الثورة التي انطلقت قبل خمس سنوات، أما اليوم فلا يوجد في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام (أكثر من نصف المناطق المأهولة) سوى 1200 طبيب، ويتضح حجم هذا النقص عندما يتبين أن الجزء الخاضع للمعارضة في حلب لا يوجد فيه سوى طبيب تخدير واحد.
معالجة أحد الأطفال الجرحى في مستشفى بالأردن بعد نقله من سوريا (الجزيرة)
مشكلات الأطباء
من ناحيته، قال الطبيب السوري أنس الشيخة إن المنظمات مهما بذلت من جهود فلن تستطيع إنشاء قطاع صحي بحجم دولة، فالمساحات الواسعة التي خرجت عن سيطرة النظام تحتاج إلى جهة حكومية تتولى بناء نظام صحي متكامل فيها، مؤكدا أن وزارة الصحة التابعة للحكومة السورية المؤقتة عاجزة عن القيام بهذا الدور ضمن الإمكانات المتاحة لها، لا سيما أن مكاتبها تعمل جنوب تركيا وليس من الداخل السوري.
وحذر الشيخة من أن الأزمة الصحية ستظهر بجلاء أكبر عندما تنتهي الحرب، فهناك نحو مئتي ألف مصاب بإعاقة أو بتر للأطراف جراء القصف والمعارك، ويجب أن تعطى الأولوية من الآن لتأسيس قطاع طبي ينجح في لملمة جراح الحرب فور انتهائها.
ويعمل الدكتور الشيخة في مجال معالجة الجرحى والمصابين السوريين في كل من تركيا والأردن، ويقول إنه أشرف على علاج نحو أربعة آلاف جريح في مستشفيات الأردن وحدها، وذلك بدعم من جهات خيرية مثل الهلال الأحمر القطري ومنظمات تابعة للأمم المتحدة وجمعيات طبية سورية.
وأوضح للجزيرة نت أن المشكلة لم تعد تقتصر على هجرة الأطباء من سوريا فقط، بل أيضا من الدول المجاورة التي كانوا نزحوا إليها، حيث كانوا يسهمون في معالجة النازحين السوريين والجرحى الذين يتم إسعافهم إلى دول الجوار، إلا أن معظم الأطباء اضطروا إلى الهجرة للدول الغربية بعد أن عجز الكثير منهم عن إيجاد فرصة عمل أو حتى الحصول على إذن بالعمل.
بناء على ذلك، طالب الشيخة دول الجوار بالسماح للأطباء السوريين بالعمل والإقامة، كما طالب بمساعدة الأطباء داخل سوريا على البقاء هناك عبر بناء المزيد من المستشفيات الآمنة تحت الأرض.
وأضاف أنه من الضروري تكثيف نشاط كلية الطب العاملة بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام والاهتمام بتخريج الممرضين وليس الأطباء فقط، حيث يمكن خلال سنة واحدة فقط تخريج الممرضين بدورات مكثفة لتغطية النقص في الكوادر الطبية.