لايمكننى أن أنسى ذلك اليوم الذى وصلت فيه إلى واد الناقه فجرا من أجل حضور محاكمة الرائد صالح ولد حننا ورفاقه، ككل الأيام الثقيلة والجميلة التى واكبنا فيها المحاكمة...
أخذت آلة تسجيل صغيرة وشريط لازلت أحتفظ به فى مكتبتى إلي اليوم.. ودعتها فى بيت أجرناه قرب السوق الكبير (مرصت ولد الحسن)، وغادرت المنطقة لحضور محاكمة الزعيم وسماع رأيه بشأن تهمة أقل عقوبة توقعها قاضى أو محامى هي الإعدام ...
وقف ولد حننا أمامنا – وهو يرتدى أثوابا بيضاء- هادئا غير مهتز، يمشى بهدوء مابين القفص ومنصة الاستجواب، وحوله يتحرك أبرز المحامين داخل القاعة، إنها اللحظة الأهم فى سير المحاكمة على الإطلاق.
استعرض القاضى على عجل تهم النيابة العامة، واستمع الرائد صالح ولد حننا إلى ماخطته أنامل المدعى العام وجادت به قريحة ضباط الشرطة والدرك والجيش من تهم، وكان الجو مثقلا بجراح الماضى وصعوبة اللحظة وهول التهم والمتهم واقفا بين يدى القضاة والضباط المكلفين بالمحاكمة..
لم أتمالك نفسى وقد أجهشت بالبكاء حينما بدأ بكلماته التى لاتزال فى أذنى إلي اليوم ..
كان البعض يتوقع النفى أو البحث عن أعذار أو الخروج من المأزق بأقل تكلفة، لكن كانت للرائد نظرة أخرى وقرار آخر وموقف لن ينساه له التاريخ.
" نعم سيدى القاضى يشرفنى أن أكون واحدا من بين أربعة ضباط حملوا أرواحهم على أكفهم دفاعا عن الوطن، ولبوا نداء الواجب، وتحركوا رفضا للظلم الممارس وانحازوا إلى الشعب بعد عقدين من الظلم والقهر ومصادرة الحريات وتزوير إرادة الناس".
ضجت القاعة وارتفعت الزغاريد فيها، وتشنجت النيابة وحق لها أن تتشنج، وواصل ولد حننا بهدوء واسترسال حكايته لما وقع، مقرا بما اعتبروه ذنبا، ومذكرا بما آل إليه وضع البلاد فى عهد الرئيس معاوية ولد الطايع، ومؤكدا للقضاى أن ولد الطايع سيرحل عن الحكم وستتم الإطاحة به مهما على وتجبر.
قاطعه القاضى قائلا" هل تدرك أن ماتقول يمكن اعتباره اصرارا على الذنب ؟
رد ولد حننا بالقول " هذا حلمى وأدرك سيدى القاضى أن أحلام الشرقاء دوما تتحقق".
كان يوما جميلا ممتعا .. جمعنا فيه بين الشعور بالفخر والإعتزاز والإحساس بمرارة الظلم وقهر الرجال ..
مرت الأيام وغاب ولد الطايع ومن بعده سيغيب آخرون ، ولايزال صالح ولد حننا يروى الحكاية بكل صراحة وجرأة واحترام
بورك مسعاه وكل عام والثائرون من أجل الكرامة بألف خير
من صفحة الصحفي سيد احمد محمد باب على الفيس بوك