تملك موريتانيا واحدا من أكثر شواطئ العالم غني بالمورد البحرية ،ويعود ذلك للتيارات الصاعدة ، upwellings والتي تحمل المغذيات إلي المستويات التي تتسرب إليها أشعة الشمس (عمق لا يتجاوز200 مترا) ،مما يسمح بازدهار العوالق النباتية المجهرية ،والتي تشكل قاعدة هرم السلسلة الغذائية ،بالإضافة إلي وجود مسطحات مائية قليلة العمق، تسمح بانتشار الأعشاب المائية مثل Zostera nolii و Cymodocea nodosa ،والتي تعد موئلا لازدهار التنوع الإحيائي في البيئة البحرية.
مراحل تطور القطاع:
لقد بدأ الاهتمام بالموارد البحرية الموريتانية منذ أمد بعيد، حيث كانت الإرهاصات الأولي علي يد المستكشف البرتغالي Gil Eanes De Murara سنة 1434 ،ثم جاء الهولنديون سنة 1633، فالفرنسيون ،لكن الحروب كانت دائما عائقا أمام استغلال الموارد البحرية.
لقد بدأ الاستغلال الفعلي لمواردنا عام 1890، من طرف شركة مختلطة تقع في جزر الكناري، حيث وصل إنتاجها لسبعة آلاف طن،بالمقابل لم يحالف الحظ الفرنسيين فقد فشلت جل مبادراتهم لاستغلال مواردنا البحرية ،ويعود ذلك في الأساس إلي صعوبات الملاحة في منطقة حوض آركين وقلة المياه العذبة.
شكل اتفاق باريس المنعقد بين فرنسا واسبانيا سنة 1905 ،الخطوة الأولي للاستغلال الفرنسي لمواردنا البحرية ،حيث تم إنشاء المدينة الفرنسية في الشمال الموريتاني Port Etienne ،والتي سيصبح عدد سكانها بالمئات في حيز زمني لا يتجاوز السنتين فقط،و خلال فترة وجيزة ظهرت عدة شركات فرنسية تباينت حظوظها في النجاح.
ظهور شركة SIGP
شكل ظهور الشركة الصناعية للصيد SIGP سنة 1919 دفعة قوية للمدينة الناشئة، والتي ستحدد ملامح مصيرها لمدة 60 عاما ،هي مدة عمرها الحافل بالنجاحات والإخفاقات ،وقد تركز نشاطها علي صيد اسماك الكوربين السهلة الحفظ بتقنيات تلك المرحلة.
اتسمت هذه المرحلة بالعشوائية و هيمنة الأجانب علي مقدرات القطاع ،حيث ظلت شواطئنا مركزا لنهب أساطيل العالم اجمع.
مرحلة الإصلاح
شكلت سنة 1979 منعطفا في تاريخ القطاع ،حيث تم إتباع سياسة طموحة لدمج القطاع في الاقتصاد الوطني ،تمثلت في سن قوانين مشجعة للاستثمار الخاص، وإجبارية التفريغ في الموانئ الوطنية ،وإنشاء شركة لتسويق منتجات الصيد، وبناء مصانع ومنشآت خدمية ،مما أتاح الفرصة للمستثمرين الخصوصيين للعب دور فعال في القطاع ،مما ضاعف حجم صادراته ثلاثين مرة في حيز زمني لا يتجاوز ثمان سنوات.
تم إجراء مراجعة للسياسة المتبعة في القطاع عام 1986 ،حيث تم إقرار مدونة للصيد إلي جانب مدونة البحرية التجاريةئ، كما تم تفعيل دور الرقابة وتكريس أهمية الاستشارة العلمية للمركز الوطني لبحوث المحيطات والصيد CNORP في إدارة الموارد .
شكلت سنة 1987 بداية الشراكة مع أوربا ،و في سن2002 تم إنشاء المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP و الذي سيلعب دورا بارزا في سياسات القطاع لاحقا.
ظلت الاستراتجيات الوطنية المعتمدة بعد سنة 1997 تركز علي ما يلي:
- الاستغلال الأمثل للمصائد؛
- تدعيم الإطار ألتشاوري؛
- التنازل التدريجي عن بعض مسؤوليات إدارة المصائد للمستغلين؛
- تدعيم إطار ملائم للاستثمار العام والخاص؛
- الفصل بين وظيفتي استغلال واستصلاح المصائد؛
- مراجعة الإطار القانوني.
ملامح الإستراتجية الوطنية الحالية للقطاع ( 2015- 2019 )
- تحسين المعارف حول المصادر البحرية وموائلها؛
- حسن تدبير واستغلال المصادر البحرية ؛
- تعزيز إدماج القطاع في الاقتصاد الوطني؛
- تطوير الأنشطة البحرية؛
- تعزيز تنمية الصيد القاري وعمليات الاستزراع؛
- تدعيم حكامة القطاع.
القطاع اليوم
- تحسن البني التحتية من خلال إعادة تأهيل ميناء خليج الراحة وميناء نواذيبو المستقل وبناء ميناء تانيت؛
- ترخيص العمل ل67 سفينة متن و109 مؤسسة علي الأرض اغلبها يعمل في شعبة دقيق وزيت السمك؛
- تناقص أعداد أنواع الأعماق الشاطئية النبيلة؛
- استمرارية اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي؛
- اتفاق الشراكة مع الشركة الصينية Poly Hondone والذي لم يحقق الأهداف المعلنة له؛
- انتظار تنفيذ استثمارات الراجحي المعلنة؛
- إهمال الصيد القاري وعمليات الاستزراع؛
- إهمال شعبة المحار وإمكانات العديد من الرخويات كخيار البحر؛
- وجود منظومة قانونية كبيرة مؤلفة مما يزيد علي 64 نص قانوني(معاهدة-قانون-مرسوم-مقرر) ،إلا أنها تحتاج للمراجعة بسبب إنشاء منطقة نواذيبو الحرة.
