من صفحة السيد محمدن ولد سيدي بدن
حظيتُ البارحة بمجلس روحانيٍّ طيِّب مع الشيخ محمد الحسن بن الدَّدوْ في ساحة مجلس النور على مائدة الشيخ محمد الحافظ بن أنحوي رئيس التجمُّع الثقافي الإسلامي تمَّ تنظيمها إيذانا باختتام الدورة الثامنة و العشرين للمؤتمر السنوي لنصرة النبيِّ صلّى الله عليه و سلَّم .
خاض الشيخ الدَّدوْ في موضوع المديح النبوي لدى الشناقطة و خاطب الشيخ عادل كوتَه نائب رئيس مجمع الفقه السعودي مؤكدا عليه بالتزام يبدو سابقا بخصوص انتقاء مختارات من هذا اللون الأدبي و العمل على نشرها ..و توقف الشيخ الددوْ عند العلامة مولود بن أحمد الجواد اليعقوبي و قال إنه تألق في المديح و ذكر كمثال على ذلك قصيدته البديعة المرجانية التي سميت بذلك لقوله فيها:
من أي مرجان رب العرش مرجانه = = تبدو لعينيك في تركيب إنسانه
و قال الشيخ اددو إن هذه القصيدة البديعة جاء فيها بيت تضمن معنى يُعتبر من أروع و أدق ما قيل في المديح النبوي و هو قول الشاعر:
لو كان ذا الكون إنسانا لكنت له == عينا و لو كان عينا كنت إنسانَه
و قال إن مولود رحمه الله قد تمَّيز في مديحه بأنه درج على أن يستهلَّ قصائده بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم بينما العادة لدى القوم أن تختم بها.
ثمَّ أخذته نشوة من المحبة النبوية فاسترسل في إنشاد القصيدة إنشادا حتى وصل فيها إلى مبلغ معيَن.
اغتنمتُ فرصة وجودي بجوار الشيخ و فرصة خوضه في مجال المحبة النبوية فقلت له: هل لي أن أسمع منكم فأدقق قصة رؤية لمرابط محمد سالم بن عبد الودود للنبيِّ يقظةً في رحاب بيت الله الحرام؟ ابتسم الشيخ و قال تواضعا:و هل يوجد مصدر أوثق منك لروايات لمرابط محمد سالم؟! ثم قال: قصَّ عليَ لمرابط محمد سالم تلك القصة ثلات مرات، و استطرد يقول: " كان ذلك في موسم سنة 1972 م و لم يكن لمرابط ينوي الحج في تلك السنة إلاَّ أنه قرره في ٱخر لحظة فذهب في الفوج الأخير من الحجاج ليلتحق في المدينة المنورة بأبوَيَّ الذيْن سبقاه إلى هناك إذ لم تطمئنَّ نفسُه إلاَّ بمرافقتهما في تلك الرحلة كما قال.كان في الرفقة كذلك العلامة محمد بن أبي مدين و أخته مريم.انطلق الموكب من المدينة فوصل أصحابه مُحرِمين إلى مكة المكرمة.قال لمرابط محمد سالم: كنت ليلة جالسا خلف مقام ابراهيم و ما أنا منه بالقريب حتَّى خاطبني مَن يقول باللهجة الحسَّانية الصريحة " الكوم أراهُومَ جاوْ"! فانتبهتُ فإذا برسول الله صلَّى الله عليه و سلم ماثل أمامي و هو يرتدي ملابس الإحرام و قد بدا ذراعُه و قد كشف الشيخ الددوْ عن ذراعه الأيمن ممثلِّا! قال لمرابط محمد سالم: و ما كنتُ حائدا عن جلستي و ما تغير شيءٌ من صيغة ملابس الإحرام لدي و ما جدَّدتُ الوضوء لإقامة الصلاة الموالية! ثم أضاف يقول: و لمَّا التقيتُ بعد ذلك بمحمد بن أبي مدين قال لي:" لقيتُ البارحة في رحاب البيت من أخبرني بوجود صاحب الوقت أي قطب الزمان و عرض عليَّ أن يوصلني إليه فقبلت عرضه فكان لي ذلك! قال لمرابط محمد سالم: هنالك قلت له:و أنا كذلك رأيتُ سيِّد الوجود و قصصتُ عليه الحكاية! سألت الشيخ أستوضح عن ما جرى لابن أبي مدين هل هو في اليقظة أو في المنام؟ فردَّ الشيخ الددوْ جازما: بل هو في اليقظة كذلك! سبحان الله العظيم.
