الدِّفَاعُ الشَّرْعِيُّ: حَالَةٌ يُقَدِّرُهَا القَضَاءُ فَقَطْ..
مَعلوم من القانون بالضرورة أن الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة تنتفي بتقدير وجوده المسؤولية عن الفعل المجرم أصلا..
وعلى هذا تنص المادة 304 من القانون الجنائي الموريتاني: << لا جناية ولا جنحة إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب قد دفعت إليه الضرورة في حالة دفاع مشروع عن النفس أو عن الغير>>..
لكن الدفاع الشرعي حالة يقدر قيامها القضاء المختص فقط، تبعا للظروف المحيطة، ويخرج من ذلك الجمهور، ومهنيو القانون..
تفرض القواعد القانونية الإجرائية أنه في كل فعل تعلق بالمس بحياة الأشخاص جرحا أو قتلا، أو غيرهما يجب على الضبطية القضائية توقيف الفاعل، ومعاينة المسرح بتعليمات النيابة العامة ومرافقتها، والقيام بالبحث الابتدائي الضروري لجمع الأدلة التي تثبت وجه ارتكاب الفعل، وإحالة كل ذلك إلى النيابة العامة، ليتاح للقضاء المختص تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي أو غيرها في الحادث..
وتقطع هذه الإجراءات القانونية الملزمة الطريق على الناس أن يعتدي بعضهم على بعض بعيدا عن القانون ثم يلوذون ـ تخلصا من المسؤولية الجنائية ـ بحالة الدفاع الشرعي، حسب الأهواء..
وقعت دائما حوادث في نواكشوط، استخدم فيها أشخاص أسلحة نارية دفاعا عن أنفسهم أو الغير، وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية المقررة، قدر القضاء أن الأمر يتعلق بحالة دفاع شرعي فتم إخلاء سبيلهم..
في سنة 2007 ـ على ما أذكر ـ اقتحم ثلاثة أشخاص على رجل محله التجاري بالتقسيط في مقاطعة الرياض، وكان أثناء محاولتهم خلع باب المحل يعذر إليهم ويحذرهم، فلما اقتحموا عليه يحملون سيوفا وسكاكين أطلق عليهم طلقة من بندقية صيد (بُفُلْكَه) فأردى الأمامي منهم قتيلا على الفور، وفر صاحباه، وبعد المعاينة والبحث والتحقيق قدر القضاء أن الفعل يتعلق بحالة دفاع شرعي، فأطلق سراح الرجل وسلم له سلاحه الذي كان مرخصا..
بعد أشهر قليلة من هذه الحادثة، تهيأ مساعد متقاعد من الشرطة للخروج إلى صلاة الفجر من منزله في مقاطعة عرفات فتنبه لوجود شخص غريب يحمل أغراضا من بيته فحاول توقيفه، وأثناء خروجه خلفه من باب المنزل أغلق الشخص عليه الباب وكان نصفه قد خرج وبدأ بالضغط على صدره، فتناول مسدسه الذي كان بحوزته، وأطلق عليه رصاصة فر على إثرها منه، ليسقط غير بعيد متأثرا بإصابته ويموت لاحقا، وبعد التحقيقات أفرج عنه تقديرا لقيام شروط الدفاع الشرعي في حالته..
في سنة 2010 لا حظ رجل مسن يقيم بمقاطعة دار النعيم أشخاصا يحاولون خلع أبواب مخزن مقابل لمنزله وصاح بهم فهددوه، فأطلق عليهم طلقة من بندقية صيد (بُفُلْكَه) بحوزته فأصاب أحدهم وفر الآخرون، وبعد التحقيق أفرج عن المعني بعد أن قدر القضاء أن الأمر يتعلق بفعل أدى إلى منع وقوع جريمة على الغير..