مقارنة بين قطاع الصيد في موريتانيا والسنغال
تملك موريتانيا شاطئا بطول 720 كم ،والمساوي بالضبط لطول شاطئ السنغال، كما تبلغ مساحة منطقتها الاقتصادية الخاصة 234 000 ZEE كم مربعا، بينما تصل عند السنغال 180 895 كم مربعا ،أما جرفنا القاري فهو بمساحة 39000 كم مربعا، بينما يبلغ عند السنغال 23 800 كم مربعا، ويوفر القطاع في بلادنا 55000 فرصة عمل نصفها ثابت ،بينما يوفر في الجارة السنغال 600000 فرصة عمل ثلثها ثابت ومن ضمنها 63000 بحارا، كما يصل استهلاك الفرد عندنا حسب آخر الإحصائيات 4,2 كغ للفرد سنويا ،بينما يبلغ استهلاك السنغالي 35,4 كغ سنويا، تبلغ طاقة. استغلال مواردنا البحرية من منتجات الصيد 1500000 طنا سنويا،بينما تبلغ 500000 فقط عند السنغال، نلاحظ أن القطاع في السنغال يلعب أدوارا اقتصادية كبيرة بالرغم منه يملك ثلث مواردنا البحرية فقط.!
مقارنة بين قطاع الصيد وقطاع التنمية الحيوانية
يتشابه القطعان كثيرا ،من الناحية البنيوية، فكلاهما يعد إنتاجا ثانويا يعتمد الإنتاجية النباتية الأولية الطبيعية، كما يتشابهان أيضا في ضعف تثمين منتجاتهما، إلا أن الأول يسهم في 14% من PIB ، بينما لا يصل إسهام قطاع الصيد سوي ل6 % ،كما أن حصة استهلاك الفرد السنوية من اللحوم الحمراء وحدها 19 كغ للأول بينما تبلغ 4,2 كغ من منتجات الصيد.
ومن خلال المقارنة، نلاحظ أن قطاع التنمية الحيوانية يوفر الشغل ل80 % من القوي العاملة في البلد ،بينما لا يوفر قطاع الصيد سوي 55000 فرصة عمل، في حين استفاد قطاع الصيد من استثمارات هائلة ،بينما لم يستفد قطاع التنمية الحيوانية من أية استثمارات تذكر.
إشكالية القطاع
ظلت الجهود المبذولة خلال ثلاثة عقود من محاولات تطوير قطاع الصيد دون النتائج المتوخاة، فالقطاع لم يستطيع أن يكون المحرك لعجلة الاقتصاد الوطني، بالرغم من موارده الهائلة ويعود ذلك في الأساس إلي:
- معوقات اجتماعية وثقافية، تحول دون الاستفادة من منتجات القطاع أو الانخراط في دائرته الاقتصادية؛
- ضعف البنية التحتية وتركيزها في منطقة الشمال؛
- ضعف الاستراتجيات المتبعة وتضارب السياسات فمثلا ازدهار مصانع دقيق السمك اثر علي الاستثمارات في قطاع الإنتاج؛
- غياب منصة تمويل فعالة؛
- هشاشة منظومة البحث والتكوين فموديلات إدارة المصائد لا زالت بعيدة عن توفير أرقام دقيقة تساعد صناع القرار ؛
- ضعف تنظيم التنظيمات التعاونية و المهنية؛
- عدم تثمين منتجات القطاع؛
- إدمان القطاع علي الشراكة مع أوربا.
ظلت السياسات العمومية المتبعة في قطاع الصيد ،تسعي إلي دمج القطاع في المنظومة الاقتصادية الوطنية ،ويتضح جليا فشل تلك السياسات، من خلال إلقاء نظرة فاحصة لقطاع الصيد في السنغال، كما تظهر جليا من سماع لهجة متاداولي سوق السمك في نواكشوط أو شاطئ السماكين،حيث يظهر عدم اندماج كل الموريتانيين في القطاع..!.
القطاع و مبادرة الشفافية
يحتاج القطاع اليوم لوقفة جادة ومسؤولة لتصحيح اختلالاته ،لكي يلعب دور المحرك الاقتصادي الوطني ،ويكون ذلك بمراجعة السياسات المتبعة، و خصوصا أداء منطقة نواذيبو الحرة ،أما الانضمام لمبادرة للشفافية أثبتت فعاليتها فهو أمر مهم ،لكن حمل لواء إنشاء مبادرة جديدة فهو ترف يشتت الجهود.
القطاع والبعد البيئي
تملك شواطئنا تنوعا بيولوجيا كبيرا ،وهي موئل لأنواع نادرة أو ذات وضعية حرجة، إلا أن توازنها البيئي اليوم أصبح مهددا بشكل كبير، بسبب إهمال البعد البيئي وغياب المراقبة ،حيث ظلت سواحلنا مقبرة عالمية للسفن ولفترة طويلة، كما أن أنشطة سفن الصيد تسبب إضرارا جساما بسبب عدم احترامها للمعايير البيئية، بالإضافة إلي مخلفات مصانع دقيق السمك وأنشطة التنقيب واستغلال الموارد النفطية مما قد يسبب فناء ثروتنا البحرية.
إن موارد الصيد البحري كبيرة ومتنوعة ومستدامة، وهي ثروة وطنية، لكن استغلالها يفرض علينا احترام المعايير البيئية فهي وحدها ستبقي بعد نفاذ مخزون المعادن.
المهندس:الهيبة ولد سيد الخير