أحمد ولد جدو - رصيف 22
تعدّ منطقة "أزواد"، شمال دولة مالي، إحدى أهم بؤر التوتر في القارة الأفريقية، وقد جذبت اهتمام العالم بعد ظهور جماعات متطرفة فيها وسيطرتها على أجزاء كبيرة منها، وهذا ما أدى إلى تدخل فرنسا عسكرياً، قبل ثلاثة أعوام لمواجهة تلك الجماعات.
لكن تلك ليست كل القصة. فأزواد تطالب بالاستقلال عن مالي وبدأ شعبها كفاحه قبل الحرب الدولية ضد الإرهاب، وهو شعب مختلف ذو تاريخ طويل من الكفاح ضد الحكومة المركزية، شعب لا يهتم به العرب ولا يعرفون عنه الكثير رغم أنهم أحد مكوّناته، وللثقافة العربية حضور مهم بين أبنائه وفي مدنه.
القضية المنسيّة
قال الناشط الأزوادي علي أغ محمد لرصيف22 إن "ظهور جماعات القاعدة التي استُخدمت محاربتها ذريعةً للتدخل الفرنسي وعودة فرنسا إلى منطقتنا بعد 60 عاماً من انتهاء استعمارها لنا، هذا الظهور هو الذي سلط الضوء على المنطقة، وليس معاناة سكانها وشعوبها وجرائم حكومات مالي".
ولفت إلى "تحجيم المأساة الإنسانية والثقاقية والفكرية وحصر القضية بتصرفات هذه الجماعات التي لم يدم حكمها أكثر من مائة يوم، وهذا ما أُنتجت من أجله أفلام وثائقية عدّة وفيلم سينمائي حظي بالترويج الفرنسي والمشاركة في المسابقات العالمية الكبرى وفي مقدمتها مهرجان كان".
وأضاف: "ظلت قضية شعب أزواد غائبة عن أذهان العرب، والآن يتم التطرّق إليها من باب الأمن والإرهاب وليس لكونها قضية شعب يريد العيش بحرية واستقلال وكرامة في أرضه".
وأشار إلى أن هذا الترويج يجري في ظل غياب الدعم الإنساني وفرض حصار عسكري "ومحاولات فرض حلّ سياسي لا يعترف بشعب أزواد وهويته لا بل يضمن عودة نهائية لجيش مالي ومليشياته بحماية القوات الفرنسية والأفريقية والأممية الموجودة منذ عامين".
الوجود العربي في أزواد
أزواد إقليم يقع شمال دولة مالي، وتبلغ مساحته 830 ألف كيلومتر مربع، أي 60% من مساحة مالي. وتبعاً للتقسيم الإداري المالي، يقسم أزواد ثلاث ولايات محلية هي ولاية تمبكتو التاريخية وولاية غاوة وولاية كيدال. ويتكون سكان المنطقة من الطوارق والعرب والفلان والسونغاي.
أ ـ الطوارق
يقول الدكتور عبد الودود ولد عبد الله (ددود)، أستاذ التاريخ في جامعة نواكشوط، في دراسته: "إقليم أزواد: التشكل التاريخي وجذور الأزمة" إن "التوارق ينتمون إلى صنهاجة الجنوب الذين كانوا يدعون في الكتابات العربية الوسيطة بالملثمين. ويتضح من الكتابات العربية التي تحدثت عن الملثمين أنهم كانوا يتوزعون في الصحراء موازاة مع محورين أحدهما غربي ينتهي في نهر السنغال وثانيهما شرقي ينتهي إلى نهر النيجر".
لا يطلق المعنيون على أنفسهم اسم "التوارق"، والظاهر أن هذا الإسم الذي أطلقه العرب على هذه المجموعة قد يكون في الأصل من باب النسبة إلى "تارقة"، وهو اسم كان يطلق على إقليم فزان، حيث يلتقي العربي القادم من الشمال الشرقي أول مجموعة من هؤلاء الملثمين، يؤكد ددود.
