"مراسلون " تحاور كاتب رواية " عناقيد الرذيلة " التي ناقشت موضوع العبودية في موريتانيا

جمعة, 2016-01-15 10:44
غلاف رواية " عناقيد الذنوب "

عناقيد الرذيلة ...رواية موريتانية للكاتب أحمد الحافظ

                خرجت عن المألوف وتحدثت عن أصل العبودية ووجهها القبيح
 

 أجرى المقابلة الزميل حبيب القرشي - لموقع مراسلون

في بداية يناير من العام الجديد 2016 صدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون رواية لكاتب موريتاني تحمل وسم "عناقيد الرذيلة" في 222 صفحة من الحجم المتوسط  وهي ملحمة اجتماعية حملت خروجا على المألوف؛ على الأقل في النسق السردي الموريتاني الموصوف بالمحافظ؛ فطرقت أبوابا كانت لعهد قريب من المحاذير و التابوهات؛ وقد تناولتها  الرواية بجرأة وشجاعة؛ رغم أن لغتها ظلت رزينة مسالمة؛ تميل إلى الهدوء.. ربما هو الضرب من تحت الحزام.

"مراسلون" التقت كاتب الرواية الروائي أحمد ولد الحافظ و هو مثقف موريتاني مولود سنة 1976 في بوتيليميت و يقيم الآن بالدوحة حيث يشتغل بالإعلام وكان لها معه الحوار التالي:

بعد الترحيب نود تقديم الرواية باختصار للقارئ..!

في البدء كل الشكر لصحيفة  "مراسلون"الإلكترونية وللقيمين عليه، أما بخصوص السؤال ف"عناقيد الرذيلة" تراجيديا تطرح مجموعة من الإشكاليات من خلال أبعاد الزمن الثلاثة (الماضي ـ الحاضر ـ المستقبل) وهي إشكاليات مزمنة؛ عانى منها العقل العربي دائما؛ وخصوصا ذلك العقل الذي يعيش على "الأطراف" مهزوز الثقة في الهوية، ومرتبكا في تحديد معالمها، وآليات تحديدها؛ حيث عالجت "الرواية" قضية "الهوية" من بعدين؛ بعد بيولوجي، وبعد سيكولوجي، وفي زمنين ومكانين "موريتانيين" مختلفين؛ من حيث المفاهيم والرؤى (مع إمكانية إسقاط تلك الزمكانية) الزمن الأول بداية القرن العشرين، أما الزمن الثاني فهو نهاية ذات القرن، وقد حاولت الإجابة على إشكالية "الهوية" بالنسبة لبعض الشرائح العربية "السمراء" التي عانت في مرحلة من تاريخها من ظلم "العبودية" حيث تطرح تلك الإشكالية في المغرب العربي بإلحاح؛ على الرغم أن أولئك "السمر" يشكلون ـ مثلا ـ أغلبية العرب في بلد مثل موريتانيا، كما أنها سلَّطت الضوء على الظلم الذي صاحب تلك العبودية.

وقد حاولتُ الكشف عن جذور "العبودية" وواقعها؛ إذ حاول "أرستقراطيو" الصحراء شرعنة تلك الظاهرة التي انتشرت كثيرا في تلك الأصقاع، وكانت في الحقيقة أبعد ما تكون من الشرعية؛ مع لفتة إلى أن الاعتزاز بالانتماء والهوية لا يعني بالضرورة احتقار "الآخر" ولا النظر إليه بنظرة دونية؛ خصوصا حين تملي عليك مقاسات الدولة "الوطنية" الحديثة تنوعا "إثنيا" كما هي الحالة لدينا؛ مع أن التنوع ـ أيضا ـ قد يكون مذهبيا، أو دينيا ومن هنا حاولت تحطيم الفوارق المبنية على تلك الأسس.

كما تطرح الرواية قضية استخدام الدين للغرض الذاتي بغض النظر عنه، والتحايل من خلاله على عواطف الناس؛ لما يصاحب ذلك من خلط بين "الدين" نفسه و"التدين" حيث يصبح "المتدين" لاحقا وصيا على الدين؛ ناطقا باسم الله؛ يوزع الإيمان والكفر والنفاق، واضعا القوانين والنظم وفق منظوره، وما صاحب ذلك السلوك من تشويه للدين وتحريف له؛ حيث يمارس الظلم باسمه، ومن قبل "المتدينين" مظنة الدين والخير في وجدان "العامة".

