العربية لغة الإيمان والوحدة / سليمان أحمد جلو

ثلاثاء, 2016-03-01 15:24

ليس ثمة ما يجمع أبناء هذا الشعب الموريتاني غير الإسلام وبالضرورة لغة القرآن الكريم ولسان الشريعة لغة النبي صلى الله عليه وسلم : العربية

وإن نصوص الشريعة الإسلامية طافحة جدا بتمكين هذه اللغة من سنام القداسة والأصالة في الشريعة، إذا لا يستقيم من دونها دين ولا تستقر بدونها عبادة

ولم يكن الشعب الموريتاني في أي فترة من فترات تاريخه محتاجا إلى التذكير بهذه المسلمة الراسخة رسوخ الإسلام في هذه الأرض، لكن جرت تحت جسور التعايش والإخاء مياه كثيرة، وأغلبها كان آسنا فعميت عن الحق الأبصار.

غير أن ارتباط العربية بالقرآن الكريم ضمن لها البقاء والمحفوظية التامة، فنالت شرف الوعاء بما يوعى فيه وشرف المضاف بالمضاف إليه.

ثم كان لها أساس آخر، وهو عمق تمسك الموريتانيين بدينهم وأصالتهم حتى في أحلك الظروف والعقبات وأمام أعتى عواصف تشتيت الشمل الملئتم على " أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله وسلم."

ولقد جرت رياح كثيرة تريد منع الأفئدة والأبصار من أن يخالطها نور العربية أو أن تستضيئ بألقها الرباني ونورها المتألق.

ولعل من أبزر تلك العواصف

  • عاصفة الاستعمار : فلقد ركز الاستعمار الفرنسي وهو كما لا يخفى استعمار ثقافي تتقدم كتائب الجنود فيه، صفوف الرهبان والأساتذة والمدرسين الذين يسعون لأن يأخذوا للفرنسية يدا في هذه الأرض التي لم تتفرنس ولا ينبغي لها ذلك.

ولقد سعى المستعمر لأن يجعل الفرنسية لسان جميع ساكنة هذه البلاد، لكنه ركز بشكل خاص على سكان حوض نهر السنغال، فحارب اللغة العربية والتعليم الإسلامي في تلال ووهاد وشواطئ النهر بل أحرق عشرات المكتبات والمحاظر وشرد طلاب العلم ومعلمي الناس الخير ومارس إرهابا غير مسبوق، ليقطع الصلة بين الزنوج الموريتانيين وبين لسان القرآن المبين، لكن عمله ظل إلى تباب وخسران دائم.

لقد وقف القرآن الذي بثه الحاج عمر الفوتي والشيخ محمد الأمين ساخو والشيخ محمد الأمين بن عمر الفلاني وآل الشيخ  سي، وآل تفسيرو والشيخ محمود با ومدارس الفلاح سدا منيعا في وجه أمواج الاستعمار العاتية.

ولا تزال المحاظر في كيهيدي وبوكي وسيلبابي وانتيكان وبقية حواضر الضفة ومدائنها يصدح الأذان فيها القلوب قبل المآذن، ولا يزال الشيوخ هنالك يتدارسون  قول الحارث بن حلزة

إن إخواننا الأراقم يغلون علينا في قيلهم إحفاء

زعموا أن كل من ضرب العير موال لنا وأن الولاء

أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء

ولا تزال الهمزيات تثير شجون شيوخ الضاد من الفلان والولف والسوننكي في حواضرهم المختلفة يرددون على مسامع الأجيال

ويح قوم نفوا نبيا بأرض

ألفته ضبابها والظباء

وجفوها وحن جذع عليه

وقلوه ووده الغرباء

لا يزال أولئك الشيوخ يرددون مع السبكي كلما أزفت أزمة أو لاح فرح " نحمدك اللهم على نعم يؤذن الحمد بازديادها ونصلي على نبيك محمد هادي الأمر لرشادها، ماقامت الطروس والسطور لعيون الألفاظ مقام بياضها وسوادها".

وبين بياض الطروس وسوادها وبياض المجتمع وسوداه نسبة تقارب ووارد تشابه وجناس، يردد معه المصلحون في الضفة " ونضرع إليك في منع الموانع عن إكمال جمع الجوامع" وما أجدر الجوامع أن تنطلق منها كلمة الجمع ويترفع منه حداء الوحدة والإخاء.

إن وحدة هذا الشعب المسلم، بعربه وزنوجه، ترد كالسبكي من أكثر من مئة مصتف يروي ويمير" تأسس أسبابها وتمتد أصولها في كل اتجاه لتؤكد أن الأصل الذي لا يزول هو التعاضد والتكامل بين الموريتانيين حول مائدة القرآن وحديقة الضاد، ليقطفوا من زهر الأفنان ويتقلدوا من العقد الفريد سموط لآلئ الوحدة والإيمان.