وبحسب الناشط الأزوادي علي أغ محمد، فإن التسمية المجمع عليها بين قبائل الطوارق لتعريف أنفسهم هي "كال تاجلمسوت kal Tagglmoust "وتعني أهل اللثام أو أصحاب اللثام، ومنها ترجم الرحالة العرب تسمية "الملثمين".
ب ـ العرب
في الإقليم، قبائل عربية عدّة هي جزء أصيل ومهم من مكوناته. وجاء في دراسة ولد عبد الله أن منطقة أزواد شهدت وصول طلائع المهاجرين العرب منذ بداية القرن العاشر الهجري. وفي نهايته، وصل عرب بني عبد الرحمن من البرابيش، وهم من بني حسان المعقليين، إلى الأطراف الشمالية الغربية من أزواد غير بعيد من مملحة "تغازة".
وتحدث الدكتور عبد الودود في دراسته عن دور لقبائل وشخصيات عربية أخرى أثرت في تلك المنطقة، وروى أنه حين ظهر الشيخ الصوفي الكبير المختار بن أحمد بن أبي بكر الكنتي الوافي (توفي سنة 1811)، اجتذب أعداداً كبيرة من المريدين، لا سيما رؤساء العشائر البدوية من العرب والتوارق، وأصبحت له ولخلفائه علاقات وطيدة مع الكيانات السياسية الكبرى المحيطة بأزواد أو المؤثرة فيه، مثل دولة سوكوتو في نيجيريا، ودولة حمد الله في ماسينا، والعرش العلوي في المغرب الأقصى، فضلاً عن الإمارات والمشيخات الصحراوية المتنفذة بين صفوف العرب والتوارق.
أزواد الحديثة والثورة
لم تكد دولة مالي تستقل سنة 1960 حتى بدأت بوادر الخلافات. شعر الأزواديون بالرغبة في الاستقلال، وانتفضوا عام 1961 أيام حكم الرئيس المالي موديبو كيتا. ويرجع البعض ذلك إلى أن الأزواديين لم يستشاروا في ضمهم إلى مالي ولا يعتبرون أنفسهم جزءاً من الدولة المالية، وأن النظام الحاكم اتبع سياسات اشتراكية همّشت مجالهم الاقتصادي، فقد رأى أن التنمية الحيوانية نمطٌ بدائي ينبغي القضاء عليه، بالإضافة إلى اعتماده سياسات اعتبرها الأزواديون عنصرية. وقد جابه النظام آنداك، بدعم بعض الدول العربية المجاورة مثل المغرب والجزائر، الطوارق المنتفضين بالقمع والتنكيل والمجازر.
ومع استمرار سياسات التهميش، ترسخت قناعة الأزواديين بضرورة الانفصال وتأسيس دولة مستقلة. وكرر الأزواديون انتفاضتهم ضد الحكومة المركزية في باماكو سنة 1990 ولكنها انتهت باتفاق سلام خفف الحكم المركزي في أزواد ووعد بتنمية المنطقة. وعام 2006، تحرك الأزواديون مجدداً وفشلوا في تحقيق حلمهم، وظلت المنطقة مهمشة لتتحول إلى مكان خصب لتجارة المخدرات والتهريب ولاحقاً إلى مرتع للجماعات المتطرفة.
تطورات أزمة 2012
حين بدأ القذافي يتهاوى، بدأت المنطقة مرحلة جديدة من الاستقطاب. فقد نزح بعض المقاتلين الأزواديين الذين كانوا يخدمون ضمن قوات جيش القذافي من ليبيا نحو شمال مالي مدججين بسلاحهم ونسقوا مع أطراف أزوادية أخرى وسيطروا على الشمال المالي وأسقطوا سلطة بامكو، وانضمت إليهم بعض العناصر من الأزواديين المنضويين تحت لواء الجيش المالي.
