كيف نتعامل كإعلاميين أو ساسة مع قضية طرفها الأول الوطن وفي الجانب الثاني يقف الإرهاب؟ سؤال تردد في ذهني أكثر من مرة في مناسبات مختلفة ليتجدد بعد مطالعتي للخبر الذي نشرت وكالة "رويترز" أمس حول تخطيط قادة القاعدة (التنظيم الأم) لإبرام اتفاق سلام مع موريتانيا خلال سنة 2010 نيابة عن فرعها (القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي) وازداد إلحاح السؤال بعد متابعتي لجملة من التعليقات التي تناولت القضية.
رغم أن مجرد التفكير بارتكاب فعل مجرم لا يشكل جريمة بحد ذاته، وأنه لا يلزم الطرف الذي لم يشارك فيه حتى إذا ما تم تجسيد هذا التفكير في أفعال مادية، إلا أننا لن نعدم من بعض ضحايا نظرية المؤامرة أو من يكرر آراء المنظمات الإرهابية، غالبا عن حسن نية وأحيانا نكاية بالنظام، أن يحاول إيجاد صلة بين هذا التنظيم الإرهابي والحكومة الموريتانية في عملية تجريم فريدة من نوعها.
إن المتتبع لمسار العلاقة ما بين موريتانيا والقاعدة خلال سنة 2010 ـ التي أفادت وكالة الأنباء الدولية أن وثائق الاتفاق أعدت خلالها ـ يستحيل عليه أن يفهم إمكانية التفكير في الحوار بين موريتانيا والقاعدة بأي شكل من الإشكال، انطلاقا من ضرورة أن التصرفات مهما تكن، يجب أن تخضع لمنطق وظروف تجعلها قابلة للاستيعاب وامكانية الحدوث حتى لا نكون أمام حالة حديث خرافة، فحسب تقرير للصحفي المتخصص بشؤون القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، محمد محمود ولد أبو المعالي تم نشره على موقع "swissinfo" بتاريخ 29 سبتمبر 2010 تحت عنوان"موريتانيا والقاعدة.. استراتيجية جديدة في حرب مفتوحة على جبهات مختلفة"، يمكن للمتابع العادي لتطورات المواجهة أن يلاحظ أن مفهوم الحرب المفتوحة، يستبعد وقف القتال أحرى عقد الاتفاقات، وقبل ذلك ب 10 أيام على وجه التحديد تناول موقع "بي بي سي" أخبار المواجهات بين الجيش الموريتاني والإرهابيين نقلا عن وكالة فرانس بريس عل النحو التالي: "لقد انتهت المعارك وهذا ما لاحظناه على الأرض. إن الطائرات الحربية الموريتانية التي حلقت في أجواء منطقة المعارك نجحت في وقت من الأوقات في دحر المهاجمين" وأكدت نفس المحطة الإذاعية والتلفزيونية عبر موقعها وفي نفس السياق " أن الرئيس الموريتاني كان يقود بنفسه العمليات ضد مقاتلي القاعدة من مقر هيئة الأركان في الجيش الموريتاني" نقلا عن أنباء، وقبل ذلك ذكر موقع "العربية نت" نقلا عن فرانس ابريس يوم 24 يوليو ومن نفس السنة بالحرف الواحد أن "الجيش الموريتاني يُنهي عمليات ملاحقة القاعدة شمال مالي".
كما أعلنت موريتانيا في أكثر من مناسبة على لسان رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز على ضرورة توقف بعض الدول عن دفع الفدى للإرهابيين، حيث تمثل هذه الأموال مصدر تمويل هام لعصابات الجريمة المنظمة، و اعتبر الرئيس في مقابلة مع وكالة فرانس ابريس يونيو 2011 "أن خطف الرهائن و دفع الفديات ضمن لأعضاء القاعدة الحصول على الوسائل، ما مكنهم من الاكتتاب والتجهيز ومضاعفة نشاطهم، سيما وأنهم ظلوا في منأى من المتابعة". و لهذا، يضيف رئيس الجمهورية"قررت موريتانيا، على مدى شهور عدة من سنتي 2010 و 2011 ، القيام بعمليات عسكرية ضد القاعدة في شمال مالي لأن جميع هؤلاء الأشخاص يفدون من الجانب الآخر من الحدود الموريتانية".
مما يؤكد أن المرحلة التي يعتقد أن على مسودة الاتفاق قد أعدت فيها، كانت مرحلة استعادة الكرامة بالنسبة للجيش الموريتاني، هذه المعركة التي كان الجيش فيها مدعوما بإرادة سياسية حازمة تهدف إلى رد الاعتبار لشهداء الجيش الوطني المغدورين خلال السنوات الماضية، إضافة إلى تبنى سياسية هجومية جديدة تهدف إلى نقل المعركة إلى أوكار الإرهابيين في مالي بدل مواجهتهم في نواكشوط.
إن هذه الوقائع مجتمعة تنفى إمكانية تفكير السلطات الموريتانية عقد هدنة "تدفع بموجبها مبلغ يتراوح بين 10 و20 مليون سنويا إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي لتعويض الإرهابيين ومنع خطف السائحين" حسب خبر الوكالة حيث يستحيل عقلا أن تكون في حالة حرب خارج حدودك وتفاوض في نفس الوقت لدفع المال لمن تحارب.
لكن افتراض صحة هذه الوثيقة يجعلنا نتساءل عن دواعي نشر هذه الوثيقة في هذا الوقت بالذات بعد مرور كل هذه السنوات، ولماذا تم حجبها كل هذا الزمن ؟ ومن المستفيد من تسريبها في هذه المرحلة؟ وهل كانت القاعدة الأم فعلا لديها صورة دقيقة عن المعارك على الأرض؟ لكن السؤال الأهم لماذا كل هذا الفرح الذي استقبلت به هذه القصاصة الخبرية؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تؤكد أن الإرهاب المتحالف مع نشطاء الجريمة المنظمة اللذين يعبثان في المنطقة، ربما ليسا المستفيدان الوحيدان من أجواء الريبة والتشكيك التي يمكن أن تطال كل من يقف بحزم في وجه الظلام الذي يسحبانه معهما، لكم أتمنى أن نفهم أن دعاة الظلامية ملة وحدهم وأن فسطاط التنوير جهة ثانية.
أحمد ولد محمدو
إعلامي