استطلاع: أحمد سالم ولد باب
تغير الكثير في روصو خلال العقد الأخير.. بل خلال السنوات الخمس الأخيرة..
وحدَه مشهدُ الغروب الساحر لم يتغير أبدا..
لم تتغير كذلك براعةُ "الرُّوصَويين" في السخرية من كل شيء.. خاصة ما يتعلق بالحكومة وإنجازاتها..
على بعد 3 كيلومترات من روصو استدار ملتقى طُرُقٍ سَمَّاهُ السكان بـ"كرفور اخْرُوجُو" لشدة ضيقه وغَلَبَةِ ضُرِّهِ على نفعه.. فكثيرا ما سقطت السيارات على جوانبه، وهي تدور فيه بصعوبة..
إِبَّانَ تجديد مقطع روصو - اعويفيه من طريق روصو - انواكشوط؛ بدأت الشركة الإسبانية المكلفة به في بناء ملتقى طرقٍ واسع، لا تزال آثارُه باديةً للعيان عند الكلم 7، لكن يقال إن النفقةَ قصرت بها فتركته، مستبدلةً إياه بـ"كرفور اخْرُوجُو"..
بجوار "كرفور اخْرُوجُو" تذكركَ لوحةٌ إرشادية - تحذر من مخاطر السرعة - بالتعدد العرقي واللغوي للمدينة الحدودية، حيث كتبت عليها بالحسانية والولفية والفرنسية عبارة: (اتكايس، Nank، Attention)..
وعند مدخل المدينة - على يمين الخارج منها - توجد "وقفة أَطْفَگْنِي".. وهي مكانٌ لا يتحمس سائقو سيارات الأجرة للوقوف عنده، عَدَا من كان راغبا منهم في الحصول على أَجْرٍ أخروي!
ونحن ندخل المدينة - والشمسُ توشك على الغروب - كانت النار تلتهم الحشائشَ في مزارع الأرز الفسيحة في ختام الحملة الزراعية الخريفية.. وهو منظرٌ لا يثير قلقَ أحدٍ هنا.. حتى سيارة الإطفاء مرت بجانبه مسرعة دون أن يلفت انتباهَها..
يقول المزارعون إن هذه الحرائق - فضلا عن أنها تقضي على الحشائش الضارة - فهي تساهم في خصوبة التربة أيضا..
لعل أول ما يلفت نظر القادم بعد غيابٍ طويل عن روصو؛ هو كثرةُ فروع البنوك، حيث ناهزتْ العشرةَ تقريبا.. فهل يدل ذلك على ازدهار اقتصادي تعيشه المدينة؟
ذلك ما يُصَدِّقُهُ - على الأقل - تَوَسُّعُ أسواق المدينة، حيث تحول الجزء الجنوبي من حي "أسكال" كله إلى سوق واحدة تقريبا.. فضلا عن ظهور بعض البقالات الكبيرة "سوبر ماركت"..
ومع أن حركةَ البناء متناميةٌ في جميع الأحياء، إلا أنها بقيت أفقية، إذ لا يزيد أطول المباني - حتى الآن - على طابقين، وهو ما يجعل خزّان المياه العتيق يحتفظ بلقب "أطول مبنى في روصو"..
الملاعبُ المغلقة بدورها بدأت تغزو المدينة؛ صارفةً الشبابَ عن اهتمامات أخرى كالسباحة في النهر واصطياد السمك منه..
وفي خِضَمِّ المعالم المتغيرة لروصو؛ تطالعنا المباني الحكومية الموروثة عن المستعمر، بأسقفها الْمُسَنَّمَة، المغطاة بالقرميد الأحمر.. لا تزال تغالب عوادي الزمن..
بدا لي أنها ترغب في توجيه رسالة لمقاولينا قبل أن ترفع رايةَ الاستسلام: بقيتُ صامدةً لأكثر من ستين سنة، فَهَلاَّ صَمَدَ ما تبنونه لعشر سنين فقط؟!
يقودنا التجوال أخيرا إلى نهر السنغال.. حركة العبور إلى ضفتي النهر لا تنتهي، ويبدو أن موسم "الدّلاّح" قد أزف، فالزوارق مشحونة به..
نقف على شاطئ النهر متأملين.. نراقب رحلته الأزلية من منبعه في مرتفعات "فوتا جالون" بغينيا كوناكري إلى مصبه في المحيط الأطلسي.. إنها تشبه رحلة الحياة المتغيرة.. تُرَى كيف ستكون روصو بعد عشرة أعوام.. نتذكر مقولة هيراقليطس الخالدة: "إنك لا تنزل النهرَ مرتين"!