متى يدرك حراس الخرافة أن اسطوانتهم أضحت ممجوجة مشروخة لم يعد أحد يرغب في الاستماع إليها أحرى أن يصدقها ذو عقل سليم .. لقد صدعوا رؤوسنا بحربهم المجنونة ودفاعاتهم الاستباقية وتهديدهم بقلب الأرض بنا إن تم إغلاق معهد أو محظرة أو حتى مطالبتهما بالحصول على ترخيص ، فأي منطق هذا الذي يسيطر على عقول هؤلاء .
ألم يحن الوقت ليتصالح مختلقوا الأزمات مع ذاوتهم .. أم أنهم سيواصلون بكل حيوية تقديم أنفسهم أوصياء على الدين وفرسانا أشاوس للذود عن حياضه المسلوبة المنهوبة من طرف الحكومة ..!
لقد حرك القرار الذي تبنته الحكومة الموريتانية من أجل ضبط وتنظيم المعاهد والمحاظر القرآنية شهية من يقدمون أنفسهم أوصياء على الدين فسال حبرهم ولعابهم وتباروا في ذرف دموع التماسيح على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية وصَعدوا كل منبر منذرين متوعدين بحرب لا تبقي ولا تذر ، إن فكرت الحكومة في ضبط وتنظيم تلك المحاظر لتنسجم مع النظام وتخضع للرقابة بشكل يضمن معرفة المناهج المُدرسة ومصادر التمويل .. فأين المشكل في هذا يا ترى ..!
قطع الوزير الأول في خطابه أمام البرلمان الحبال في يد من كانوا يشدونها لتهديد الدولة وعقابها إن هي واصلت فكرة وضع نظام أساسي يضبط وينظم التعليم المحظري بشكل يتيح للحكومة الرقابة والإشراف على مخرجاته ومدخلاته التي ظلت ولا ما تزال في كثير من الأحيان عرضة للاستغلال من طرف "الأوصياء الشرعيين" .. لقد كان كلام الوزير واضحا وصريحا بخصوص قرار الحكومة القاضي بفرض نظام يسمح بمتابعة المعاهد والمحاظر التي تم إخطارها بضرورة الحصول على الترخيص المطلوب للعودة بشكل طبيعي إلى مزاولة نشطاها المتمثل في تدريس كتاب الله وبعض المتون الفقهية .
في الحقيقة ليس هناك ما يدعوا للقلق أو الريبة بخصوص قيام الحكومة بحملة مفترضة على تلك المحاظر والمعاهد القرآنية لإرتباطها بطريقة ما ببعض الجهات السياسية المؤدلجة ، ولا يعدو الأمر كونه قرارا إداريا يدخل ضمن اختصاص الجهات الوصية على التعليم الأصلي تسعى من خلاله لإضفاء مسحة إدارية على تلك المؤسسات التقليدية التي ظلت خارج الرقابة والمتابعة لفترة طويلة من عمر الدولة .
إن من يقدمون أنفسهم كأصحاب شرعية تاريخية للوصاية على الدين في الحقيقة يتمسكون بأشياء أصبحت من الماضي ولم تعد قادرة على تبرير ذاتها في ظل دولة القانون ، وليس من المعقول ولا من المقبول أن تظل شماعة الدين بيد مجموعة اختارت عن قناعة أن تنخرط في الحياة المدنية وتشارك في العملية الديمقراطية التي تفرض التخلي عن السلوك البدائي في تسيير المجتمعات التقليدية ، وتتيح الانصهار في خدمة الدولة وفق النظم والقوانين التي أخرجها الشعب لتكون منهجا عاما ودستورا ينظم الحياة العامة ويضبط المؤسسات والأفراد.
على النخب الديمقراطية والأحزاب السياسية أن تتخلى عن أي شكل من أشكال الوصاية خاصة الوصاية على الدين التي أصبحت في حماية دولة القانون.. وإذا كانت المحظرة والمسجد بالأمس القريب لا يحتاجان إلى ترخيص ولا رقابة فإن الأمر يختلف اليوم في عالم يضربه الإرهاب من أقصاه إلى أدناه وبنفس الحجة حجة الوصاية على الدين ..!
إن التعبير الديمقراطي الحر والاعتراف بالاختلاف والتباين في الرؤى والمواقف هي الشروط الضرورية لتحريك الوعي السياسي في الاتجاه الصحيح وتصريف الصراع بين المعارضة والسلطة تصريفا سليما بناءً يخدم العملية الديمقراطية ويكرسها كخيار وحيد لتسيير شؤون الدولة، و لم يعد من المستساغ تصريف الصراع مع النظام تحت عباءة الدين وفي ظل توجيهات المرشد ، ومنهج ولاية الفقيه ، وعلينا أيضا أن نفهم بشكل واضح أن عملية التحول الحضاري التي تفرض نظام المدنية تجعل من التخندق الأيدلوجي مسألة متجاوزة إن تعارضت مع المصالح العامة للدولة