أجرى الحوار لـ"مراسلون": الأستاذ أحمد سالم ولد باب
كثيرةٌ هي الأسباب التي تدعو إلى إجراء مقابلة مع العمدة سيدي جارا في هذه الأيام، فالرجل أَكْمَلَ للتو سنتين من مأموريته عمدةً لروصو ونائبا عنها.. وهو وقتٌ كافٍ ليقول بعض الناس: "لم يتحقق ما كنا نؤمله في سيدي جارا".. أو يقول آخرون: "كانت خدمته لنا قبل انتخابه أفضل من خدمته بعد الانتخاب".
وفي نفس الوقت تعاني روصو منذ أسابيع من أدخنة مزعجة وغير مسبوقة؛ ناتجة عن حرق قشور الأرز والقمامة..
كما أن الساحة الوطنية تموج بأحداث كثيرة؛ ربما رغب الكثيرون في معرفة موقف سيدي جارا منها..
لم أفكر في إجراء هذا الحوار مع العمدة قبل لقائنا صدفة على هامش نشاط رسمي - وَرُبَّ صدفة خير من ميعاد - فطلبت منه إجراءَ مقابلة، فقال ببشاشته المعهودة: متى تريدها أن تكون؟
مراسلون: ربما يكون سيدي جارا هو أول عمدة لروصو يُصِرُّ على إلقاء خطبه الرسمية باللغة العربية، ما السبب؟
عمدة روصو: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم.. لأن ثقافتي عربية، فأنا خريج شعبة الآداب العربية من ثانوية روصو، رغم أنني أكملت دراساتي الجامعية في قسم الترجمة.
مراسلون: قسم الصينية؟
عمدة روصو: لا، الصينية جاءت في وقت لاحق.. بعد حصولي على الباكلوريا سجلت في جامعة انواكشوط بقسم الروسية والإنكليزية.. وتزامن حصولي على شهادة الدراسات الجامعية العامة DEUGمع سقوط الاتحاد السوفييتي، فكان ذلك سببا لإلغاء قسم اللغة الروسية من قسم الترجمة.
وبعد حصولي على المتريز كنت متفوقا فحصلت على منحة للدراسات العليا في تونس، ولأنه لم يكن مفتوحا في تلك السنة فقد جلست سنة كاملة في موريتانيا، إلى أن أخبرني بعض زملاء الدراسة الموجودين في فرنسا عن فرصة للحصول على منحة دراسية تقدمها الصين لطلاب الترجمة.
مراسلون: هل أكملتم دراساتكم العليا؟
عمدة روصو: هذا السؤال من أهم الأسئلة التي طُرحت علي.. تجد كثيرا من الناس يفتخرون بشهادات لم يحصلوا عليها.. كثير من أصدقائي يطلقون علي لقب "الدكتور"، والواقع أنني لست "دكتورا".
لقد حصلت على منحة إلى الصين لمدة سنتين، ثم عدت إلى موريتانيا من أجل تجديدها، لكنني حصلت على تجديد لمدة سنة واحدة، على اعتبار أن النظام الدراسي الصيني يفرض امتحانا مستقلا لولوج كل مرحلة دراسية، فليس مجرد نجاحك في مرحلة معينة يسمح لك بالانتقال تلقائيا إلى التي تليها، بل لا بد من إجراء امتحان وطني يؤهلك لذلك.
إذن منحتني موريتانيا لسنة واحدة من أجل خوض هذا الامتحان، وقد نجحت فيه، فحصلت على منحة للتحضير لشهادة الماجستير في السياسة الدولية ومدتها 3 سنوات، مقسمة إلى 6 فصول تتعلق ثلاثة منها بدراسةٍ يُمتحن فيها، وكتابة مقالات يُنشر اثنان منها في مجلات وطنية، واثنان آخران في مجلات دولية، وقد اجتزت هذه المرحلة بنجاح ولله الحمد.
لكن عندما وصلت إلى مرحلة كتابة الأطروحة، حدث خطأ ما قُطعت بموجبه منحتي الدراسية، وحرمت بسبب ذلك من تذكرة العودة إلى البلاد، فبدأت أبحث عن العمل، خاصة أنه كان يتوجب علي العودة إلى البلاد لأن موضوع أطروحتي هو العلاقات الإستراتيجية بين موريتانيا والصين، وهذا يتطلب إنجاز بحوث في موريتانيا.
