في الذكري 55 لعيد الإستقلال علينا أن نفرح ونعيش اللحظة بمظاهرها الاحتفالية والوجدانية تماما مثل أي شعب، فالمناسبة في غاية الأهمية وهي فرصة نادرة لتنمية الروح الوطنية الهشة جدا وغرسها في الأجيال المتصاعدة، لكن علينا في الوقت ذاته أن لا نغالط تلك الأجيال بمعلومات غير صحيحة ، فالتاريخ لا يرحم وقد تستفيق هذه الأجيال في لحظة ما علي عكس ما رويناه لها ،العواطف الزائدة في تمجيد وقائع غير دقيقة قد يعطي نتائج عكسية .
علينا أن نستحضر بصدق من نحن قبل وصول المستعمر لبلادنا ؟
في الواقع كنا مجتمعا بدويا حتى النخاع نعيش ظروفا حياتية في غاية الصعوبة يأكل القوي منا الضعيف، لم نشهد استقرارا حضاريا ولم تحكمنا سلطة مركزية ، ظل الترحال و الصراع القبلي السمتان الأبرز في حياتنا إلي أن وصلنا المستعمر والمستعمر بغيض مهما يكن لا يخدم أحدا ، لقد وطأت قدماه أرضنا لا لسواد عيوننا وإنما لحاجة في نفسه، ولم نستقبله بالورود بل واجهناه بمقاومة شرسة وشجاعة ، لكنها في الواقع لم تكن منظمة ولا تحمل أهدافا محددة في حالة ما إذا انتصرت علي العدو ، ماهي الخطوة الموالية بعد إخراج المستعمر ؟ هل ستعود بنا هذه المقاومة بعد انتصارها إلي عصور السيبة والفوضى العارمة التي كانت سائدة ؟ ما هو المشروع المجتمعي لمقاومتنا ما بعد انتصارها ؟ هل توجد راية وطنية لتجسيد الدولة والمجتمع ؟ أم أنها حساسية البدوي من سيطرة الأخر فقط ؟
تساؤلات واردة ولم تخلد في أذهان قادة المقاومة حينها ، الدولة وبناء المجتمع مفاهيم ظلت خارج تصوراتهم ، وبالتالي المقاومة العسكرية لا تحمل مشروعا حضاريا للأسف وقد تكون اقرب إلي مفهوم الجهاد ضد النصارى ورفض ثقافتهم الوافدة التي اصطلح لاحقا علي تسميتها بالمقاطعة الثقافية وان كانت تلك المقاومة الثقافية غير مقنعة من الناحية الواقعية ؟ يتجلي ذالك أكثر إبان تأسيس الدولة: غياب الكادر البشري والوعي الاجتماعي ، لتتحمل القلة المتعلمة تلك الأعباء مما يثبت جدوائية دخولها للمدارس الفرنسية ، وأخيرا انخراط أبناء رواد المقاطعة الثقافية في المدارس الفرنسية بعد اكتشاف فوائدها ، كل ذالك يثبت سلبية المقاطعة الثقافية.
الغريب والمحير التجاهل المتعمد للمقاومة السياسية وهي المقاومة الفعلية الأبرز في تجسيد وبناء الدولة وهذا جزء كبير من مغالطة التاريخ و الأجيال نعيشها اليوم ، نتحدث ثناءا وبلا ملل عن المقاومة الثقافية غير المفهومة ومعارك المقاومة العسكرية التي توقفت أكثر من 30 سنة قبل الاستقلال و مع ذالك طردت هذه المقاومة المستعمر كما نكرر دائما في وسائل إعلامنا، هذه مغالطة أيض. تجاهل المقاومة السياسية ليس بريئا ، والغاية منه المس من رموز الإستقلال وتضحياتهم وعلي رأسهم الأب المؤسس المختار ولد داداه و الوقاحة متنامية ومتزايدة في نكران الجهود الرائعة لتضحيات ذالك الجيل العصامي الذي نعيش ثمرة كفاحه وتحمله لمصاعب التأسيس نحن أمة ألفت الطاعة والوفاء لمن يحتقرها والتنكر والخيانة لمن يحترمها ويضحي لأجلها ، لقد كافأنا المختار بالتهميش والنسيان في حياته و رميناه بالعمالة في مماته ، هكذا يكافئ شعبنا العظيم رمزه المؤسس.
وتأخذ المغالطة مظهرا جديدا في الجدل المثار أخيرا حول تسمية مطار أنواكشوط الجديد بأم التونسى و لو كان المختار حيا اليوم بيننا لأطلق تلك التسمية علي المطار فوطنيته وتضحيته لأمته تقتضي منه ذالك ، أما وقد رحل عنا غير مكرم فعلينا أن نحتفظ له ببعض الجميل ونطالب بإطلاق اسمه علي المطار أسوة بالدول الإفريقية التي أطلقت تسمية رؤسائها علي مطاراتها ، ومؤسس موريتانيا من ألمع الزعماء الأفارقة لكنه الأقل تكريما في شعبه. الرئيس المختار أحق بهذا اللقب ، معركة أم التونسي لم تعطينا استقلالا ولا دولة ، المختار و رفاقه هم من جسد حلم الدولة الذي نعيش ذكرياته اليوم علينا أن لا نستحي من ذكر ذالك ، إهانة ما مثلها اهانة أن تنفرد مسنة فرنسية بهذا وكأنها أقرب للمختار وكأننا نحن غرباء علي المؤسس إذا كانت هذه زوجه فنحن وطنه و أحفاده ونقر بجميله.
علي قيادتنا مراجعة ذالك القرار أسوة بقرار الرئيس أعل ولد محمد فال الذي أمر بتخليد عيد القوات المسلحة بتاريخه الصحيح 25 نوفمبر بدلا من 10 يوليو الذي استحدثته القوة الإنقلابية سنة 1978 كذكري جديدة تخلد سنويا للقوات المسلحة ، وكأن القوات المسلحة ولدت شجاعتها ووطنيتها يوم أدار قادة الإنقلاب ظهورهم لعدونا للإطاحة بالنظام الذي أسسها من لا شيء ، ليقدموا وعلي طبق من ذهب سيادتنا و تضحيات ومكاسب جنودنا في المعركة لجبهة البوليساريو أو المغرب ، أصبحت هذه الذكري الحزينة عيدا وطنيا لقواتنا المسلحة ، والحقيقة أن القوات المسلحة دشنت بهذا الحدث عهدا جديدا من المحسوبية والفساد والصراع المستمر وإلي غاية اليوم علي جمع المال والثروة.
شكرا للرئيس أعل ولد محمد فال الذي راجع تلك المغالطة وأمر بتخليد ذكري تأسيس الجيش في ذكراه الحقيقية ولو لم يفعل ذالك لفعلت الأجيال لأنها كانت ستتساءل في لحظة ما عن الذكري الحقيقية لتأسيس الجيش، التاريخ لا يسامح .
علي الرئيس ولد عبد العزيز أن يحذو حذوه، مراجعة تسمية المطار ضرورية جدا فرمز الأمة أحق بالتسمية، معركة أم التونسي لم تعطي إستقلالا وتفاصيلها مأساوية إذ أن الضحايا من الطرفين موريتانيون.