عزاء بنكهة روحانية..
أرجو أن ألتقي لاحقا إن شاء الله مع العلامة اباه بن عبد الله في مناسبات أحسن من تلك التي التقيته فيها منذ وقت يسيرفي حاضرة النباغية !الميمونة.
كان ذلك ضمن جماعة من الأصدقاء ذهبوا إلى هنالك بهدف تقديم التعزية إلى أهلنا في ذلك الحي الروحاني إثر وفاة ابنة عمنا امَّن بنت ابن عبدم تغمدها الله برحمته الواسعة..
اغتنمت كامل الوقت المتاح إلى جانبه من أجل تدقيق بعض الأمور.
من المواضيع التي تطرقنا إليها لقاءاته في دكار مع العلامة محمد عالي بن محنض .تلك اللقاءات التي وصفها بأنها لم تدم كثيرا ولكن "كانت نازلَ برْكِتْهَ".
وسألنا عن أشياخه قائلا إنه أخبره أنه ما سافر قط خارج محيطه لطلب العلم.
وسألنا عن شرحه لنظم امحمد ولد أحمد يوره في الأصول، وقال إنه من بين مؤلفات له أطلعه عليها إلى جانب فتوى في الفتوى وتأليف في الموجهات.
وقال أعلم أنه ما برز في محيطه شيخ في العلم إلا وله عليه فضل التلمُّذِ وساق من ذلك أمثلة.
قلنا له إن محمد عالي كان يذكر ذلك اللقاء فيشكره فرد قائلا: "وأنا كذلك أذكره وأشكره".
وهنا رويت له ما حدثني به أستاذي العلامة حمدا بن التاه وهو من أشهر تلامذة محمد عالي إنه قال له مرة: "أخذت عني ثلاثة فنون ما أخذها عني غيرك وهي: الجمل للخونجي في المنطق، والجبر في الحساب، وعلم النيم في سر الحرف".
ثم تطرقنا إلى موضوع شرح العلامة والد بن خالنا لمختصر الشيخ خليل المسمى اصطلاحا "المعين" فقال إنه أول شرح للمختصر في منطقة القبلة وأن أول شرح له في البلد هو موهوب الجليل للوداني الذي كان حيا في القرن العاشر الهجري..
وقال إن ميزة المعين هو أنه يجسد منهج التدريس في منطقة إيكيدي في تلك الحقبة من التاريخ ، ذلك المنهج الذي قال إن محمد عالي وصفه بأنه يتمثل في التركيز والإيجاز.
وقال العلامة اباه بن عبد الله إن بحوزته الطبعة التجريبية الأولى التي كنت قد أصدرتها للجزء الأول من هذا الشرح ثم سأل عن أين وصلت مرحلة طباعة الجزء الثاني، فقلت بأنني حصلت على نسخ متعددة منه في كل من ولاته وتيشيت والمكتبة الوطنية بباريس إلا أنني لم أباشر طباعته بعد.
عندها ألح علي في التعجيل بطباعة ذلك الجزء المكمل للكتاب، فقلت: إذن فأنا أعتبر ذلك أمرا ألتزم بتنفيذه إن شاء الله فور العودة إلى نواكشوط، ثم أومأت إلى الدكتور محمد المختار الجالس عن يميني وقلت: "على أن يصدر أمر مماثل لمن يكتب مقدمة الكتاب بعد اكتماله"، فقال: "اضطلع أنت بما يتعلق بك والبقية مضمونة إن شاء الله"!
عندئذ تدخل الدكتور محمد المختار ولد اباه فروى نادرة مفادها أن قافلة نزلت في طريقها بالقرب من حي أهل الشيخ القاضي حيث محظرة العلامة محمد محمود ولد حيب الله شارح مختصر الشيخ خليل بمؤلف سمي هو الآخر بالمعين. فأرسل الركب إلى الحي يطلبون "امَّاعِينْ" فقال أحد أفراد الحي للرسول: "أما معين محمد محمود ولد حيب الله فهو موجود وأما معين ولد خالنا فلم نحظ بالظفر به بَعْدُ. ومعلوم أنه في المصطلحات المحظرية تطلق كلمة اماعين على المعينين في شرح مختصر الشيخ خليل.