مراسلون: في أي سنة كان هذا؟
عمدة روصو: 2002.. 2003.. المهم حصلت على عمل مع رابطة للطلاب الفرنسيين.. كانت الجامعات الفرنسية قد انتهجت في تلك الفترة نهجا جديدا، يفرض على الطلاب - كشرط للتخرج - إجراء تدريب في إحدى الشركات الخارجية.. كانت الرابطة تشبه المؤسسة التجارية.. كانت تبعث إلي بملفات الطلاب، وأنا أتكفل بالبحث عن شركات وفنادق ومصانع يتدربون فيها.
في نهاية 2003 لم أكن قد أنهيت بعدُ أطروحتي، ومنحتني الصين تذكرة عودة إلى موريتانيا فعدت إليها، وفي يومي الأول كلمتُ المسؤولين في الوزارة فاعترفوا بالخطإ وأعادوا إلي المنحة مع تذكرة عودة إلى الصين.. لكن عندما عدتُ كانت فرصة المنحة الصينية قد فاتت.. فسجلت مستمعا حرا من أجل إكمال الأطروحة.
ثم عدت إلى ممارسة التجارة، وفتح الله علي فيها.. وهكذا تم تعليق الأطروحة، ولا تزال معلقة حتى الآن..
قبل شهر كنت في دكار أبحث عن التسجيل، وأنا متفائل بالحصول عليه قبل السنة القادمة.
مراسلون: في الانتخابات البلدية والتشريعية الأخيرة نافستم خصوما من العيار الثقيل، ورغم ذلك فقد تغلبتم عليهم، كيف حصل ذلك؟
عمدة روصو: أولا، دعني أصحح لك أمرا.. أنا لم أنافس رجالا أقوياء فقط، بل نافست الدولة نفسها.. وزراء - خمسة أو ستة - من بينهم الوزير الأول الحالي.. كان مديرا للحملة حينها.. التقيت بهؤلاء لاحقا - أحيانا في زياراتهم لروصو - فهنأوني وقالوا لي: لقد انتصرتَ علينا..
مراسلون: لكن ما هو تفسيرك لهذا الفوز؟
عمدة روصو: أولا، وعي أهالي روصو، وثانيا أخطاء المنافسين.. بالرغم أن منهم وزيرا وشيخا إلا أن الأهالي كانت لديهم نقمة كبيرة عليهم، وثالثا أنا ابن روصو.. فيها ولدت وتربيت وترعرعت...
مراسلون: يشترك معك الآخرون في الصفة الأخيرة.. هم أيضا أبناء روصو..
عمدة روصو: لكنني كنت أقيم في روصو.. وكنت أستثمر فيها.. ولدي منظمة خيرية كانت حريصة على دعم المدارس خاصة منها الابتدائية، وكانت تقوم بدعم البنات المتسربات من التعليم والتعاونيات النسوية...
لكن أهم العوامل في هذا النجاح - بعد فضل الله تعالى - هو وعي ساكنة روصو.. كنتُ - بخلاف المنافسين - صاحب صفحة بيضاء، وكان الأمل يدفع الناس نحوي، راجين أن أنجز شيئا.. أما أولئك فكانوا قبل ذلك في موقع المسؤولية والقدرة على الإنجاز، لكنهم لم ينجزوا شيئا..
مراسلون: يقودني هذا الكلام إلى سؤال آخر.. بعد مضي سنتين على انتخابكم عمدة ونائبا.. ما هي حصيلة إنجازاتكم؟
عمدة روصو: كنائب لا أستطيع أن أذكر الكثير.. أذكر فقط أنني أستمع إلى الساكنة وأحاول إيصال ما استطعت إيصاله من معاناتهم وشكاواهم إلى الجهات المعنية، بالإضافة إلى دوري في الرقابة البرلمانية..
مراسلون: هل لنا بنماذج من مشاكل الساكنة التي أوصلتموها إلى الجهات المعنية؟
عمدة روصو: طرحت أولا على تلك الجهات مشكل أوراق اللاجئين.. حيث لم يجد فيها جديد حتى اليوم.. طرحتها على وزير الداخلية السابق وعلى الوزير الحالي، ولم يحصل فيها تقدم يذكر.. طرحت مشاكل المزارعين على وزير المالية.. طرحت عليه أيضا قضية المباني الحكومية في روصو، التي يتم استغلالها من طرف أشخاص نافذين...