وحاولت في "التأسيس التخيلي" أن أمزج بين العلمية؛ كما يمليها الواقع اليوم؛ الذي يأبى غير قوانين الفيزياء والرياضيات.. وشيء من خرافتنا التاريخية مثل "الحلم" و"الكشف" و"الكرامة"..

ورسالة الرواية الأساسية هي الدعوة إلى "الإنسانية" و"الحرية" و"المساواة".. والابتعاد عن توظيف الدين للأغراض الدنيوية..

نلاحظ صراحة؛ بل وجرأة كبيرة من خلال الوصف لبعض المواقف وبعض اللحظات (مثلا عند اغتصاب "لقجر"للفتاة) ألا ترى أنه قد يرى البعض في نمط التصوير ذلك مستوى من خدش الحياء..!

أعتقد أن الرواية تختلف عن القصيدة؛ غير أن الحضور الطاغي لنمطية القصيدة في وجداننا؛ باعتبارها الجنس الأدبي العربي الخالص "الوحيد" تجعلنا دائما نحاكم بقية الأجناس من خلال قِيَمها. إذا كانت القصيدة وُجدت لتخليد مآثر القبيلة، والإشادة بفضائلها القيمية؛ بشكل انتقائي؛ فإن الرواية جاءت لتسبر غور الحياة لدى "القبيلة" دون أن تعنى ـ بالضرورة ـ بمآثرها.. أو بتعبير آخر الرواية تعبير عن الحياة بكل فضائلها ورذائلها؛ وبالأخص حين يتعلق الأمر بالرواية الواقعية التي أزعم أن "عناقيد الرذيلة" تنتمي إليها.

من هنا فإنه من الطبيعي أن تحمل الرواية كل المتعلقات بالحياة، وتعبِّر عنها؛ دون الاعتناء بالتفسير "الأخلاقي" المعلَّب. ومع ذلك فإن التوجيه الأخلاقي أيضا في تراثنا حمل الكثير من ذلك؛ ففي الحديث الشريف: من تعزَّى عليكم بعزاء أهل الجاهلية فعضوه بهن أبيه" كما أن أبا بكر قال لأحدهم مرة "امصص بظر اللات" باختصار: أدلجة المصطلحات لا تعدو جزءا من التضييق على الفرد لدينا، وهي عائق كبير في سيرورتنا.

ترى في الكثير من رافعي لواء الدين الإسلامي اليوم ومتبنيه استغلالا للدين وتوظيفا له في أغراض دنيوية؛ الشيء الذي قد تُتهم من خلاله ـ خصوصا من قبل المتدينين ـ بالتحامل على الإسلام وتشويهه، وهي تهمٌ ليست بالقليلة في مجتمع محافظ مثل المجتمع الموريتاني..!

أنا والحمد لله متدين، ولا مشكلة لدي ـ بالمطلق ـ مع الدين؛ إلا أنني أراه علاقة مقدسة بين المرء وخالقه؛ لا مكان فيها لوسيط؛ الدين في نظري قضية موغلة في الخصوصية والذاتية، والخطاب الديني موجه إلى الفرد، وهؤلاء الذين يستخدمونه اليوم في السياسة يقعون في تناقضات جمة؛ فهم يدعون إلى الحرية العامة والديمقراطية والمساواة؛ في الوقت الذي لا يؤمنون بحرية الفرد؛ حرية الفرد هي أساس حرية المجتمع. واستغلال الدين ظاهرة قديمة جديدة لدينا؛ بدأت بالخلط بين الدين والتدين؛ ليصبح "المتدين" أو المتظاهر بالدين جزءاً من الدين نفسه، يفسر النصوص وفق رؤيته ومنظوره، وتفسيره ـ مهما شابه من أخطاء أو أغلاط ـ يظل في عيون الكثير من "المخدوعين" نموذجا ومثالا..!!!

