جاء الانقلاب على الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله استهانة بالقوانين والدستور وخرقا للأعراف والقيم، ورغم ذلك ركبت قيادات سياسية مرموقة موجة الاعتراف بالحكم المغتصب أملا منها في أن يمهد الانقلاب الجديد لوصولها إلى سدة الحكم.
وقد قرأ غير هؤلاء الانقلاب واستنطق ما بين السطور وفهم المقصود فكانت المعارضة للانقلاب ثم المناصحة له فيما بعد أثرة للإصلاح وحرصا على تماسك البنيان الموريتاني، لكن الفشل الذريع للنظام على الأرض دفع المناطحين للمطالبة برحيله وحالت الظروف الدولية وتآمر الثورات المضادة والكساد الاقتصادي والرفق بالمناضلين والغيرة على الوطن دون المواصلة في درب المطالبة بالرحيل، مما مهد للهدوء وهيأ للحوار والمصالحة ليفشل النظام من جديد ـ وتلك "شنشنة" في أنظمة العسكر ـ في استيعاب المناطحين في حكومة وحدة وطنية وتحقيق مطالبهم الملحة رفعا لانسداد سياسي قائم، فلجأ إلى الصدام والمواجهة، مواجهة أججتها أطراف داخلية وخارجية ودشّنها النظام الموريتاني بإغلاق عشرات المحاظر في شرق البلاد بحجج ضعيفة واهية، ونسي النظام المسكين نفسه وأنه لم يستوف تلك الشروط فهو المنقلب على النظام الشرعي والقادم على متن الدبابات وتصحيح وضعه أولى، متناسيا قول من مضى:
لا تفعل الفحش جهرا دونما خجل ** وترم غيرك بالسوءات والفشل
مبررات النظام القانونية وحججه الواهية استفزت قادة الإسلاميين فكانت تصريحات الشيخين الددو وغلام ماضية كالبرق مدوية كالرعد: القرآن باق والسنة قائمة والحريات مقدسات تكرم والنضال حي والنظام المهزول إلى زوال.
وكدأب النظام في كل مرة إذا داخله الخوف واهتزت قناعته بالنصر استنجد برابطة اللاعبين المحترفين أو الاحتياطيين المغلوبين على أمرهم فتسابقوا إليه رغبة في فتات طال انتظاره بعد موات شتوي قسري "كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل" فتسلط الأضواء على فقهاء السلطان وتبدأ سلسلة طويلة من الندوات والمحاضرات والمقابلات والمبادرات الداعمة ويتحرك الولاة والحكام ورجال الأعمال لاقتطاع جزء من كعكة يقربهم أكثر إلى نظام مهترئ متهالك وتعود إلى الواجهة الأحكام الفقهية المتعلقة بطاعة السلطان بغض النظر عن صلاحيته للقيادة وأهليته للتسيير ويوصف الإسلاميون بالخوارج ومثيري الفتن وبأنهم دعاة على أبواب جهنم، ويتبارى السياسيون والفقهاء والأئمة وأصحاب الأهواء والمصالح والمخنثون والمصفقون والمطبّلون في الإساءة إلى الإسلاميين والنيل من سمعتهم وإلصاق التهم بهم ووصفهم بالخيانة والعمالة والفشل حقا..
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ** كلاها وحتى سامها كل مفلس
غريب أمر حكومة لا تعتبر ومخابرات نظام لا يفقهون قولا وبطانة سوء مرهونة بإشارة أسيادها تزأر إذا طلب منها الزئير محاكية أسد الوغى وتكشر عن أنياب أضعفها كر الجديدين وأنهكها عض الصديق والعدو على حد سواء، وتمنح الألقاب والأوسمة دون هوادة فإذا انتهت القضية وعادت الأمور إلى نصابها والمياه إلى مجاريها تحول الزئير إلى مواء والأسد الهائجة إلى قطط جائعة.
ألقاب مملكة في غير موضعها ** كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
وتتحول الشخصيات الهامة في معادلة الباطل إلى حمُر مستنفرة فرت من قسورة لا كرام ولا بررة، حُمُر هدفها الوحيد أن يتغرب أبناء هذا الوطن فيه متناسين قوله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء).
وللأمانة ورغم أنف المزمّرين سيبقى الإسلاميون مشعلا ينير درب السالكين نحو الحرية، وستبقى الحكومات المناوئة لهم عرضة للذوبان والضياع:
إذا لم تقم بالعدل فينا حكومة ** فنحن على تغييرها قدراء.