مراسلون: ماذا تقصدون تحديدا؟
عمدة روصو: خذ مثلا مبنى L’OMVS.. تستغله جماعة أخرى.. لا أدري بأي صفة.. هل بيعت لهم؟ هل أعطيت لهم؟ هل هناك صفقة أخرى؟ أنا كبرلماني لا علم لي بصفقة في هذا الشأن.. أنا أعرف وأنت تعرف والصحافة تعرف أن هناك جماعة تستغل هذا المبنى..
مراسلون: هل طرحتم هذه القضايا في البرلمان؟
عمدة روصو: نعم، ليس بهذا التوصيف الدقيق الذي قلتُ لك.. لكننا قلنا لوزير المالية أن هناك مبانٍ حكومية ينبغي التحقيق في شأنها.. طرحنا عليه أيضا قضية تأجير مندوبيات للوزارات في الوقت الذي توجد فيه مبان حكومية خاوية.. يكفي ترميمها فقط واستغلالها بدلا من استئجار مقرات جديدة تكلف خزينة الدولة.. لكن ما يجري هنا هو لعبة مصالح.. هذا يؤجر لصديقه وذاك لقريبه.. أموال يتم هدرها بدون سبب وجيه..
مراسلون: هل وجدتم تجاوبا من الجهات المعنية؟
عمدة روصو: دعني أؤكد لك أن أكثر الوزراء يقدمون معلومات مغلوطة وغير صحيحة، ليست هناك مراقبة ولا لجان للمتابعة والتفتيش.. وقد طرحت هذه القضية على البرلمان..
مراسلون: وما هي حصيلة إنجازاتكم كعمدة؟
عمدة روصو: قبل شهر كنت أعتقد أننا لم ننجز الكثير، ثم قيل لنا إن الوالي يطلب من جميع المصالح جردا بأعمالها وإنجازاتها.. فطلبت من مصالح البلدية إنجاز الجرد المطلوب.. وعندما قرأت الورقة فوجئت بأنها إنجازات كثيرة جدا، يُعْيِي إحصاؤها.. أعتقد أن لدينا مشكلة إعلام وتحسيس، وعلى العموم سنعقد نقطة صحفية في الشهر القادم لنقدم للإعلاميين حصيلة إنجازاتنا..
مراسلون: هل تقدمون لنا أمثلة؟
عمدة روصو: مثلا: الأحياء من الكلم 7 حتى الكلم 19 تم تزويدها بالماء الشروب، صحيح أنه مشروع حصل على التمويل قبل مجيئنا إلى البلدية، لكن تم توقيفه بسبب 28 مليونا هي مساهمة البلدية فيه، ونحن من دفعها..
اليوم.. "اشكاره" و"ارغيوات" و"الرباني" يشربون ماء نقيا.. أفضل من ماء "لكوارب".. "التزايه" و"امبته" و"امبارك جو" حصل ما لا يتوقعونه، حيث جلبنا لهم الماء من تحت النهر.. حتى أهالي "لورين" الذين يتبعون لـ"جدر المحكن" قدموا لنا طلبا للحصول على الماء الشروب..
من ذلك أيضا أنه عند الافتتاح الدراسي، كانت مدرسة الهدى متهدمة وغير صالحة للتدريس؛ قامت بلدية روصو ببناء مدرسة مؤقتة لمدة شهر إلى حين انتهاء الأشغال فيها.. وكذلك مدرسة الكلم 7، وهي بتمويل ياباني، أنشئت في إطار توأمة بين البلديات..
ولأول مرة تبنى مدرسة في "تَكَشْ"، مدرسة كبيرة من حجرتين كلفت 5 ملايين من ميزانية بلدية روصو.
وفيما يخص عمال البلدية وجدنا أغلبهم يتلقى رواتب تحت السقف القانوني، ووجدنا صندوق الضمان الاجتماعي يطالب البلدية بـ 86 مليونا.. اليوم لا يوجد عامل بالبلدية يتقاضى أقل من 31500 أوقية كما هو الحد الأدنى للرواتب، كما يحصلون على التعويضات العائلية من طرف الصندوق الاجتماعي.
وقد أبرمنا اتفاقا مع الصندوق من أجل تسديد الديون، ندفع بموجبه قسطا منه كل ثلاثة أشهر.. وهنا أريد أن أقول لك إن قضية الصندوق حين طرحت على رئيس الجمهورية اعتبر تلك المبالغ سرقة، حيث تقتطع من أجور العمال لكنها لا تذهب إلى الصندوق أبدا!
