(إيجاز صحفي/ المختار السالم)
وسط حضور كبير للنخبة الأدبية الموريتانية، أحيى الشاعر الموريتاني الكبير محمد ولد الطالب مساء أمس أمسية شعرية بقاعة المحضرات في "بيت الشعر في نواكشوط"، حيث قرأ قصائد عديدة تمثل تجربته الشعرية، وتلقى الضوء على هذه التجربة التي يطغي عليها الهم القومي والغزلي، دون أن ينسى الشاعر أسرته الإنسانية من خلال مرثيته للزعيم التاريخي نيلسون مانديلا في قصيدة "مانديلا".
وبدأت الأمسية بكلمة للدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر في نواكشوط ، أعلن فيها افتخار بيت الشعر في نواكشوط بانتظامه في احتضان أماس للبوح الحر المبدع، مؤكدا أهمية مبادرة بيوت الشعر في الوطن العربي، وهي المبادرة الرائدة التي أهداها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة للشعراء العرب ولخدمة لغة الضاد وإحياء للأصالة العربية.
وجدد ولد السيد دعوته للشعراء الموريتانيين للتقدم بدواوينهم الشعرية إلى بيت الشعر بنواكشوط من أجل طباعة تلك الدواوين نشرا للإبداع.
بعد ذلك، بدأ ولد الطالب الأمسية بعرض آرائه بشكل مباشر وشبه مباشر في الوضع العربي الراهن سياسيا وشعريا، فسخر من "الربيع العربي" وما ألحقه من دمار بدول عربية تدميرا ودماء.
ثم أبدى مخاوفه على التجارب الشعرية الوليدة، داعيا الشعراء إلى إعادة كتابة نصوصهم أكثر من مرة قبل نشرها أو إلقائها.
وقال "كان الغاوون يتبعون الشعراء، أما اليوم فقد أصبح الشعراء هم من يتبع الغاوين.. يجب إقامة محرقة للشعر إن لم تكن محرقة للشعراء"، مضيفا "لقد أحرقت دواوين قبل أن أسمح بنشر قصيدة واحدة لي".
وفي حديثه عن الشعر في موريتانيا، قال ولد الطالب إن الشعراء الموريتانيين هم سفراء وتاج حضارة هذا البلد، وأبدى شكره للشعراء الذين مثلوا البلد سفراء قديما وحديثا، وكانت المنابر الشعرية مضمار جدارتهم.
وبين القراءات الشعرية، استعرض ولد الطالب "لقطات سريعة" من سيرته الذاتية، وذلك بأسلوب غاية في الطرافة، حظي بتفاعل كبير من الجمهور، خاصة عندما قال "أمضيت وقتا طويلا لم أقتنع بأني شاعر، ولا أدري كيف أصبحت شاعرا، فقد ولدت في السنغال، واهتمامات الأسرة متعلقة بالتجارة، ثم إني تربيت مع "’آلمودات" (أطفال الشوارع) في "لكصر" بنواكشوط".
ولد الطالب قرأ ثمانية قصائد تمثل تجربته الشعرية بين ضفتي البداية الشعرية والمرحلة الراهنة.
قبل أن يقرأ "مئذنة البوح"، و"الشاعر الفخر"، و"تاريخ أجفانك"، و"لابسات الملاحف"، و"أمشي إليك"، و"المفازة" و"مانديلا"، استأذن ولد الطالب الجمهور في بدء الأمسية بالغزل، قائلا "عدت للتو من عمل يوم شاق، وعندما أكون متعبا لا أقدر على غير الغزل".
ولد الطالب تحدث عن التعليم ودوره في تنشئة الأجيال ورعاية المواهب، كما تحدث عن لغة الشاعر معتبرا أن "الشاعر هو لغته، فإما أن تحييه وإما أن تميته".
قرأ من قصيدته "لابسات الملاحف"، المستوحاة من فيلم وثائقي في الأربعينات يصور جمال "المرأة الملحفية"، امرأة الصحراء، والجمال الفطري، يقول في "لابسات الملاحف":
أقم صلوات الوجد بين المعازف
على وله من لابسات الملاحف
عشية راق الجو وانداح أفقه
وماس بأرواح الشتا والمصائف
تمشين في رمل أثيل ممهد
يطأن على أطرافها والشراشف
وجاذبن هبات النسيم معاطفا
وأدلين من أبرادها بمعاطف
وكم زاد في حسن الوجوه سوادها
وقد آلف الأضداد حسن تخالف
تلحفْن منها بالسواد غواربا
حدادا على من رام برد المراشف
فلا حسن في زي الأعاريب مثلها
على تالد للحسن فيها وطارف
لبسن بها الستر الجميل جآذرا
وشلن "نعام الغيد" بين المواقف
وخلفن من خلف غنج الدلال وسهره
صريعا على أعتابها والمشارف.
ثم قرأ من قصيدة "ود الريم":
تخال الريم من خطل الشباب
قلوب الناس رهـنا للعـذاب
وتطمع بالوصال علــى ابتعاد
وتمعن في الصدود على اقتــراب
ودار الدهــر دورتـــــه و جـاءت
صـــروف هــــنّ تنعـاب الغـراب
فلما صــار ود الريــــــم سـهـلا
وحبل الوصل منها في اجتـذاب
صرفت القلب عنها صوب أخـرى
ولم تقع السماء على التــراب.
وقرأ من قصيدة "المفازة":
ومن بعد لأي تراءت لنا القبسات
جزائر تطفو على ظلموت الوجوم
وللموت فيها مذاق الحياة
فكم موحش هو درب المفازة..
ولليل في عرفه مأتم
وللنمل في كل يوج جنازه".
وقرأ من قصيدة "خطى الليل":
خطاك خطى الليل فَاقْفُ انتشاء الهزيع
أدر للدوائر ما تشتهي
وخل رؤى الماء في الماء ظمأى
وذق غـربة البدء
وابتدر الغيم وابتردِ
سماء المرابين قد سقطت
وذابت مكابرة الملح في الزبدِ
فلا قسمات لهمس المرايا
ولا أحد أفضل اليوم من أحدِ.