طالعت بالأمس في ساعات مرت كلمح البرق كتاب " الحركة الفكرية في بلاد شنقيط حتي نهاية القرن الثاني عشر ً الهجري لمولفه الاستاذ عبد الودود ولد عبد الله ددود شهرة. .
الكتاب الذي تم نشره صمن إصدارات مركز الدراسات الصحراوية في الرباط هو في الأصل عبارة عن بحث أكاديمي أعده المؤلف في مطلع التسعينيات. .. تحت إشراف الاستاذ الدكتور محمد حجي رحمه الله الذي تصدر ت كتاباته حول الفضاء الصحراوي وأهله مركز اهتمامته البحثية ..و الجديد في الامر ان الكتاب تم إصداره بشكل مبسط للجمهور لتسهيل قراءته ..
و ، بالاضافة الي الإحساس بمتعة المراجعة عبر تلخيص تمت صياغته بلغة سلسة و باسلوب تفوح منه رائحة الموضوعية لقراءات. سبق ان اطلعت عليها بطريقة مباشرة او غير مباشرة ، شعرت . بالصعود الي سماء الأفكار بواسطة مقاربة تتعلق بتطور الفكر الديني الذي يشكل العمود الفقري لتاريخ الثقافة في هذه الربوع .. أقول الربوع لان تسمية بلاد شنقيط التي. وردت في عنوان الكتاب تبدو رغم جهود المؤلف بخصوص تأصيلها التاريخي موضوع خلاف في سياق نقاش حول الأسماء المتغيرة : صحراء الملثمين، بلاد التكرور ، اتراب البيظان الخ
ومهما اختلفت تلك التسميات يبقي الاهم ان التيارات الفكرية الدينية و كذلك الشخصيات المرجعية التي تناول الكتاب تعد مما لا ريب فيه المكون. الأساسي بل التأسيسي للموروث الفكري الاسلامي في مورتانيا وهنا تكمن الأهمية الأساسية للكتاب الذي حاول صاحبه ان يتتبع في رحلة استكشاف ممتعة خيوط التحولات الجذرية الطارية علي الحقل الديني في القرنين الثاني عشر و الثالث عشر من التاريخ الهجري الموافقين للقرنين السابع عشر و الثامن عشر الميلاديين مبينا خلفيتها الاجتماعية والاقتصادية و ما صاحبها من خلافات بين التيارين الباطني و الظاهري في خضم النزاع حول مشروعية السلطة السياسية و الصراع بين الأولياء و العلماء بخصوص ظهور كرامات الولي التي تزامن معها ظهور الإمام الحضرمي علي يد الإمام المجذوب و تعدد ت فيها التيارات و الدعوات و بذلك تبدو الحقبة التاريخية التي عالج الكتاب بمثابة قرن أنوار في فضاء ظل -طيلة ما يسمي بالحلقة المفقودة التي تلت انهيار دولة المرابطين --منسيا علي شاطي بحر الظلمات و بعيدا عن الأنظار في تلك الحقبة التي شهدت حربا عالمية بين القوي العظمي من اجل الصمغ العربي. " العلك ". علي الشواطئ المورتانية نشأت "الإمارات "كسلطة سياسية علي انقاض محاولات تأسيس " دولة الإمامة العظمي " بأمر الولي ..و في تلك الحقبة تمخض ما سيعرف من بعد " بالاستثناء المورتاني" الذي تجسد في إنشاء جامعات علي ظهور العيس في أعقاب هجرة العلم من المدن والحواضر الي البادية و كانت بداية لدولة المحاظر و انتشر الفقه الفروعي و نشأت طبقة من التجار الفقهاء حين سار الفقه مع تجارة القوافل .، وظهرت المدرسة الكلامية و النزعات الاصولية و الميول الصوفية و في تلك الحقبة دارت مناظرات فكرية تأسيسية بين فطاحلة العلماء الذين يمثلون المؤسسة الدينية التقليدية و المجددين من الأولياء والصالحين و دعاة العودة الي الأصول واحتدم الصراع الفكري بين قادة الراي الي حد التجريح و السب و الهجاء و التكفير .. قبل ان تتطور الأمور ألي محاولة توفيقية مع ظهور الفقه المعزز بالعقلانية الكلامية و بالتصوف الراقي المنقي من مظاهر الشعوبية في غالب سني ممهد لاجماع جمهور العلماء التقليدين في مورتانيا اليوم حول الثلاثي المرجعي المعبر عنه. " بعقد الأشعري و مذهب مالك وطريق الجنيد السالك " .. ومع أن المولف لم يستخدم هذه العبارة المشهورة .. فانه يخلص الي مضمونها في تطور الصراعات التي شهدتها الحقبة المختارة ..
يبقي ان تببين خلفية تلك الصراعات الفكرية في تلك الحقبة بإيجاز متفون مع هوامش مفيدة من الاحالات و ملحق غني من المعطيات المرجعية ..معين علي فهم ما تلاها من تطورات في القرنين المواليين ..و ما يجري في يومنا هذا. ..خصوصا اذا تم سرده بطعم مغري لأمثالي من المتطفلين ( الصكًاكًطية ) ..
صفحة الباحث و الوزير السابق عبد القادر ولد محمد