"تِينِيكِي"..بين جَوْرِ النسيان و مَطْلَبِ العِرْفَانِ
تستعد بلادنا منتصف الأسبوع المقبل لتنظيم النسخة السادسة من المهرجان الثقافي السنوي للمدن القديمة و التي ستنظم هذا العام بمدينة "وادان" التاريخية و هو حدث وطني كبير ينظم تنشيطا لمدننا التاريخية التي تمثل الذاكرة الحية و الحاضنة المنيعة لتراثنا الحضاري و إِحْيَاءً لذكري المولد النبوي الشريف الموافقة هذه السنة لسبع ليال بقين من شهر دجمبر 2015.
و يعتبر المهرجان حسنة -بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا- من حسنات الحقبة السياسية الحالية لكن البعض يري أنه ربما أَلَمً به ومَسًهُ طَائِفٌ من الرًتَابَةِ والرُوتِينِ و التِكْرَارِ مما يستدعي من الجهات المنظمة الدًعْوَةَ إلي لقاء تقييمي في نهاية أيام النسخة الحالية لا أشك أنه إن التأم سيقدم جملة من اقتراحات التجديد و التشويق منها مثلا استضافة إحدي المدن التاريخية الشقيقة سنويا للمشاركة في فعاليات المهرجان.
و أقصد بالمدن التاريخية الشقيقة تلك المدن المصنفة من طرف اليونسكو تراثا عالميا و التي تربطنا بها وشائج تاريخية خاصة "كتمبكتو" بمالي و فاس القديمة و مكناس القديمة بالمغرب و "بني حماد" بولاية "لمسيلة" بالجزائر و جزيرة "سان لويس" بالسنغال و مدينة صنعاء التاريخية باليمن ومدينتي قرطبة و غرناطة بالأندلس،...
كما أن من الاقتراحات التي لن يخطئها كل ذي نظر سليم ضرورة استحداث برنامج وطني للتعريف بالمدن و المواقع الأثرية الموريتانية المندثرة كليا أو جزئيا وذلك سبيلا إلي ترسيم حدودها و إعادة بناء بعض معالمها و العرفان بالجميل لتاريخها و إسهامها في التراكم الحضاري للأمة الموريتانية و العمل علي جعلها وِجْهَاتٍ و قِبْلَاتٍ للسياحة الثقافية.
و الجدير بالذكر و التنبيه أن مقاطعة وادان الإدارية تشمل إحدي المدن التاريخية المندثرة كليا أو جزئيا و هي مدينة " تينيكي" الأثرية التي تأسست علي يد أعيان قبيلة تجكانت حوالي سنة 1225م بعد انهيار الدولة المرابطية.
و قد تواتر المؤرخون علي أن قبيلة تجكانت كانت تمثل ربع جيش المرابطين وأن لها انتشارا كبيرا في دول المغرب العربي و الجزيرة العربية و الساحل و الصحراء وهي القبيلة الموريتانية الوحيدة المسجلة ضمن "القبائل المسلمة المليونية عددا" بالساحل و الصحراء!! كما تشهد بذلك و ثيقة مسجلة بالمكتبة الألمانية الكبري اضطلع عليها و بعث بها إلي منذ أشهر المُؤرخ النِحْرِيرُ سيد أحمد ولد الأمير.
و قد شهدت مدينة تينيكي استقرارا و عمرانا دام قرابة أربعة قرون ازدهرت فيها دراسة و تحرير و إثراء العلوم الشرعية و علوم اللغة العربية بالإضافة إلي التجارة و الزراعة و الإعمار و البناء…
و أجمع المؤرخون العرب و الموريتانيون و الفرنسيون و الإسبان و البرتغاليون علي أن تينيكي كانت إحدي أهم مراكز الإشعاع العلمي في المغرب الإسلامي و أنه كان بها ما يزيد علي أربع مائة امرأة يحفظن موطإ مالك و أن الجواري كن ينظمن بها حفلات إنشادية و غنائية مسائية يرددن فيها مقامات الحريري!!!.
كما يروي أنها كانت مهد المحظرة الموريتانية حيث أن أول ذكر لمصطلح " المحظرة" بهذا الحيز الجغرافي المعروف حاليا بموريتانيا قد عرف به أحد أعلام و علماء "تينيكي" و هو المختار ولد الطالب عبد الله المعروف "بالطالب محظرة". و قد افتخر بالإشعاع العلمي و الحضاري لتينيكي العديد من نبهاء و علماء البلد.
واختصارا أسجل في هذا المقام ما أورده باب ولد الشيخ سيديا و ما أدراك ما باب علما و فهما و كرما وعبادة و صلاحا و ورعا و سياسة و ريادة و قيادة!؟ حيث قال إن النساء "بتينيكي" كن يحفظن موطأ مالك و لا شك أن القارئ فهم أنه إذا كانت من النساء وقتئذ الحافظات العالمات فَظُنً خيرا و لا تسأل عن الرجال!
وفي السياق نفسه أنوه إلي ما صدع به العلامة الفهامة وشيخ العلماء لمرابط اباه ولد محمد الأمين الذي قال بأنه في القرون الأربعة التالية للقرن السابع الهجري كانت أكثر بلاد الله علما مِصْرُ و تينيكي!!
إن هذا التاريخ الوضاء لتينيكي عاني و يعاني كغيره من تاريخ المدن القديمة المندثرة كليا أو جزئيا ببلادنا من جَوْرِ النسيان و تقصير القائمين علي الشأن الثقافي علي مَرِ و ذَهَابِ العقود الخمسة الماضية و ثقتي كبيرة في أن "وُلاًةَ الأمر الثقافي" حاليا سيقطعون خطوات علي طريق التعريف و العرفان بالجميل لتلك المدن.
و كذلك فإن كلي حلُمٌ و أَمَلٌ و ثِقَةٌ في أن تُوفق المنظمة غير الحكومية "هَيْئَةُ تِينِيكِي" المنشأة منذ سنتين أو ثلاث من طرف بعض خيرة أحفاد المنحدرين من المدينة سِيرَةً و أمانة و ذكاء وشجاعة و تضحية مسنودة و معززة بتحالف و تضافر جهود المجموعات السكانية و الشخصيات المرجعية المنحدرة من تينيكي و القاطنة حاليا بوادان و أطار و إنشيري و أوجفت و شنقيط في تحقيق التعريف بالمدينة من خلال ما أسميه "خطة إحياء تراثي".
و تساوقا مع المساحة المعتادة للمقالات التي أكتبها أسبوعيا منذ فترة سأكتفي بالإشارة إلي بعض أهداف و مقاصد خطة الإحياء التراثي التي أحلم بها و أتوقعها و التي تعني اساسا: ترسيم حدود المدينة القديمة و إعادة بناء بعض المعالم الكبيرة للمدينة كالمسجد العتيق و سور السوق الكبير و تشييد متحف محلي.
ضف إلي ذلك تسييج المقبرة و نقش أو إعادة نقش الاضرحة و التكفل بمصاريف ناظر مقيم يرعي شؤون المدينة و يُعَرِفُ بها الزوار و السواح وكذا اتخاذ الإجراءات القانونية و الإدارية اللازمة من أجل تسجيل المدينة الأثرية تراثا وطنيا تَعْهَدُ الدولة بتسييره للمنظمة غير الحكومية " هيئة تينيكي" لفترة طوية.
السفير المختار ولد داهي