بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة "الأقصى"
الكثير من الفرنسيين مستاؤون من الهجمات المتتالية على بلادهم، وخصوصا العاصمة الفرنسية باريس.
وظهر إثر هذه الهجمات الكثير من التضامن الداخلي والخارجي مع فرنسا والفرنسيين.
ومن خلال ردود الفعل تنامى التطرف اليميني الفرنسي ضد الفرنسيين من أصل إسلامي وعربي بصورة خاصة، وتضاعف إصرار الدولة الفرنسية على مكافحة الإرهاب وداعش بوجه خاص.
غير أن أحداث فرنسا الأخيرة أثارت الكثير من التساؤلات المستعصية.
ففرنسا الإستعمارية –ولو في وقت سابق- تناست ربما ما صنعت من تقتيل وتدمير ونهب ضد الشعوب العربية المسلمة بوجه خاص، وباتت تتفجع من هجوم بعض الأفراد الإرهابيين من أصول إسلامية، معتبرة ما حصل سابقة مروعة، ورغم عدم اعتذار فرنسا –دولة ومجتمعا-عن الماضي الاستعمار البغيض المؤلم، المنهك لشعوبنا، ضاعفت من الحملة الإعلامية المنددة بما جرى ضدها، في عقر دارها، مع أنه لا يقارن بما ارتكبت في الماضي، والماضي جزء من المسار الزمني والتاريخي.
ولعل أبرز ما جذب بعض المتطرفين للهجوم على الأراضي الفرنسية، استمرار بعض الصحف الفرنسية في نشر رسوم خبيثة مسيئة لرسول الله محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، مع أن الكثيرين من هؤلاء يعتبرون فرنسا صنوا لأمريكا الداعمة للكيان الصهيوني، الذي يفعل بالفلسطينيين وحشية وظلما أكثر مما يتخيله أي عقل بشري، يقتلون البريئ ويمتنعون وقتا عن تسليم جثته ثم يبادرون إلى حرمان أهله من السكن، عبر الهدم المباشر لمنزل الأسرة المعنية )جزء ومثال يسير من فيض معروف من الظلم الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الغالي(.
وفرنسا جزء من الغرب الذي يمارس سياسة المعايير المزدوجة بامتياز؟
فهو يدعو ويسارع للقضاء على الإرهاب الإسلامي ويتغاضى باختصار بعمد مكشوف، عن الإرهاب اليهودي لإسرائيل.
قال تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ" صدق الله العظيم.
إن الكثير من الفرنسيين والأمريكان، يعتبرون أنفسهم نقيضا للمسلمين ويتحينون الفرص ضدهم، ويغضون الطرف عن المآسي والمعاناة في جانبنا، ويضخمون ما يعانون منه وربيبتهم إسرائيل الوحشية المحتلة.
فهل يحسب الفرنسيون من الممكن السلامة من آثار سياساتهم الخارجية والداخلية على السواء، وماضيهم الإستعماري وموقفهم غير الحاسم من القضية الفلسطينية المركزية؟.
إن استمرار بعض الصحف الفرنسية في نشر الرسوم المسيئة، والتهاون في شأن قضايا المسلمين عامة وفلسطين خاصة، قد يعرض باستمرار الأمن الفرنسي للإستهداف من قبل البعض، على غرار قاعدة لكل فعل رد فعل.
إنه من الأفضل لفرنسا أن تكف عن المساس بخير البرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
ثم إن إستهداف تقاليد الشعوب عموما وخصوصياتها الدينية بوجه خاص، ليس من الاعتدال والتعقل والفهم السليم في شيء.
اليمين الفرنسي المتطرف يجر فرنسا نحو الفناء ربما والدمار غير المستبعد على يد بعض الإرهابيين غير المتعقلين ولو كانوا من بني جلدتنا، ونحن في بلادنا لا نرضى المساس من الفرنسيين ولا غيرهم، ولا نقول لهم ارحلوا كما قيل للمسلمين والعرب منهم بوجه خاص.
إن التعايش سمة الحكمة، وغيره سمة التطرف والغرور والزيغ عن طريق الصواب الجامع الوسطي الآمن.
إن تنظيم الدولة الإسلامية، لا يمكن أن يصبح تنظيما عالميا قبل الأخذ بثأره أو حدوث وفاق عراقي-عراقي- يحل المعضلة الطائفية المحلية بالدرجة الأولى.
لأن هذا التنظيم ناتج عن ظلم بعض الشيعة العراقيين، المتحالفين مع أمريكا.
ظلم وقع بصورة وحشية ضد أغلب المكون السني، فتحرك بعض السنة مشكلين هذا التنظيم بعد أن اكتووا بالظلم الشيعي الأمريكي على نطاق واسع.
ودخول فرنسا وبريطانيا على الخط وغيرهما من الحلفاء العرب والغربيين، فاقم خطر داعش، وجلب لها التعاطف الواسع، لأن البعض باختصار لا يريد الوقوف في صف الكفار، ولا التحالف معهم ضد بعض المسلمين المظلومين أصلا، ولو ظلموا –بفتح الظاء- لاحقا.
إن مشكلة العالم ليست داعش والإرهاب لدى بعض المسلمين وإن كانت كلمة داعش هي الأكثر ترددا في الإعلام العالمي العربي والغربي وغيره سنة 2015، وإنما سياسة المعايير المزدوجة لدى الكثير من الدول الغربية، التي تطبق الديمقراطية وحقوق الإنسان لصالح بعض مواطنيها داخليا وتضرب دول المسلمين ومجتمعاتهم على الصعيد الخارجي، هي ربما السبب الأول وراء عدم التفاهم بين مكونات الحضارة العالمية الحالية.
فرنسا ليست عزيزة علينا إلى هذا الحد، الذي يصوره بعض المتعاطفين المنافقين، حتى من المسلمين أنفسهم، إلا أن مواطنيها ليسوا محل استهداف في نظرنا.
لكن سجل فرنسا الاستعماري وطبيعة إعلامها الداخلي )نشر الرسوم المسيئة بحجة حرية التعبير(، وموقفها الهزيل الهش من القضية الفلسطينية المراوغ في حقيقة الأمر لصالح الاحتلال واليهود عموما. كل هذا يتطلب التأمل الجاد الفاحص من قبل الفرنسيين أنفسهم، قبل البدء في إجراءات فسخ الجنسية المزدوجة، والتحامل المتواصل المتزايد على بعض المسلمين الفرنسيين من أصل مغاربي خصوصا وأماكن عبادتهم المقدسة.
إن الوضع في فرنسا يشير إلى احتمال تكرر المواجهات، إن لم يطغى الخطاب الفرنسي المعتدل المحاصر، على الخطاب اليميني المتطرف الأعمى المتصاعد.
ولعل الرأي العام الإفريقي والعربي والمسلم عموما، جدير بالتنبيه إلى أهمية احترام الذات.
فلماذا نبالغ في أهمية وخطورة معاناة فرنسا الاستعمارية المغرورة، ونقلل من أهمية وخطورة قضايانا ومعاناتنا المريرة، خصوصا ما كانت فرنسا سببا فيه وفي استمراره أو وقوعه حاضرا أو ماضيا.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو خاتم النبيين وتعريض شخصيته للسخرية والازدراء في الإعلام الفرنسي، مسبة لعقول الفرنسيين-ساسة وشعبا- وغلطا عميقا، ينبغي مراجعته بسرعة وحسم، قبل فوات الأوان.