في السنوات الخمس الأولى من عمري، كانت الأيام كلها أعيادا!!!..
وفي قريتي "البوتيليميتية" النائية.. احتل "عيد المولود" مكانه كثالث الأعياد الإسلامية دون جدال.. فكنا نذبح فيه ونلبس الجديد ونتزاور ونطلب "انديونه" بكل ثقة و"متن وجه"..
ولكن.. بعد عمل والدي في "السعودية" في نهاية الثمانينات.. وفي وقت كانت فيه "الوهابية" على أشدها.. والمجتمع منغلق على ذاته.. آثرنا السلامة والتحفظ.. وكنا نحتفل بهذه المناسبة الشريفة.. بهدوء وداخل البيوت فقط..
ثم درستُ في المدرسة مناهج "التوحيد ومسالك الشرك" فاعتبرت وقتها - لصغري وسذاجتي - الاحتفال بهذه المناسبة بدعة محرمة!!.. والتبرك بقبر الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم - شرك واستعانة بغير الله!!
وكانت السلطات وقتها تطارد وتضرب زائري القبة الشريفة في المدينة المنورة.. إذا ضبطتهم متلبسين بالتمسك بأستار أو جدران القبة الشريفة.. وتصرخ فيهم بعنف: "هذا حديد.. هذا حديد.. مو الرسول"!!..
وكنت أجادل أهل البيت دوما جدالا عقيما.. فكان والدي يستمع بصمت ووقار فهو - كان ومازال - وسطيّ في الموضوع.. وكانت والدتي تعلق لي قائلة: "إن لم نحتفل بمولد نبينا هادينا.. فبم سنحتفل"؟؟
ثم نضجت.. وتصادف رجوعُنا للوطن - واحتفاء الناس بالمولد الشريف دون مغالاة كبيرة - مع موجة التشويه المتعمد والرسومات المسيئة لنور الهدى - صلى الله عليه وسلم - وقراءتي - أحيانا - لكتب مختلفة حول المذاهب الفكرية والحركات الإيديولوجية الإسلامية..
فأيقظت تلك الأحداث مشاعر الحب العميقة الكامنة في قلب كل مسلم للرسول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وأدت لثورات شبابية عنيفة.. وأنشئت بسببها جمعيات وحركات داعمة وصحف ومواقع رائجة.. وصاحبتها شعارات قوية معبّرة أذكر منها - على سبيل المثال – شعار: "إلاّ رسول الله.."..
وحين عملت لفترة في المدرسة التركية في انواكشوط - وهي على فكرة تابعة لحركة المفكر الإسلامي "فتح الله كولن"؛ الداعية المتفتح - كان لزاما علينا كموظفين، التنسيق والتجهيز للذكرى الشريفة كل عام.. وإقامة معارض للصور والآثار النبوية الشريفة الموجودة في "اسطنبول"؛ كالبردة النبوية وشعر اللحية الشريفة.. وإقامة مسابقات السيرة النبوية والأناشيد الدينية ومعارض الرسم.. الخ.
فكنت ألاحظ أهمية الغرس المبكر لحب النبي- صلى الله عليه وسلم - في قلوب البراعم الصغيرة - عبر الاحتفال بمولده الشريف واعتباره عيدا ومناسبة عظيمة للفرح والسرور..
فازددت اقتناعا بإباحة بل ندب هذا الاحتفال.. ورجعت لأصلي، وتحررت - أخيرا- من كل التحفظات القديمة.. وانسابت مشاعري صادقة متدفقة ملبية.. ترجو الشفاعة وتتمنى الاقتداء القويم..
وها أنا الآن سأترككم قليلا.. للتهيؤ للتسوق وشراء مستلزمات العيد الجديدة..
لكن لن أنسى: كل سنة وأنتم بخير وسلام وعافية.. و"انديونه"!!..
سارة بنت الشيخ سيديا