وفي العموميات، كل في سياقه، ذكرت أن لمرابط الحاج ولد فحف حدثني سنة 1994 في حيه المحروس باتويمرات عن لقاء جرى بينه وبين الشيخ التراد بن العباس في آكوينيت وهو إذ ذاك عائد من حجته المشهورة مشيا على الأقدام.
وقلت بأنه أوضح لي آنذاك موقفه من الطرق قائلا: "ما قلته إنني لم أصادف من تسلم إليه القلوب" فقال اباه "هو إذن لا ينكر المبدأ" وعلق قائلا: "عدم الوجود لا يقتضي انعدام المفقود"!
وذكرت الدكتور محمد المختار بأول لقاء بيننا جرى في مطلع السبعينات بنواكشوط وهو إذ ذاك يحتل منصب مدير المدرسة العليا للأساتذة. وبموجب ذلك ترأس لجنة أول مسابقة لولوج هذه المؤسسة الرائدة في البلاد. وكان من بين المشاركين في المسابقة الأستاذان الأخوان: حمدا وببَّ ابنا سيدي ولد التاه المدرسان في معهد أبي تلميت .آنذاك
وفي إحدى الليالي صادفت مجيء الدكتور محمد المختار إلى محل نزول الضيفين، وبعد مراسيم السلام أفصح للجماعة بمنتهى اللباقة عن النتائج المنتظرة للامتحان قائلا: " جئت لأنبئكم بما توصلت إليه لجنة المسابقات من نتيجة. بعد أن أمعَنَّا النظر في أوراق الامتحانات وقعنا في حرج. فإذا نحن اعتمدنا كمعيار ما كتبه الأستاذ حمدا، نجح وحده ورسب بقية المترشحين. وأما إذا اعتمدنا كمعيار ما كتبه الأستاذ ببَّ نجح الأستاذ بب وبعض المترشحين ورسب حمدا ومعه بعض المترشحين كذلك، فاستقر رأينا على اعتماد الخيار الأخير!" قلت: ذلك من حظ البلاد و العباد..
وفي العموميات كذلك روى الدكتور محمد المختار أن المختار(توتاه علما) بن أبنو بن الأمانة كان مرة يدرس العلمين المعروفين: سيد أحمد بن محمد ومحمد فال ببَّها في المذرذرة معلقة طرفة بن العبد التي مطلعها :
لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمد == تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
إلى أن وصل منها إلى قوله:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً == ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فإذا بقادم يخبر بوفاة الأمير أحمد سالم بن ابراهيم السالم، فأردف توتاه قائلا: "وهذا أيضا مصداق آخر ينضاف إلى ما ذكرناه من معنى البيت الآنف"!
وسألت الدكتور محمد المختار كذلك عن لقاء ما فتئ أخي الدكتور جمال رحمه الله يذكر أنه حصل بينه وبين شماد بن محمد بن أحمد يوره في حاضرة ابير التورس فقال: "مررت عليه مرورا خاطفا لغرض السلام ولما أردت الذهاب ألح علي في المكوث معه أطول وهو يقول: هذا ظرف وجيز جدا". فقلت بالحسانية "أخِيرْ من العَدَمْ" فأجاب شماد بداهة: "أخِيرْ منُّ بعْدْ بِشْوَيْ"
وددنا لو لم ينته ذلك اللقاء الذي انتزعناه انتزاعا في ساعة ما بين العِشاء والعَشاء فالتمسنا الدعاء من القوم فقال العلامة اباه تواضعا "إنما يدعو المغادر"! ثم دعا دعاء خفيا شفعه بقوله جهرة "أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه" ووالله لقد وقعت من نفسي في مكان خاص. فجزاه الله عنا بأحسن جزائه.
رحم الله السلف وبارك في الخلف.
من صفحة الإداري الأديب محمدن ولد سيدي الملقب بدن على الفيس بوك