و بالإستماع و الإستمتاع بحكاية الشيخ محمد الحسن بن الددو راويا عن خاله و شيخه لمرابط محمد سالم بن عدود رحمه الله، تبينتُ أنها تكاد تكون متطابقة مع رواية أخرى مروية عن لمرابط محمد سالم كذلك سمعتها أكثر من مرة من شخص راشدٍ ذي ثقة و ضبط في مثل هذه الأمور سمعها منه مباشرة و لكن لطول عهدي بها تمنّيتُ لو سمعتُها من الراوي من جديد فأنشر الروايتين معا تتميما للفائدة.و تشاء الأقدار أن يزورني الراوي في الدار مبكِّرا صباح اليوم على غير عادته! بادرت فأسمعته رواية الشيخ الددو و استمعت منه إلى روايته فقال:
" انتُدبتُ مرة و أنا رئيس مصلحة في أحد القطاعات الوزارية لافتتح نشاطا ثقافيا يستهدف شريحة الشباب تقيمه منظمة غير حكومية في دار الشباب الجديدة و فوجئتُ بحضور لمرابط محمد سالم لذلك الإفتتاح تلك العشيةَ استجابة لدعوة من رئيس المنظمة الأستاذ محمد بن محنض أتفغَ.
و كانت فرحتي كبيرة لشدة تعلُّقي بلقائه حتَّى أحسم جدلا محتدما منذ أيام بيني و بين بعض الزملاء الشباب ممن ينكرون ما تواضعت عليه مراجعنا الفقهية المعتمدة من إمكانية رؤية المسلم المستقيم لرسول الله صلى الله عليه و سلم في حال اليقظة.و احتج القوم بفتوى للشيخ محمد سالم زعموا أنه قالها في محاضرة له ألقاها آنذاك في مسجد " قطر" في المقاطعة السادسة.قلت لهم: إن كان قال ذلك فسدًّا للذرائع أما هو فلا أخالُه إلاَّ من الصالحين المخصوصين بمثل تلك الرؤية.
أخذتُ مكاني إلى جوارالشيخ على المنصة حتّى إذا حان وقت الإفتتاح الرسمي تدافعناه طويلا و بعد جهد جهيد قبل أن يفتتح الندوة فجاء بالعجب العُجاب.
انطلقت أعمال الندوة و انعقد بيننا حديث كان عابرا حتَّى تدرّج بنا إلى الشيخ علي الرضى و ما تناقله عنه الناس آنذاك من لُقيا عجيبة طلب مني الإستماع إليها من جديد فقصصتها عليه كما رويتُها من المصدر ثم أردفت سائلا سؤالا اقتضاه السياق و لكنَّ لي فيه مآرب أخرى إذ أريده مدخلا أنفذ من خلاله إن تهيأ لي ذلك إلى الموضوع الذي يحتل الصدارة في نقاشاتنا منذ أيام : قلت للشيخ " هل يمكن أن يتجدد اللقاء بين موسى و الخضر بعد أن قال له:( هذا فراق بيني وبينك ) كما ورد في سورة الكهف ؟ عندئذ أدار الشيخ مقعده الدوَّار فوق المنصة نحوي و أقبل إليَّ بوجهه النيِّر و قال:" نعم ليس هنالك ما يمنع ذلك شرعا" ثم فوجئتُ به يتجاوز ما أظهرتُه لينفذ مباشرة إلى ما أضمرتُه بدون أي مقدمة فيقول : " حججتُ مرة في رفقة من ضمنها العلامة محمد بن أبي مدين.و في إحدى الليالي كنت في رحاب البيت فتوضأت لأصلي ركعات فتراآى أمامي رسول الله صلَّى الله عليه و سلَّم و صاحباه أبوبكر و عمر رضي الله عنهما، فصلَّيت تلك الركعات .و لمَّا عدتُ إلى مكان إقامتنا في مكة قالت ليَ " الصيْدات" إنَّ محمد بن أبي مدين أخبرهما هو الآخر أنه لقي في رحاب البيت قطب الزمان فضمَّه إليه وقال له إنه حضر ذلك الموسم لأن النبيَّ صلى الله عليه و سلَّم و صاحبيْه رضي الله عنهما يحضروه.قال لمرابط محمد سالم:قلت لهنَّ: ذلك كذلك. و أردف الشيخ قائلا: هو موسم تميَّز بأن صادف فيه عرفة يوم الجمعة! قال محدثي:ممَّا قاله لي لمرابط محمد سالم آنذاك : " كلُّ ما يحدِّث به الشيخ عليّ الرضى فهو صحيح " و ما إن أكمل القصة حتَّى مدَّ إليَّ يده الشريفة مودِّعا فرافقتُه إلى الباب و عدتُ مشدوها لصحة كشفه الصريح الذي لا يحتمل التأويل و ما قطع دهشتي تلك إلاَّ ضجة تنبعث من داخل القاعة فتنبَّهتُ إلى ضرورة الإلتحاق بالمشاركين لأخوض مع الخائضين منهم في موضوع الندوة المتعلق بدور الشباب في تحقيق التنمية المندمجة " !
رحم الله السلف و بارك في الخلف.