مدينة انواذيبو.. مدينة البحر والمناخ اللطيف.. مدينة الاقتصاد.. ومصدر أرزاق الكثير من الموريتانيين...
تأسست هذه المدينة - التي ستصبح فيما بعد عاصمة اقتصادية لموريتانيا - على يد بعض الصيادين العرب (أهل الغزال من قبيلة الگرع)، حيث كانوا يعتمدون على صيد الأسماك عبر شِباك منسوجة من وبر الإبل، ويتبادلون البضائع مع جيرانهم من الإسبان الكناريين..
استمرت الحياة بهؤلاء هادئة رتيبة.. البحر بحرهم والأرض أرضهم.. إلى أن بسطت فرنسا الاستعمارية نفوذها على البلاد، وحينها أصدر الحاكم العام لمستعمرات غرب إفريقيا سنة 1906 مرسوما يقضي بإنشاء ميناء في دخلة انواذيبو؛ لاستقبال بواخر المستعمر وصناعاته، وكذا رجاله من أجل تأمين هذه الحلقة من الاستعمار.
بعد استقلال موريتانيا أصبحت داخلة انواذيبو ولاية، لتبدأ مرحلة جديدة من التطور مع إنشاء شركة "ميفيرما"، حيث أصبحت المدينة معبرا وحيدا لخامات الحديد المستقدمَة من ازويرات (650 كلم أقصى الشمال)، وتحسنت الظروف الاجتماعية لسكانها الأصليين والوافدين على حد السواء، لولا أنها ظلت في بعض الأحيان رهينة للمواقف السياسية لسكانها الذين يُتَّهمون تارة بالانتماء للكادحين، وتارة أخرى بالتعاطف مع البوليساريو، الأمر الذي وتر علاقاتهم بالمخزن، وجعل منها علاقة مشوبة بالحذر آنذاك.
في مطلع ثمانينيات القرن الأخير؛ تطورت المدينة وشهدت ازدهارا كبيرا للصناعات والأنشطة المتعلقة بالصيد، وَأَمَّهَا عشرات الآلاف من المواطنين الباحثين عن أرزاق البحر وعن ذهبه الأبيض (السمك)، وفتحت أذرعها للمستثمرين الوطنيين والأجانب، الذين أقاموا فيها عشرات الشركات والمصارف والفنادق، وتطورت الأنشطةُ غيرُ المصنفة جاعلة من انواذيبو مصدر رزق لغالبية المواطنين، بل وللكثير من الأفارقة؛ الذين قصدوها بدورهم للتحصيل أو لسلوك سُبُلِهَا السهلة المؤدية إلى إسبانيا عبر المحيط الأطلسي..
وعلى شاكلة المدن الجديدة؛ تطورت أنشطة السكان وممارساتهم، وأصبحوا يواكبون العالم الخارجي عبر ما تجلبه الطرق البرية والبحرية إليهم من ثقافة الآخر، واكتسبت المدينة بفضل هذا التلاقح فِرَقًا رياضية لامعة (اسنيم، إيمراغن...) في كرة القدم، و(يويا وعبد الجليل...) في التنس، وبها أقام الأستاذ الملحن الفنان سيمالي ولد همد فال، كما أنجبت المايسترو سيدينا ولد العالم، والمطرب الشاب الشيخ ولد الأبيض, وكان بالمدينة ثلاثُ دور للسينما (لو فار, ماستون, زمزم) تبث أحدث الأفلام العالمية...
تستقبل انواذيبو اليوم الوطنَ برئيسه ووزرائه وأطره ورياضييه وفنانيه وقواته المسلحة والكثير من خيرة رجاله ونسائه شبابه وكهوله، في ذكرى الاستقلال الخامسة والخمسين، وتجدد التحية للوطن بكافة أرجائه مرددة: انواذيبو.. اعليك امبارك الاستقلال..
لـ"مراسلون": باباه ولد عابدين
الصور من صفحة المدون عبد الباقي ولد العربي