فِي كتاب: "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" الذي شكل أساسا نظريا عاما لطوائف من الجماعات المسلحة في العالم الإسلامي خلال العقود الأخيرة، دعا عمر عبد الحكيم المشهور بأبي مصعب السوري إلى الكف عن قتل العلماء، وشملت دعوته الكف أيضا عن قتل المفكرين والمثقفين ورجال الإعلام..
وبرر دعوته بأن قتل هؤلاء تترتب عليه آثار سلبية تضر بدعوة المقاومة الإسلامية أكثر مما تنفعها، ورأى أن التعامل مع مثل هؤلاء يجب أن يكون بطرق أخرى..
خالفت هذه الدعوة ما كانت ذهبت إليه بعض الجماعات، التي كانت قد باشرت بالفعل قتل بعض المفكرين والمثقفين المخالفين..
وجدت دعوة أبي مصعب السوري صدى كبيرا، وقبولا واسعا في الأوساط الموجهة لها، وبدت وكأن العمل استقر عليها، فكفت الجماعات المسلحة الفاعلة عن قتل العلماء ورجال الفكر تقريبا في الطرف المقابل..
في بعض الأوقات فتحت المسألة نقاشا من جديد في أوساط الجماعات المسلحة، خاصة عند ما قاد بعض كبار العلماء حوارات مع مجموعات من الشباب المنسوب إلى تلك الجماعات في سجون دول مختلفة، فكانت ردة فعل آحاد من عناصرها أن دعوا إلى تصفية العلماء المتزعمين لتلك الحوارات، وفي إطار نقاش المسألة ومع سيطرة الرأي القائل بالكف عن قتل العلماء تقديرا لضرره وسلبياته كان أصحاب فكرة التصفية يَرُدُّون بأن ذلك يمكن أن يقع ولا يتم تَبَنِّيه ليحصل تحييد "خطرهم" دون التأثر سلبا بعمليات التصفية، إلا أن فكرة الكف عنهم انتصرت في النهاية..
لكن مفعول دعوة أبي مصعب السوري لم يلبث أن انحسر في ظل موجات الفِتَنِ التي حصلت خلال السنوات الأخيرة، في دول عديدة، مع ظهور أجيال جديدة..
فقد تحدثت معلومات كثيرة عن قتل عدد من العلماء في أُتُون تلك الفتن، ويبدو أن لجميع أطراف تلك الصراعات أيادٍ في ذلك..
ولعل أشهر حوادث قتل العلماء خلال السنوات الأخيرة تمثلت في عملية قتل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي أثناء درس له بأحد المساجد، وقد رافقها جدل كبير، برزت خلاله آراء تقر صراحة قبول مثل هذا القتل صدر بعضها عن دعاة حقوق وحريات، وأصحاب فكر مرجعيته إسلامية، مع أنه لم يكن للرجل أكثر من رأي معزز بأدلة يراها شرعية..
بالأمس وقعت محاولة لاغتيال الداعية الشيخ الدكتور عائض القرني بُعيد محاضرة له في الفلبين، وجرى حديث واسع عن إمكانية ضلوع جهات طائفية في العملية، ولم تنعزل الحادثة هي الأخرى عن آراء هنا أو هناك مُقِرَّةٍ لها أو قابلة بها، أو شامتة بالشيخ بسببها..
المتتبع لمسار الفِتَنِ التي تغشى مناطق من العالم الإسلامي، و تتوالى قِطَعُها، يشفق حقيقة من أن تكون هذه الفتن قد انتهت الآن إلى صفحة تبادل قتل العلماء على المواقف والآراء..
يتعزز هذا الإشفاق بالأخذ في الاعتبار حالة الاستقطاب المَخُوفة التي وصلها الصراع الطائفي والمذهبي والفكري الذي يغذي الفتن، وكذلك باستصحاب التجارب التاريخية المؤلمة التي وقعت في الفتن التي شهدتها الأمة منذ مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان، مرورا بمقتل الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، وطوائف من علماء الصحابة والتابعين وغيرهم..