تعليقا على ما قال الوزير البكاي ولد عبد المالك بشأن العبودية / محمد يحيى احريمو

اثنين, 2016-01-11 00:44

معالي الوزير الدكتور البكاي بن عبد المالك ليس بدعا في تصريحاته الاخيرة عن العبودية، لقد سبقه علماء ومفكرون أجلاء إلى تلك الفكرة، وهي: أن بقاء الرق في العالم القديم يمثل مصلحة راجحة، وضرورة اجتماعية لاغنى عنها،لأن النظام الاقتصادي والعسكري في العالم القديم مبني على الاسترقاق، فلذلك أبقى عليه الإسلام، مع تجفبف المنابع وفتح الباب واسعا أمام تحرير الأرقاء ودمجهم في المجتمع؛ ولهذا جاءت معظم أحكام العتق ومتعلقات العبودية محكومة بقاعدة " تشوف الشارع للحرية"، وما يعنيه ذلك من ترجيح جانب الحرية، وإيقاعها بأدنى سبب، كما بينته في غير هذا الموضع.
لقد سبق إلى هذا الطرح أئمة ومفكرون منهم: الإمام الطاهر بن عاشور أحد أكبر علماء عصرنا، وسار على نهجه - مع اختلاف في الطرح والتطبيق - الدكتور محمد المختار الشنقيطي، وهذا كلامهما في الموضوع:
" فإن قال قائل: لماذا لم يبطل الإسلام أصل الاسترقاق، أو يبطل أسباب حدوثه بعد الإسلام فيكون أقطع لجرثومته وأنفع لتحقيق مقصد الشريعة من التشوف إلى الحرية؟
قلنا: تبين أن الاسترقاق قد بنيت عليه نظم المدنية يومئذ في الخدمة والعمل والزراعة، والفراسة، وأصبح من المتمولات الطائلة، والتجارة الواسعة المسماة بالنخاسة، وانعقدت بسبب ذلك أواصر عظيمة، وهي أواصر الأمومة بين العائلات، وأواصر الولاء في القبائل؛ فإبطاله إدخال اضطراب عظيم على الثروة العامة، والحياة الاجتماعية بأسرها، على أنه ربما يعرض العبيد إلى الهلاك، والذهاب على وجوههم في الأرض لا يجدون من يؤويهم". الإمام الطاهر بن عاشور: (مقاصد الشريع)
" الإسلام دين عملي، وقد ظهر في عالم امبراطوري من سماته حرب الكل على الكل. وفي هذه الحروب الدائمة يبقى آلاف النساء والأطفال في أرض المعركة أحيانا كثيرة، يواجهون أحد خيارات ثلاثة هي:
- الإبادة على يد الجيش المنتصر.
- أو الموت جوعا في فيافي الأرض.
- أو الاستراقاق والاندماج في المجتمع المسلم.
وقد اختار الإسلام الخيار الثالث -على مرارته- لأن الخياريْن الآخريْن أسوأ بكثير. فلم يكن من السهل على أسير حرب متغرب أن يبدأ حياة جديدة، ولا كان من السهل على أرملة تائهة في أرض المعركة أن تحافظ على حياتها –فضلا عن المحافظة على عِرضها- دون اندماج في المجتمع" المفكر الإسلامي: محمد المختار الشنقيطي ( من مقاله: قصة العبودية في كتب المالكية).
تعليق: لا يعني هذا تهوينا من الجهود المبذولة للقضاء على الرق ومخلفاته، ذلك أن لكل عصر خصوصياته وضروراته، ومن الظلم والجور أن نسقط معايير العصر الحديث وأطروحاته على تلك العصور المتقدمة، ففي ذلك تخليطٌ وإسقاطٌ يخل بالفهم، ويبطل قواعد العلم، ويفتح باب الهوى والمزايدة؛ وهذا الخلط هو الذي سبب لنا خلافات عميقة بقيت دون حلول منها: مشكلة الموقف من الاستعمار والمقاومة ورموز الدولة الحديث، وغيرها من المواضيع...