لكن ذلك التحرك شابه وجود جماعات جهادية متطرفة سيطرت على مناطق من الإقليم مثل التوحيد والجهاد وأنصار الدين. وبدأت هذه الجماعات تضيّق على المواطنين، ليعقب ذلك تدخل فرنسي وعودة الجيش المالي وأعمال انتقامية ضد الأزواديين انطلاقاً من العاصمة باماكو لتنتقل إلى مختلف المقاطعات المالية. وبحسب بعض الأزواديين، فإنها كانت ناتجة عن نداءات عنصرية طالبت أفراد الجيش المالي بـ"اجتثاث العرب والطوارق من الأراضي المالية"، انتقاماً لما حدث للجيش المالي.
وقال عضو الحركة الوطنية لتحرير أزواد عبد العزيز أغ الطارقي لرصيف22 إن "مطلب الشعب الأزوادي هو العيش الكريم وذلك لن يكون إلا بتحقيق حريته المطلقة والاستقلال". وأضاف أن "تاريخ عدم استقرار المنطقة دليل للجميع على أن الحلول المؤقتة لم تعد تجدي نفعاً، ويجب على المجتمع الدولي إعادة النظر في القضية وإعطاؤها اهتماماً أكبر وتسويتها بشكل عادل".
وأكد أن "ظهور الجماعات الإرهابية أثر على التحرير بل أوجع الثورة إذ جاءتها طعنة في الخاصرة مما جعلها تتوقف مؤقتاً ثم استأنفت عملها في ما بعد".
وتابع أن الجماعات الإرهابية أثّرت على الأزواديين من جانبين: الأول سياسي، اذ "أصبح المجتمع الدولي ينظر إلى القضية لا كثورة ونزاع بين حكومة وثورة وإنما كإرهاب"؛ والثاني معنوي، إذ "خسر الأزواديون أراضي بعد أن حرروها واستحوذوا على جميع أملاك الدولة وبدأوا في عملية تنظيم الوضع. ومنذ أن دخلت الجماعات الإرهابية راحت تستقطب الشعب وتغريه مالياً مما أدى إلى خسارة أراضٍ سيطرت عليها".
الوضع اليوم في المنطقة
عام 2015، وقّعت الحركات الأزوادية على اتفاق مع الحكومة المالية عُرف بمسار الجزائر، وذلك بإشراف الوساطة الدولية للحوار المالي بقيادة الجزائر، وتضمن نقاطاً عدّة مثل :احترام الوحدة الوطنية، والسلامة الترابية، وسيادة دولة مالي وكذا شكلها الجمهوري وطابعها العلماني؛ تنمية متوازنة لمجموع جهات مالي؛ إقامة هيكلة مؤسساتية تعتمد على جماعات إقليمية مزوّدة بهيئات منتخبة عن طريق الاقتراع السري المباشر وتُمنح سلطات واسعة.
لكن عبد العزيز أغ الطارقي، يرى أن الاتفاق مجرد خيبة أمل، وأن "الأزوادين أُجبروا على توقيع اتفاقية أقل بكثير من طموحاتهم ولا تتناسق مع الإشكاليات التي مرّت بها المنطقة".
ماذا يريد الأزواديون من العرب؟
الاتجاه السائد في العالم العربي تجاهل قضية أزواد باعتبار أنها قضية لمكوّن غير عربي. وقال الناشط علي أغ محمد إن "هذا الخطأ هو الذي أدى أيضاً إلى ترك الحل السياسي لهذه القضية بعيداً عن رأي الدول العربية التي كانت مجرد تابع للسياسية الفرنسية، وضخّت أموالاً طائلة لدعم برامج فرنسا".
ولكنه نوّه بأنه "حدث تفاعل من دول عربية كموريتانيا والمغرب مع قضية أزواد وكان له دور إيجابي على الصعيدين الإنساني والسياسي. أما الدول العربية الأخرى فلم يكن لديهما أدنى اهتمام بالقضية"، لافتاً إلى أن الأزواديين يتطلعون إلى بناء أفضل العلاقات مع الدول العربية وغيرها من دول العالم.