هذا لم يعد موجودا الآن.. بل إن البلدية اليوم تحملت كل التصرفات والديون الماضية، وعقدت اتفاقا تسدد بموجبه تلك الديون خلال 4 سنوات، مما يعني أن مأموريتنا لن تنقضي قبل سداد جميع الديون.
أيضا.. هناك 17 عاملا عملوا في البلدية منذ أن كانوا شبابا، فلما تقاعدوا تخلت عنهم، دون أن تصرف لهم حقوقا ولا معاشات.. لقد أعدنا لهؤلاء حقوقهم، وهم الآن يتقاضون معاشات..
عند مجيئنا وجدنا عمال البلدية يطالبون بثلاثة أشهر متأخرة من رواتبهم.. اليوم، نحن نفتخر بأننا استطعنا أن نستجيب لطلب الدولة قبل أسبوعين بضرورة تسديد الرواتب قبل عيد المولد، ولا يوجد اليوم عامل يطالب بمتأخرات.
مراسلون: ألم يحن الوقت لإيجاد إستراتيجية دائمة للنظافة والقضاء على القمامة، بدلا من الحملات الموسمية؟
عمدة روصو: بدأت هذه الإستراتيجية فعلا، في الحملة الحالية قسمنا المدينة إلى 25 قسما، لكل قسم لجنة مسؤولة عنه، تم تزويدها بالآليات الضرورية، وقبل الأول من يناير القادم ستزود جميع الأحياء الكبيرة بسيارة لنقل القمامة.. الآن بقي دور المواطنين، وأعتقد أنهم سيضطلعون به، لأنهم بدأوا يفهمون ويعون مسؤولياتهم، خاصة بعد عمليات التحسيس الواسعة التي قمنا بها.
مراسلون: هذا عن ما مضى.. هل تعدون ساكنة لكوارب بشيء ما خلال ما تبقى من مأموريتكم؟
عمدة روصو: لدينا مصلحة تدعى مصلحة التنمية المحلية، يرأسها العمدة المساعد الرابع، وقد اكتتبنا بعض حملة الشهادات من أجل مساعدته في خطة للاستشراف ووضع الخطط التي سنسير على وفقها في السنوات الثلاث القادمة.
مراسلون: تجولتُ في روصو خلال الأيام الماضية، وتحدثتُ إلى الناس.. قال لي بعضهم: لم يتحقق ما كنا نؤمله في سيدي جارا.. وقال آخرون: كانت خدمته لنا قبل انتخابه أفضل من خدمته بعد الانتخاب..
عمدة روصو: لست أدري.. أنا لم أتغير.. ربما كان لقائي سهلا قبل انتخابي عمدة، اليوم أصبحتُ عمدة وصار لقائي يتطلب أحيانا بعض الانتظار.. أيضا، ربما كان هؤلاء يريدون مني خدمات بوصفي عمدة، والواقع أنني لا يمكن أن أقدم مثل تلك الخدمات خارج إطار الشفافية والنزاهة.
مراسلون: يشكو الأهالي هذه الأيام من الأدخنة الناتجة عن حرق قشور الأرز والقمامة...
عمدة روصو: عاينتُ المكان صباح اليوم رفقة الوالي والحاكم.. هذه قضية مستعصية حقا.. نعالجها حاليا بإرسال سيارات الإطفاء من أجل إطفاء الحرائق، في انتظار وجود حل دائم، وهي عملية مكلفة.. لأننا نتحمل نفقات الإطفائيين وسياراتهم شهريا، وقد طرحنا قضية المَكَبّ القديم على رئيس الجمهورية من أجل أن تساعدنا الحكومة في تأهيله.
مراسلون: سمعتُ أن بعثة من المفتشية العامة للدولة زارت البلدية قبل شهر.. هل هذا صحيح؟
عمدة روصو: سافرت في الرابع من نوفمبر المنصرم إلى الولايات المتحدة، وفي الخامس منه حلت بالبلدية بعثة من المفتشية العامة للدولة، مكثتْ هنا 21 يوما، وعند رجوعي وجدتُ رسالة منها تطالب بتبرير صرف بعض المبالغ، وقد أرسلنا رسالة جوابية بررنا فيها ذلك الصرف.. اقتنعوا.. لم يقتنعوا.. لستُ أدري..
مراسلون: هل يمكن أن نعرف الرقم الذي طالبت المفتشية بتبريره؟
عمدة روصو: القضية ما زالت في إطار التفتيش، لكنني أستطيع أن أؤكد أنها أرقام عادية، وكل ما تسمعونه غير ذلك فهو مبالغات.