 

وإذا كان المستعمر قد فشل فيما أراد، ورحل غير مأسوف عليه ولا مودع ولسان حال الضفة يردد

      فما أنا بالباكي عليه صبابة

ولا أنا بالداعي ليرجع سالما

فإن فشل الدولة الموريتانية في تقديم تعليم ناجح كان عاصفة أخرى في وجه الوحدة ولسانها العربية لسان القرآن

عاصفة التعليم :  لقد فشلت الدولة وبناتها الطيبون الأخيار، في ربط التعليم بأهداف الأمة الكبرى وهما سؤالا الهوية والتنمية، وبدلا من ذلك ارتبط بسرعة بسؤال المحاصصة والأهداف السياسية الضيقة، ولم تكن أحداث 1966 المؤلمة إلا نموذجا واضحا لارتباط التعليم بسؤال المحاصصة والأهداف الضيقة، فلقد خرجت المطالب الضيقة من المدارس التي ينبغي أن تكون جامعة للشعب مانعة من التضاد والتفرقة.

لقد نتج من كل ما سبق أن تلاقت النخبتان الفرنكفونيتان من العرب والزنوج على الابتعاد عن اللغة العربية، وإذا اختلف منظرو النخبتين في قضايا السياسة وتصور الحكم، وأداء الحكومة فإنهم لم يختفلوا في أن العربية تمثل نهاية اختطافهم للقيم الثقافية للشعب

وحتى القوميون من الطائفتين، تأذت منهم العربية بإجماع، فقد قدم القوميون العرب الضاد على أنها لسانهم فقط وسوط غلبتهم، ولم يكن ما يقدمون منها أكثر من غبار داحس والغبراء وصراع عبس وذبيان ورآها القوميون الزنوج خطرا على هويتهم، وياللعجب كأن هويتهم انفصمت عن الضاد والقرآن في أي مرحلة من مراحل تشكلها في هذه الأرض، ثم احتموا من العربية بالفرنسية فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، مناقضين بذلك أنفسهم فلم تكن الفرنسية في يوم من الأيام لغة تراث لكور الموريتانيين.

ثم لم يزل التعليم يضرب بسهام صائبة في كبد الوحدة، ويجتز من إهاب العربية كل يوم، ينقصها من أطرافها، حتى تجاوز مرحلة التمييز بين الشعب إلى التمييز بين الشعب نفسه وتلك للأسف خطيئة لا ينجي من إثمها غير المبادرة إلى تقوية اللحمة.

عاصفة عجز التعليم المحظري : وكان من العواصف الأخرى التي طالت انتشار القرآن والعربية ضعف التعليم المحظري وخصوصا في مناطق الضفة التي يعتمد فيها شيوخ المحاظر على وسائلهم التقليدية المتواضعة وعلى أنماط وطرق تربوية أكثر تواضعا وتقليدية.

ويواجهون حملة قوية من خصوم القرآن وأعداء العربية الذين روجوا لفترة أن العربية ليست لسان التقدم وهو كذبة شاعت على ألسنة كثيرة خلال العقود الماضية، ثم أضافوا فرية أخرى أن العربية لسان قوم آخرين من شركاء الوطن وليست لسان الجميع وتناسوا أن العربية ليست لغة أولئك القوم ولا هؤلاء القوم بل هي لغة من يؤمنون بالقرآن، والقرآن إذ يدفعنا جميعا إلى تعلم لغته لا يلغي لغاتنا ولا لهجاتنا السابقة بل يمنحها من طهارته وألقه ما يحفظ لنا خصوصية الثقافة، ويمنحنا بالعربية قدرة على الولوج إلى العالمية عالمية الشهادتين.

هل إلى حل من سبيل

ثمة حتمية وهي انتصار اللغة العربية، وانتصار لسان القرآن وانتشارهما، وسيتحقق هذا الهدف دون شك ولكنه يحتاج منا مسارات للعمل أبرزها في تصوري

  • إعادة تقديم اللغة العربية باعتبارها لسان القرآن الكريم لا لسان حمير ولا طيئ بمعناهما النسبي العرقي، هي لغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك  تتشرف ومن يربطها بعرق دون آخر كمن يختار القليب الآسن على النهر العذب الدفاق الزلال.
  • أن يأتلف أبناء اللغة العربية ومحبوها على خدمتها بالتي هي أحسن والتي هي أجمع وأشمل ولن تجد لذلك سبيلا غير التعليم.
  • إعادة الاعتبار للعربية في التعليم النظامي وزيادة التركيز عليها في مناطق الناطقين بغيرها، عبر برامج تطويرية وعمل تربوي متكامل يأخذ في الحسبان الخصوصية التي تمتع بها المنطقة.
  • تطوير مبادرات تعليم اللغة العربية ومعاهدها والتنافس في هذا المجال
  • دعم التعليم المحظري في مناطق الضفة، وتطوير مناهجه ليناسب متغيرات العصر اليوم.
  • التدرج في الوصول إلى الأهداف والحكمة في التعامل مع المستهدفين بالتعليم.
  • إقامة مباريات للتعليم سنويا بين القرى والولايات والمناطق بما يسمح بتطوير التعليم وإحلال العربية مكانها الأسمى.

 

هذه أفكار أحببت أن أشارك بها في نقاش لا يخبو عن اللغة العربية، أرجو أن تكون لله خالصة وللثواب قانصة وتكون حسناء كاملة غير واشمة ولا نامصة

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين