أحمد سالم ولد باب - (موفد "مراسلون" إلى السعودية)
عندما أخبرني الأستاذ سعيد الدحية الزهراني، رئيس لجنة الإعلام والمعلومات بمعرض الرياض الدولي للكتاب 2016، بأن المعرض ليس سوقا لبيع الكتب فقط، وإنما هو فعالية وطنية شاملة؛ كنتُ حينها قد حصلت على الدلائل المؤكدة لمقالته.
في طريقي من الفندق إلى المعرض كنت أتأمل التطور العمراني الرائع لمدينة الرياض، وأتذكر أن الفضل - في الجانب الأكبر منه - يعود للملك الحالي خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، الذي تولى إمارة الرياض فترة طويلة.
وعند وصولي لمكان المعرض عاينت الأشغال المتقدمة في مشروع "قطار الرياض"؛ التي تقابل المعرض في مشهد رمزي بالغ الدلالة.
مبادرات شبابية تطوعية..
على هامش المعرض تَشُدُّكّ مبادرات شبابية تطوعية، هدفها خدمة المجتمع من خلال أفكار مبدعة، تتعلق بتشجيع القراءة، والتوعية الصحية، وتقديم الاستشارات... الخ (وستعود "مراسلون" لاحقا إلى هذه المبادرات في ورقة مستقلة).
يعلق الزهراني - وهو أستاذ جامعي شاب - قائلا: المبادرات الشبابية ساهمت في تصحيح الصورة النمطية عن الشباب السعودي، تلك الصورة التي تقول إنه شباب خامل وغير منتج..
ويضيف قائلا: هل تعلم أن لَدَيَّ في اللجنة الإعلامية 50 متطوعا من الشباب والشابات، من أصل أكثر من 300 متطوع ومتطوعة يعملون في لجان المعرض عامة.. قلت لهم: ليس لدي مقابل مادي لعملكم سوى شهادة شكر.. لا تنتظروا مني زيادة في النقاط مثلا.. لكنهم ردوا علي: نحن لا نعمل من أجلك.. نحن نعمل من أجل الوطن.. نريد أن نقول له: نحن في خدمتك..
وتغلب نبرة الحماس على صوت الزهراني وهو يستطرد: لو فتحنا المجال للمتطوعين لبلغوا الألف.. الشباب هم أمل الوطن، وعليهم مُعَوَّلُه، والشباب السعودي يملك قيما خلاقة ومبدعة..
وأعود بالمسؤول الإعلامي ليحدثني عن المعرض..
معرض الرياض للكتاب فعالية ثقافية تحظى بدعم ملكٍ اشتهر بأنه مثقف، هو جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز... وقد انتقلت مسؤولية تنظيم المعرض منذ سنة 2007 إلى وزارة الثقافة والإعلام، بعد أن تولتها وزارة التعليم العالي (سابقاً) سنواتٍ قبل ذلك.
يقام المعرض على مساحة قدرها 19000 متر مربع، يتم شغل 7000 متر مربع منها فقط بسبب الضرورات الأمنية.
إقبال كبير..
وعن نسبة الإقبال على المعرض يقول: نسبة الإقبال كبيرة جدا.. في اليوم الثاني من أيام المعرض اضطررنا إلى غلق بوابات المعرض، بسبب بلوغه أقصى طاقته الاستيعابية..
أسأله: هل تعتقد أن السعودي قارئ نهم؟
قدرنا زوار المعرض أمس بـ 60 ألف زائر، وهذا ليس رقما اعتباطيا، بل هو رقم تصدقه الكاميرات الحرارية والبطاقات الممغنطة، يقول الزهراني.
وعموما فإن حرص دور النشر العربية على المشاركة في معرض الرياض؛ هو أكبر برهان على أن السعودي قارئ جيد، فقد تلقينا هذا العام 1300 طلب للمشاركة، قبلنا منها 500 فقط بسبب إكراهات الطاقة الاستيعابية.
تحول في اتجاهات القراءة..
أثناء تجولي في أروقة المعرض؛ فاجأني الإقبال الكبير على أجنحة "دار الانتشار العربي"، و"المركز الثقافي العربي"، و"دار الساقي"، و"دار جداول"، و"مدارك"، و"مركز دراسات الوحدة العربية"..
عبد اللطيف بن يوسف مهندس يقرض الشعر - كما يقول - وله ديوان من بين معروضات "دار مدارك" هذا العام؛ اقتنى عددا من كتب المفكر المغربي عبد الله العروي من جناح "دار الانتشار العربي"..
سألته: هل تعتقد أن هناك تحولا في اتجاهات القراءة لدى السعوديين؟
فأجاب: في وقت مضى كان العامل الذي يتحكم في القارئ السعودي عاملا إيديولوجيا، بمعنى أن القارئ يقرأ لاتجاه فكري معين؛ لأنه ينتمي إليه.. أما الآن فهناك جيل يقرأ لجميع التيارات، وهو جيل ناقد؛ يحلل الآراء التي يقرأها ويوازن بينها.
أما الزهراني فيقول: القارئ السعودي قارئ متعدد الاتجاهات، يقرأ في جميع المجالات.. في المعارض السابقة كان هناك إقبال على كتب الثقافة والأدب والفن، لكننا لاحظنا في هذا العام إقبالا على الكتب السياسية، وهو أمر تُسَوِّغُهُ الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم.
سقفُ حريةٍ مرتفع!
هل هناك كتب ممنوعة في المعرض؟
يجيب الأستاذ الزهراني: الأصل أن سقف الحريات في معرض الرياض للكتاب مرتفع جدا، ولا تمنع إدارة المعرض إلا الكتب التي تمس الثوابت الدينية والوطنية، فهذه لا مساومة ولا جدال فيها.
هل يُلْقِي تَعُدُّدُ المشارب الفكرية في المملكة بظلاله على المعرض؟
نحن نرى أن تعدد الرؤى والمشارب ظاهرة صحية.. الأهم في هذا السياق هو أن هذا التعدد والتباين والاختلاف في الرؤى والأفكار والاتجاهات يتفق على القضية الأم والأهم؛ وهي وحدتنا الوطنية العميقة، والحفاظ على بنية نسيجنا الوطني المتين.. وهذا ولله الحمد متحقق بصورة كاملة.. ما عدا هذا فالأمر كما أسلفتُ ظاهرة صحية سليمة لأن التنوع ثراء..