مراسلون: هل تعتقدون أن مقاطعة روصو تتعرض لغبن فيما يتعلق بمداخيل مؤسسة العبارة؟ أقصد ألا ينبغي أن تكون لروصو حصة معينة من هذه المداخيل؟
عمدة روصو: لستُ أدري، لم يتغير شيء عن حاله منذ مجيئي.. لكن سؤالكم أوحى إلي بفكرة.. يجب أن أطرح هذه القضية على المعنيين.. مداخيل البلدية من نقطة العبور عبارة عن رسوم عادية.. أعتقد أننا كنا غافلين عن هذا الأمر..
مراسلون: هناك حديث متزايد عن قرب إعلان موعد التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ.. هل صحيح أن هناك اتفاقا ضمنيا بينكم مع نائب روصو السابق ولد متالي ولد العالم؛ يقضي بدعمه شيخا جديدا لروصو؟
عمدة روصو: ولد متالي هو مرشح حزب الوئام لمجلس الشيوخ.. وأؤكد لك أن ما يؤخر تنصيبه شيخا لروصو هو إجراء الانتخابات فقط.. ولد متالي هو شيخ روصو القادم..
مراسلون: في ظل الأزمة السياسية القائمة والحراك المجتمعي، هل يساوركم - في بعض الأحيان - قلقٌ على مستقبل البلد؟
عمدة روصو: بالتأكيد.. وهذا ما جعلني أصلا أنضم لحزب الوئام؛ لأنه حزب وسطي.. لم يقبل أن يميل به غلو المعارضة، كما لم يرض الانخراط في فساد الأغلبية.. بل نحاول الإصلاح وتقريب وجهات النظر بين الطرفين.. لكنني من جهة أخرى أشعر بالاطمئنان عندما أقارن بين حالنا وحال الدول الأخرى.. الأمن الموجود عندنا يغبطنا عليه الآخرون.. من يعرف مالي وليبيا ومصر... يعرف أن وضعنا جيد ولله الحمد.
ورغم ذلك فينبغي أن نتوخى الحذر، لأن هناك أمورا قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه إن استمرت على حالها.. عدم العدالة، عدم تكافؤ الفرص في العمل والوظائف، عدم التوزيع العادل للثروة الوطنية... هذه تصرفات مخلة بالأمن الداخلي... فقدان العدالة والجوع هي سبب ما نراه من قتل واغتصاب، وإذا فقد الأمن الداخلي فلا عبرة بالأمن الخارجي.
مراسلون: هل تعتقدون أن هناك ممارسات استرقاقية في البلاد؟ وما هي رؤيتكم الخاصة لحل مشكل الرق؟
عمدة روصو: هذه أول مرة أجيب فيها عن سؤال متعلق بالرق.. أتحاشى دائما الحديث عن هذا الموضوع..
مراسلون: لماذا؟
عمدة روصو: لأنني لا أحب تشويه سمعة البلد، وأعتقد أن بإمكاننا حلها دون تدخل خارجي. يوجد رق وتوجد مخلفاته.. والإجراءات التي اتخذتها الدولة لمحاربته دليل على وجوده.. هناك رق بالمفهوم التقليدي وهناك مخلفاته بأنواعها.. صحيح أنه لا يمكن القضاء عليها في يوم واحد، وأن للدولة جهودها في القضاء على تلك المخلفات..
مشكلة الموريتانيين أنهم بخلاف العالم الآخر الذي يتفق على تشخيص الأمور وقد لا يتفق على حلولها، أما نحن فلا نتفق أبدا في تشخيص الأمور.. أعتقد أن على الدولة أن تعترف بأن الرق موجود وكان موجودا بعدة صيغ، كما توجد مخلفاته الآن..
لماذا لا تفتح الدولة متحفا يعرف بأنماط الرق التي كانت سائدة؟ من أجل أن يحارب الناس ظاهرة ما؛ لا بد أن يتعرفوا عليها وعلى طريقة ممارستها، لكي يستوعبوا بشاعتها.. لا يمكن أن نمحو ثقافتنا وذاكرتنا.. الإنسان لا بد له من ذاكرة..
مراسلون: جيد.. لكن كيف نعالج مخلفات الرق؟
عمدة روصو: لا بد من التكفل بالضحايا ووضعهم في ظروف حسنة من ناحية التعليم والصحة والسكن... خاصة التعليم، أي أسرة يتعلم منها فرد واحد فقط وينجح في دراسته فسيساهم دون شك بفعالية في تغيير هذا الوضع..
لم أكن أصدق أن بعض الناس بلغوا من الجهل حد أنهم يجهلون الفاتحة نفسها، وكنت أظن أن ذلك ضربا من المبالغات، حتى زرت آدوابه في المناطق الشرقية فرأيتُ ذلك رأي العين.. ساهمتُ في فتح محاظر هناك ورأيت كيف أَثَّرَ ذلك على حياة الناس..
مراسلون: على ذكر المحاظر، ما حقيقة المضايقات التي قيل إن المحاظر التي تدعمونها تعرضت لها؟
عمدة روصو: إن كنتَ تقصد ما نقله موقع "لكوارب" فهو غير صحيح، وقد كذّب عنه المندوب الجهوي للتوجيه الإسلامي.. لم تتعرض المحاظر التي ندعمها لأي مضايقة سواء كانت في روصو أو "ارغيوات" أو عند الكلم 7.
ولأنني أحد ممولي معهد الإمام ورش المركزي بانواكشوط؛ فقد استفادت هذه المحاظر من منهج المعهد الأم من ناحية نظام السكن والإعاشة والمنهج الدراسي المتبع وتكوين الأساتذة..
كان هناك خطأ يتعلق بالترخيص، لأن هذه المعاهد يسري عليها القانون المنظم للمدارس الخاصة والذي يُلزمها بالترخيص.. وقد اعترفنا بالخطإ، وأعطتنا السلطات مهلة لتصحيحه.
وعموما، ليس هناك خوف على هذه المعاهد، لأنني لا أقصد بها السياسة، وهي لا تستفيد من دعم خارجي، ولا تُكَوِّنُ الإرهابيين.. هذه محظرة بمنهج حديث..
مراسلون: هذه هي المأمورية الثانية للرئيس ولد عبد العزيز، وهي كذلك الأخيرة بموجب الدستور.. شخصيا، هل ستقبلون أن يترشح ولد عبد العزيز لمأمورية ثالثة بأي مسوغ وليكن الحوار مثلا؟
عمدة روصو: أعتقد أن الناس يستعجلون.. أنا متأكد مائة في المائة أن ولد عبد العزيز لا يرغب في مأمورية ثالثة، وهو يعلم أنه لن يُسمح له بذلك.. لن أقبلها أنا ولن يقبلها الآخرون.. لكنه رجل ذكي.. من تولى تسيير شؤون البلاد في هذه السنوات العصيبة، وأنجز كل هذه الإنجازات، وأنا أعترف أنه قام بإنجازات، أعتقد أنه لا يرغب في مأمورية ثالثة..
قد يرغب في الترشح لاحقا بعد انقضاء مأمورية رئيس آخر كما حصل في روسيا، وهذا حق ديمقراطي لا مانع منه، ولم يعترض عليه أحد في روسيا، وقد حصل في أمريكا..
مراسلون: هل تعتقد أن الحوار يمكن أن يجري في غياب التكتل؟
عمدة روصو: الشاة إذا انفردت عن القطيع أكلها الذئب.. أعتقد أنه إذا ذهبت الأحزاب جميعا في اتجاه الحوار؛ فسيذهب التكتل أيضا في نفس الاتجاه، لكن عموما أعتقد أن الأحزاب جميعا غير مستعجلة في هذا الصدد، لأنها ترغب في أن يجري حوار شامل، لا تحصل بعده انتكاسة..
لكنني أعتقد أن الحوار بدأ فعلا.. ما المقصود بالحوار؟ هو إبداء وجهات النظر.. وهذا حصل.. بقي فقط الجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل الاتفاق على أمور محددة.. من المهم أن يكون حوارا شاملا، يشارك فيه الجميع، ولا يتخلف عنه أحد.
مراسلون: شكرا جزيلا سيادة العمدة على قبولكم الحوار.. شكرا على ما خصصتموه لنا من وقتكم..
عمدة روصو: شكرا لكم أيضا على إتاحة هذه الفرصة.. لم يسبق لي أن أجريتُ مقابلة قبل اليوم، كنت أكتفي ببعض التصريحات.. أجريت واحدة صباح اليوم مع موقع "لكوارب" وظُهْرَ اليوم مع موقعكم.. كانت بعض أسئلتكم محرجة وفاجأني بعضها.. لكن من حق سكان لكوارب والشعب الموريتاني أن يطلعوا على موقفي تجاه هذه القضايا المحلية والوطنية.