ربّما تشعر الحاصلات على شهادة الثانوية العامة في موريتانيا بأنهن أمام مفترق طرق، وخصوصاً أنهن يواجهن واقعاً صعباً يجعلهن حائرات بين السفر لإكمال الدراسة في الخارج ومواجهة محيط يرفض ابتعاث الطالبات، أو قبول الدراسة في جامعات محلية لا تؤمن جميع التخصصات، علماً أن الخريجين الجامعيين لا يجدون وظائف بسهولة.
وعادة ما تشجع العائلات الطالب على الابتعاث والحصول على منحة دراسية في أية دولة، من دون أن يسري الأمر على الطالبات مهما بلغت درجة تفوقهن أو حاجتهن لإكمال دراستهن الجامعية. ويعزو كثير من الموريتانيين رفضهم سفر الفتاة للدراسة في الخارج إلى “التقاليد الاجتماعية وضرورة حماية المرأة ومنع الاختلاط بالأجانب، وخصوصاً إذا كانت في عمر صغير وتنتمي إلى بيئة اجتماعية محافظة”، ما قد يؤثر على مستقبل عدد كبير من الفتيات اللواتي يحرمن من تحقيق أحلامهن، وقد اخترن تخصصاً مختلفاً.
هذا “الفيتو” عانت منه الفتيات اللواتي أنهين الثانوية العامة في الثمانينيات والتسعينيات، علماً أن أعداد الناجحات ارتفعت في الثانوية العامة وبنسب كبيرة، فيما المعاهد والجامعات قليلة ولا تؤمن جميع التخصصات، ما حرم كثيرات من دخول الجامعة ودفعهن إلى البحث عن وظيفة أو الزواج.
سعاد بنت محمد بوبكر (39 عاماً) حصلت على شهادة الباكالوريا بمجموع جيد، وكانت ترغب في أن تصبح طبيبة أطفال، لكن تقاليد عائلتها منعتها من السفر إلى الخارج للدراسة، على الرغم من حصولها على منحة دراسية. تقول لـ “العربي الجديد”: “كانت فرحتي كبيرة حين أعلنت نتيجة الثانوية العامة، وخصوصاً أن المجموع الذي حصلت عليه يتيح لي دخول الجامعة التي أريدها. وبالفعل، بدأت بترتيب أموري للسفر، على أمل أن توافق العائلة، وخصوصاً أن تخصص الطب لم يكن متوفراً في جامعات موريتانيا. لكن عائلتي أصرت على أن الفتاة لا تسافر بمفردها إلى الخارج”.
رفضت سعاد الانتساب إلى جامعات محلية. وبعد عامين، حصلت على وظيفة حكومية وتزوجت. وإذا كانت سعاد قد رفضت دراسة تخصص لا يعجبها، فإن خديجة بنت سيديبا (30 عاماً) التحقت بمدرسة تكوين المعلمين بعدما تبدد حلمها بالسفر للدراسة في إحدى كليات الهندسة. تقول لـ “العربي الجديد” إن “الحياة في مجتمع جديد وغريب عن المجتمع الموريتاني يدفع العائلة إلى رفض فكرة ابتعاث الطالبة، خوفاً عليها من التأثر به. ومهما بلغت درجة الوعي لدى العائلة، يبقى القبول بفكرة الابتعاث مسألة حظ”.
وبسبب قلة الجامعات والمعاهد في موريتانيا، يصبح السفر إلى الخارج خياراً لا بديل عنه. حتى أن الحكومات ما زالت تضع ميزانية ضخمة لابتعاث الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة إلى الدول المجاورة كالمغرب والجزائر وتونس والسينغال، وإرسال المتفوقين إلى فرنسا وإسبانيا وبلجيكا.
وتجدر الإشارة إلى أن موريتانيا تعاني من شح كبير في مؤسسات التعليم العالي، علماً أنه يوجد ثلاث جامعات حكومية فقط في الوقت الحالي. وخلال السنوات الماضية، أنشئت خمس جامعات خاصة، بالإضافة إلى سبعة معاهد ومدارس عليا متخصصة، يدرس فيها نحو 20 ألف طالب. ولا تُتيح معظم هذه المؤسسات الدراسات العليا.
في ظل هذا الوضع، تبقى نسبة كبيرة من الطالبات خارج الجامعات، بالإضافة إلى الذكور الذين تمنعهم الظروف العائلية من إكمال مشوارهم الدراسي بسبب حاجة العائلة إلى وجودهم. يقول الباحث الاجتماعي محمد أحمد ولد أعل إن “أحلام الطالبات بمستقبل مهني تصطدم بواقع صعب بسبب قلة الجامعات وغياب التخصصات، وخصوصاً تلك العلمية، ورفض العائلة سفر الطالبات إلى الخارج”. يضيف أن السؤال حول المستقبل يرافق التلميذ طوال سنوات دراسته. ومع تقدمه في المراحل الدراسية، تكبر أحلامه ويجتهد لتحقيقها، لكنها تتلاشى لأسباب غير مقنعة، لتتغير حياة الطالب الذي يخسر طموحه ومستقبله.
إلى ذلك، ينتقد الباحث العادات والتقاليد التي تمنع الأسر من ابتعاث الفتيات للدراسة في الخارج، ويرفض سياسة الدولة التي لم تعمل على تأمين الجامعات والتخصصات المطلوبة. ويقول: “حتى وقت قريب، ظلت التخصصات العلمية كالطب والهندسة غير متوفرة في الجامعات والمعاهد الموريتانية، إلى أن أنشئت جامعة علمية قبل خمس سنوات فقط، علماً أنها تفتقر إلى تخصصات أخرى، ما يعكس حجم المشاكل الموجودة في هذا القطاع”. ويرى أن “رفض بعض الأسر السماح للفتيات بالسفر إلى الخارج لإكمال تعليمهن يعد ظلماً كبيراً”، داعياً السلطات إلى توعية المجتمع، حتى تستطيع الطالبة اختيار المستقبل الذي تريده لنفسها.
للقراءة من المصدر اضغط هنا