استطلاع الأستاذ أحمد سالم ولد باب لموقع مراسلون
من قال إن الأخبار السّارة لم تعد تأتي من موريتانيا؟
إليكم هذا الخبر: لدينا معهدٌ جامعي بالمواصفات الجامعية المتعارف عليها عالميا..
على الأقل ذلك ما أقرت به بعثة أجنبية زارت المعهد العالي للتعليم التكنولوجي بروصو ISET قبل أشهر..
إذن.. من بين الخرائب التي تسمى كليات ومعاهد في موريتانيا؛ برز المعهد العالي للتعليم التكنولوجي.. تماما كما يبرز الكنز وسط الأطلال، وكما تنبعث المعجزاتُ من الجماهير، وكما تولد الحريات من الظلم..
مبان موروثة عن الاستعمار..
وَرِثَ ISET روصو أغلب مبانيه الحالية عن أقدم ثانوية في موريتانيا، وهي الثانوية المعروفة بـ"ثانوية كبولاني"، والتي تَخَرَّجَ منها أغلبُ أطر الدولة الوليدة غداة الاستقلال..
أَخْلَتْ "ثانوية كبولاني" مبانيها بعد أن نُقِلَتْ مدرسة تكوين المعلمين بروصو إلى مدينة لعيون سنة 1988، فاتخذت السلطات المحلية قرارا بنقل الثانوية إلى مباني المدرسة، بسبب قربها من المدينة، على خلاف "ثانوية كبولاني" التي تبعد عنها بـ 3 كيلومترات.
وقد قررت الحكومة آنذاك إنشاء معهد جامعي يسمى "المعهد العلمي العالي"، حيث اختارت له مباني ثانوية روصو القديمة مَقَرًّا.. وتعتبر تلك المحاولة هي أول خطوة في اتجاه "لا مركزية التعليم الجامعي".. لكن تنفيذها تأخر كثيرا.
حين تلج بوابة المعهد؛ تكتشف أنه جنة صغيرة بنيت على عدة كيلومترات مربعة، وتفاجئك مناظر طبيعية في غاية الروعة، تجعلك تشك أنك في موريتانيا!
وحين ترى مبانيه الموروثة عن المستعمر - والتي تم إنشاؤها بداية الخمسينيات - وهي في وضع جيد حتى الآن؛ فإنك لا تملك إلا الغيظ والأسف وأنت تتذكر مبانٍ متناثرة في كل أرجاء الوطن، تريد أن تنقض، ولم يمر عليها بعدُ عِقْدٌ من الزمن!
الفرق يكمن فقط في أن من تولى بناء هذه هم مقاولون "وطنيون"!
رواج في سوق العمل..
المعهد الذي يستعد لتخريج الدفعة الرابعة من طلابه هذه السنة؛ جعلهم يَلِجُونَ سوق العمل بسهولة، حيث تقل نسبة البطالة إلى حد كبير بين خريجيه، كما قال لنا مديره المساعد الدكتور أحمد ولد الحاج.
تُنسب إلى الصينيين - في فلسفة التعليم - حكمةٌ تقول: قل لي وسأنسى.. علمني وقد أتذكر.. أَرِنِي وسأتعلم..
ويبدو أن المعهد يسير على ضوء هذه الحكمة، حيث يُولِي عناية كبرى للأعمال التطبيقية على حساب الدراسة النظرية، ومن بين أهدافه المكتوبة أنه "يسعى لإنشاء المعارف من خلال أنشطة بحثية مبتكرة".
وخلافا لجل طلاب التعليم الجامعي لدينا؛ فطلبة ISET روصو يجلبون مادةَ مذكراتِ تخرجهم من المخابر لا من بطون الكتب!
ولأنهم أثبتوا جدارتهم في هذا الصدد؛ فقد استطاعت إحدى الدفعات الحصول على عقود عمل مع إحدى شركات الألبان قبل تخرجها بأشهر!
يقول المدير المساعد مذكرا بالظروف التي وُضِعَ فيها الطلاب من أجل تحقيق هذه النتائج: "نوفر لطلابنا سكنا لائقا وإعاشة كاملة ورعاية صحية، ويستفيدون من منحة وخدمة الإنترنت، ويتسلمون المختصرات والمذكرات الدراسية مجانا".
ويضيف المدير: إن إشعاع المعهد تجاوز منطقة روصو إلى الولايات المجاورة، فمن خلال الأقسام الخمسة للمعهد (وقاية النباتات، صحة الحيوانات، الصناعات الغذائية، الهندسة الميكانيكية، النظم البيئية) استطعنا أن نقدم خدمات واستشارات زراعية ورعوية وبيئية لكل من يطلبها.
يستقبلنا المهندس المؤدب سيدي ولد حمادي رئيس قسم الصناعات الغذائية في قسمه، ويشرح برحابة صدر - وهو ينتقل من جهاز إلى جهاز - خطوات إعداد الياورات والحليب المبستر والجبنة والزبدة والمربي والعصائر، ومعالجة الخضروات والفواكه وتعليب اللحوم.
وقد علمنا من مصدر - فضل عدم نشر اسمه - أن قسم الصناعات الغذائية بالمعهد وَقَّعَ في وقت سابق عقدا مع إحدى شركات الألبان المحلية، وفر لها من خلاله كميات من الياور والأجبان ومنتجات الألبان، وقد استطاعت عائدات هذا العقد - حينها - تغطيةَ رواتب الأساتذة المتعاقدين ومنح الطلاب!
يضيف نفس المصدر بنغمة تشوبها الحسرة: إن المعهد لم يعد كما كان، وقد بدأ يتراجع عن المستوى الذي بدأ به.
ورغم ذلك فإن هذا القسم لا يزال يزود المطعم الجامعي باحتياجاته من تلك المواد، رغم أنه توقف عن إنتاج كميات تجارية إلى أجل غير مسمى.
براءة اختراع!..
ربما كان ISET روصو هو أول مؤسسة جامعية وطنية تسجل براءة اختراع لدى الجهات المختصة في الخارج، فقد سجل في الفترة ما بين 2011 و 2015 براءة اختراع تتعلق بإنتاج "فحم صديق للبيئة".
وملخص القصة أنهم استطاعوا في المعهد الاستفادة من نبتة "تيفا" المعروفة محليا بـ"يُورْ" في صناعة هذا الفحم، عبر سحق هذه النبتة مع قشور الأرز، ثم إخراجها في شكل قضبان من ماكينة خاصة، ثم حرق تلك القضبان في أفران معدة لنفس الغرض.
وبهذا الاختراع فإن المعهد ضرب عصفورين بحجر واحد، فهو لم ينتج فحما صديقا للبيئة فحسب، بل اكتشف أيضا سبيلا للحد من أضرار نبتة "تيفا" على النباتات الأخرى وتأثيراتها السلبية على التوازن البيئي.