رحلت قبل أيام عن عالمنا الكاتبة والمفكرة المغربية الدكتورة وأستاذة علم الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي، وبهذه المناسبة نستذكر كلما هو نضالي وكلما هو جاد وصادق في قضية المرأة، وقبل أن نلج موضوع إسهامها الفكري ومنهجها النضالي ذو الطابع العلمي الرصين، نتوقف قليلا لنقدم الفقيدة في سطور إيمانا منا بعدالة ذلك الإسهام وتلك المنهجية رغم تقول المرجفين..
لقد ظلت المرنيسي وفية لقضية عادلة وعالقة.. إنها قضية المرأة العربية التي تعرضت للظلم منذ أفول العهد الراشدي وتجاوز عصر النبوة، الكاتبة المغربية الأكاديمية والمتخصصة في التراث العربي كشفت المستور، وقدمت المفيد في قضية المرأة فألفت العديد من الكتب وكتبت عشرات المقالات والمقابلات في شأن نساء العالم الإسلامي بشكل عام والعربي منه على وجه الخصوص.
فاطمة المرنيسي (1940 فاس - 30 نوفمبر 2015) باحثة وعالمة اجتماع وكاتبة نسوية مغربية لها كتب ترجمت إلى العديد من اللغات العالمية.
تهتم كتاباتها بالإسلام والمرأة وتحليل تطور الفكر الإسلامي والتطورات الحديثة. بالموازاة مع عملها في الكتابة تقود كفاحا في إطار المجتمع المدني من أجل المساواة وحقوق النساء...
من أشهر مؤلفاتها: الحريم السياسي : النساء والنبي - سلطانات منسيات - شهرزاد ترحل إلى الغرب - الحريم والغرب - هل أنتم محصنون ضد الحريم -الخوف من الحداثة : الإسلام والديموقراطية - الجنس والإيدلوجيا والإسلام - الحب في بلاد المسلمين - أحلام نساء - نساء على أجنحة الحلم.
من أقوالها:" لن يولد المجتمع العربي، كمجتمع معرفة، يتكيف مع المجرات ودقائق التقنية الحديثة، ما لم يتح للمرأة أن تتعلم، وتشارك في صنع القرار...
يقول عنها بعض النقاد:"فاطمة المرنيسي خلافا لما يروجه عنها أصحاب القراءات المتسرعة، لم تكن يوما ضد الإسلام، إنها تناضل وتفكر معرفيا من داخل النسق الثقافي الإسلامي، الذي تعتبره أعطى المرأة مكانة مائزة، يتوجب العمل باستمرار على استعادتها، حتى لا تظل ثقافة الاستعباد هي المسيطرة مغربيا وعربيا.
تفكير المرنيسي في قضايا المرأة هو احتجاج علمي على ذات القراءات و الكتابات التي لا تتمثل المرأة ما بين المحيط والخليج، إلا كحجاب و حريم و تحريم ...
لا تخفي "فاطمة المرنيسي" أن كتاباتها تندرج ضمن "الكتابات النسوية" التي تطالب بمكانة حقيقة للمرأة في الحضارة العربية الإسلامية، غير أن ما يفرقها ربما عن التيار النسوي التقليدي الرافض للقيم العربية والإسلامية أنها تنطلق من التراث العربي الإسلامي بالذات للمطالبة بهذه المكانة"
وانطلاقا من هذا يرى الباحث عصام بن الشيخ أن المرنيسي كانت ملتزمة بالحدود الشرعية للمرأة المسلمة حين يقول: "وتزدحم الأجندة البحثية لفاطمة المرنيسي بالانتصار للمرأة العربية المقهورة، لكنّ ضمن "الحدود" والأطر الشرعية، التي لا تمنعها من المشاركة السياسية بشكل تمييزيّ قطعيّ أو نهائيّ، وتعلن رفضها للنموذج الغربيّ من التحرّر "التمرّديّ" للفيلسوفة الوجودية سيمون دن بوفوار، حين تنقد التجربة البطريركية للرجل الغربيّ"
وعنها يقول الباحث عمر ح الدريسي "وهي المرأة الخبيرة التي ترعرعت في عمق مدينة فاس العالمة، في أحد العوائل الكبرى، والتي مكنها محيطها من جمع ما يزخر به فسيفساء المجتمعي المغربي، حيث تتصادف حياتها مع كل أطياف ومكونات المجتمع، ولا غرو أن تكتشف مبكرا، أهمية القراءة وتطلع على التراث الإسلامي والمروث العلمي العربي وتخلص إلى أن الكتابة مُتعة، آلية حياة وبقاء، كما تقول هي نفسها، والكِتَابة حسب فاطمة المرنيسي “مسألة متعة”، لذلك فهي ممنوعة منذ قرون على المقهورين والمغلوبين والضعفاء والفقراء والنساء والفلاحين..
فلا غرو أن تعلن فاطمة المرنيسي تكريس حياتها للكتابة حيث تقول: “الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان. البيان أقوى من السيف واللغة هي سلاحي. كل هذا تعلمته في الكتاب. ليس بمحض الصدفة أني قد صرت كاتبة"… !! رحلت المرنيسي عن عالمنا تاركة مخزونا علميا ضخما يسلط الضوء على ظلم المرأة ثقافيا وتاريخيا... ووضعت لنا بالمنهج العلمي أسس وآليات النضال من داخل عمق المجتمع المسلم، فرحمة الله عليك يا من عشت للتفكير عنا فتمثلت الأنا لكل نساء العالم العربي ، وكانت انطلاقتك من عمقنا التراثي لتصممي مسارك النضالي من داخل المعاناة ...
الدكتورة تربة بنت عمار - أستاذة بجامعة نواكشوط