مكتب الجمارك بكيهيدي: مملكة السائقين../ يحي عبد الرحمن

اثنين, 2015-12-14 23:58
يحي عبد الرحمن، ناشط مدني.

بالكاد تعرفه.. ترهقه ذلة، يطالعك المكتب الجهوي للجمارك، وحاله يكفي عن سؤاله.. يستظل بألوان العلم الوطني الزاهية فيستمد منها كل معاني التضحية والفداء.. تلوح من جنباته بيارق رجال تجشموا الصعاب، وتجرعوا في سبيل الوطن العلقم شهدا لذيذا، فكان ذنبهم أنهم أخلصوا لله ثم للوطن، فبسيارة واحدة وبندقية واحدة أحرجوا كل السلطات حتى خرج المهربون والمتواطئون من جحورهم.

رغم ذالك ظلوا خارج معادلة الوطن في زمن تعلو فيه الأصوات المحاربة للفساد، ولأنهم أبناء هذا الوطن البائس.. لأنهم أبناء هذا الوطن الحزين.. أبناء هذا المجتمع المريض الذي يتجرع أصحابُ الكرامة فيه نخب الحرمان ساخنا.. لأنهم أبناء أرض لا تنجب وطنيا إلا بعد مخاض عسير فتقتله وأدا.. ولأنهم صدقت كتب عليهم بالشقاء والتيه، ولغيرهم بالظل والرفاهية والقوام والترقي والتقدم.

جيل من أبناء الصدمة يُرْهِبُهُ مدير جهوي ينفي من أرضه كل من أراد إصلاحا..

تذمر أصبح ينذر بخروج الأمور عن السيطرة بسبب فساد الإدارة الجهوية للجمارك بكيهيدي، ورضوخها لأهواء السائقين، الذين أصبحوا يشكلون "ميليشيا" تبتز عناصر الجمارك، وتؤمن سير العمل خارج القانون بين المدير والمهربين والتجار، المستفيدين من غياب الدولة وزبونية القائمين بأعمالها.

سائقون يستعينون بالمدير، الذي يتقاسم معهم كل المبالغ التي يجنونها من ابتزاز عرق المواطنين الجياع وفتح الحدود على مصراعيها، في الوقت الذي يتم فيه تعطيل سيارة الجمارك واستخدامها في مهام مدنية قد لا تليق بسمعة القطاع، وتوقيف العناصر النشطة وتهديدها بالاستفسارات..

أمر أصبح مثار استغراب كبير..

لقد بلغ السيل الزبى.. حتى أصبحت الإدارة الجهوية للجمارك وَكْرَ مؤامراتٍ ومملكةً للسائقين، يتقاتلون على سيادتها، ومن خضع وخاف من عناصر الجمارك يتم تهميشه وتبعيته لمزاج السائقين والمدنيين الذين يملؤون نقاط الجمارك.

سباق مع الزمن في كسب ود المدير.. ومن رضي عنه الرأس تُسمع وشايته في الرافضين.. وبعد أن أصبح السائق محمود ولد إبراهيم المعروف علما بـ"محمود حسينة" - صاحب الدفتر الأزرق، والذي يرتدي ملابس شبه عسكرية، ويعرفه كل سكان كيهيدي - هو الملك المطاعُ أمرُه والمعاقب ضده، حتى صار يشيع أنه تمت ترقيته ليصبح مأمور جمارك، وذلك لتوسيع دائرة تسلطه على المواطنين المغلوبين على أمرهم.

هذا السائق رفض تفعيل نقطة الجمارك الإستراتيجية الكائنة بمدخل المدينة، والتي يمر بها معظم القادمين من الجارتين مالي والسنغال، وبدل تزويدها بأربعة عناصر يتعاقبون عليها، وسيارة لضبط المخدرات والأسلحة، أبقى السائق محمود فيها على عنصر واحد يعمل تحت إمرته، يستفزه متى شاء، ويذله متى شاء، ويأخذ منه مبالغ الجباية المأخوذة على السيارات العابرة، ثم يتقاسمها مع المدير، فيما يمنعه من توقيف كل السيارات التي تتعامل معه، ولا يمكن لأي جمركي أن يزاول عمل الجمارك داخل السوق الآن (تي- اس) إلا وشى به عند المدير الذي يقدم له المبالغ الغير شرعية، وبهذه الطريقة يتم تحويل عناصر الجمارك إلى محصلين له، ومع الوقت يكونون أداة لتقويض القانون.

وأخيرا حق لنا أن نتساءل من أين تنصب مصائب الجمارك في كيهيدي؟ ومن يقف وراء تهميش الشباب النشط فيه؟ أهناك أيادٍ خفية هي من تحرك الملف وتتلاعب به؟ أم أنهم لا وساطة لهم لأنهم أبناء البسطاء من الشعب المطحون؟ متى تشرق شمس العدل ليترجل ليل الظلم البهيم؟ متى يتساوى أبناء الوطن الواحد في الفرص دون وسيط أو خائن ظلوم؟

بقلم يحيى ولد عبد الرحمن