والفقه الإسلامي الذي تُمارس من خلاله كل تلك الادعاءات هو فقه مختطف من قبل "السلطان" ولد في بيئة سياسية ملغومة؛ تتنازعها طوائف، وكان هم كل منها هو "شرعنة" سلوكه ورأيه، وإضفاء صفة "القدسية" عليه وعلى خياراته..!

خلال استعراضك في الرواية للأحداث الدامية التي حدثت في موريتانيا نهاية القرن الماضي، تكاد تكون حكمت بظلم فئة لأخرى؛ هل في رأيك ظَلَمَ العرب إخوتهم الأفارقةهناك..!

في البداية أنا لست مؤرخا؛ ومحاكمة عمل أدبي من منطلق تاريخي يشكل حيفا، وتجاوزا، وعدم استيعاب..كل الذي في الأمر أنني حاولت أن أعرِّج على إشكالية التعدد، والتي تطرح نفسها بعمق لدى الكثير من العرب؛ بغض النظر عن الطابع الذي تتخذه: مذهبيا..طائفيا..عرقيا..دينيا..لونيا.. فالكثير منا يرى في التلون ظاهرة سلبية، والحقيقة أنها عكس ذلك؛ إذ يُمثِّل التنوع عامل ثراء؛ لو تعاطينا معه من أبعاده الإيجابية؛ كما أن واقع الأقليات في أي بلد كانوا هو الامتحان الحقيقي والتحدي لدولة العدل.!

أعتقد أنني حمَّلت المسؤولية للدولة؛ لأنها في نظري لا ينبغي أن يكون لها دين ولا عرق ولا طائفة (الدولة للجميع) وحاولت لفت الأنظار إلى أننا ـ وأقصد هنا كل المسلمين ـ ينبغي أن نؤسس لمنهج وأسلوب جديد في التعاطي من "الاختلاف" مهما كان مصدره؛ نحن محكومون ـ وجدانيا ـ منذ الأزل بفلسفة "صفين" و"الجمل" و"كربلاء" في مواجهة "اختلافنا".. آن الأوان أن نُجرب منهجاً آخر..!!!

كيف تقيم الواقع الأدبي الموريتاني اليوم؛ ومن ثم واقع "الرواية" بصورة أخص..؟

الأدب الموريتاني اليوم لا يعيش بالتأكيد أزهى حلله؛ على الرغم أنه في الآونة الأخيرة، وبعد ظهور مواسم أدبية عربية جديدة، مثل مسابقة أمير الشعراء ظهر الشعر الموريتاني معافى؛ وهو في الحقيقة ـ أي الشعر ـ الجنس الأدبي الشرعي "الأوحد" لدى الذائقة الأدبية الموريتانية؛ مع أنه يوجد سردٌ موريتاني، ناهز عمره نصف القرن؛ ولأنني لا أستطيع لعب دور الناقد فلن أحكم على أي من تلك النصوص، وإن كانت فيها نصوص ـ في نظري ـ مثَّلت جسرا أدبيا مقنعا للتواصل بين موريتانيا مع الآخر؛ سواء تعلق الأمر بالآخر العربي المشرقي، أو الآخر الغربي.

بعيدا عن الأدب والرواية ما هو تقييمك لواقع الأمة اليوم، وما هو رأيك في الربيع العربي؟!

الأمة اليوم لا نبالغ حين نقول إنها تعيش أحلك مراحلها التاريخية، وأسوأ أيامها على الإطلاق.. لا مراء في هذا ولا جدال؛ أما الربيع العربي؛ فأعتقد أنه مصطلح أصبح ممجوجا ومخجلا؛ حتى لأولئك الذين تبنوه واصطنعوه ودافعوا عنه يوما..!!!

الثورة التونسية كانت ثورة بريئة، وبدأت الثورة الليبية كذلك؛ لكن إرادات أخرى وحَمَلَة أجندات دخلوا على الخط؛ ليتحول مشروع الثورة إلى اقتتال داخلي وحروب أهلية.. نحن اليوم لا نعدو أدوات لصارع دولي وإقليمي على المصالح.. ومرة أخرى أكرر: أنه آن الأوان لنعالج خلافاتنا ـ مهما كانت طبيعتها ـ من منطلق عقلاني هادئ..

أجرى المقابلة حبيب القرشي لموقع مراسلون