منذ أسابيع والمجتمع الموريتاني يتتبع بلهفة كل شاردة وواردة تكتب عن الشاب النابه أحمد ولد عبد العزيز المفرج عنه أخيرا من سجن اغوانتانامو، لكن "مراسلون" اطلعت على وثائق تتعلق به؛ أفرجت عنها وزارة الدفاع الأميركية مؤخرا.. فمن هو أحمد ولد عبد العزيز كما تقدمه هذه الوثائق؟
بدأت عذابات أسرة ولد عبد العزيز يوم 28 أكتوبر 2002 عند ما أُبْلِغَتْ من طرف صديق؛ أن ابنها اعتقل من طرف الجيش الأمريكي، وأنه يقبع حاليا في سجن اغوانتانامو بتهمة المشاركة في أعمال "إرهابية" ضد أمريكا.
استجوب الرجل مرارا، وفي كل مرة كان ينفي التهم المنسوبة إليه ويعتبرها إفكا، تمت فبركته للمساس بكرامته، منذ اعتقاله من طرف الأمن الباكستاني في "باغرام"، قبل أن تتسلمه أعتى قوة في العالم.
بعد مواجهات عنيفة مع الجيش الباكستاني؛ تقهقرت خلايا "القاعدة"، وأثناء تعقبها "للمجاهدين" أوقفت الأجهزة الاستخباراتية الباكستانية ولد عبد العزيز وزوجته في بيت مهجور في مدينة كراتشي، إثر اكتشافها أجهزة إلكترونية متناثرة في البيت، لتسلمه مباشرة - بعد تحقيق مقتضب - إلى القوات الأمريكية في قاعدة باغرام، ومن هنا بدأت أماسي الحزن تزور بيت أسرة ولد عبد العزيز المسالمة..
كانت لولد عبد العزيز أيام دراسته في المعهد الإسلامي بمدينة "قندهار" - حسب السلطات الأمريكية - علاقة وطيدة بمحفوظ ولد الوالد "مفتي القاعدة"، ربما تربو على علاقة مُوَاطِنَيْنِ مُغْتَرِبَيْنِ ينتميان لنفس الدولة، وفي المعهد أيضا نسج "الطالب المثابر" علاقات متنوعة مع أبرز عناصر المنظمة "المتطرفة"، من أمثال مواطنه: النعمان ولد بلاهي (أبو عبيدة الموريتاني)، والمصري محمد عاطف (أبو حفص المصري)، المتهمين بالاعتداء على القاعدة الأمريكية..
وتضيف تقارير البنتاغون أن لولد عبد العزيز علاقات عميقة إلى حد ما بزعيم القاعدة "الراحل" أسامة بن لادن، حيث دعاه الأخير لحضور حفل زفاف أحد أبنائه، وهو ما قد يساعد في معرفة ولد عبد العزيز لبعض أسرار المنظمة وطبيعة عملها..
في أول أيامه بباكستان (1999) ارتبط العضو السابق في تنظيم الجهاد الإسلامي (منظمة كانت تقاتل الحكومة الليبية) بالمجاهدين الأفغان، وبايع أسامة بن لادن في نفس العام على الجهاد ضد قوى "الكفر"، بعد ما أفلت من قبضة حكومة بلاده، التي كانت تتعاون مع السلطات الليبية لتطويق الحركة الجهادية في المغرب العربي، وحسب التقرير فإن شقيقة ولد عبد العزيز "لاله" هي من أخبرته أن السلطات الأمنية تخطط للقبض عليه، ونصحته بمغادرة البلاد.
التقرير الذي جاء في 14 صفحة يذكر أن السجين ولد عبد العزيز امتنع منذ 2005 عن التعاطي مع المحققين ورفض الإجابة على أسئلتهم، لكنه قبل ذلك تعاون بشكل جيد مع المحققين وأفادهم بمعلومات مهمة، وحين عرضوا عليه في إحدى جلسات التحقيق فيديو لبعض قادة القاعدة؛ تعرف على أبرز الشخصيات الموجودة فيه، ومنها: أبو حفص الموريتاني، عمر ولد الحسن، سيف العدل...
ويُشعل التقرير فضولَ القارئ عندما يسمي موريتانيين غير معروفين لوسائل الإعلام؛ يقول إن ولد عبد العزيز كان على علاقة بهم، ومنهم محمد ولد المختار، وهو حسب التقرير أحد سبعة يبحث عنهم الأمن الموريتاني في تلك الآونة، قبل أن يعود ويذكر أنه الأخ غير الشقيق لمحفوظ ولد الوالد (أبي حفص الموريتاني).
وحسب التقرير دائما فقد كان لولد المختار - وكنيته أبو جعفر الموريتاني - دور لا يقل عن دور أخيه الذي يعرف بمفتي القاعدة، حيث يرى أنه شغل منصب مدير المعهد الإسلامي بقندهار، وفي تلك الفترة مهد الطريق لـ"موريتانيي القاعدة".
ويبدو أنه كان للسفارة الأميركية دور في متابعة ولد عبد العزيز والإبلاغ عنه، حيث كتبت إلى الجهات المعنية أنها تأكدت من شراكة ولد عبد العزيز مع ولد الوالد، وأن الأخير هو من استقدمه لتدريس العربية في المعهد الإسلامي سنة 1999، وأضافت رسالة السفارة أن ولد الوالد نفسه هو من اكتتب قريبه ولد صلاحي لصالح القاعدة.
لم يُغفل التقرير التعريج على المسار الدراسي والمهني لولد عبد العزيز، حيث ذكر أنه زاول تعليمه الثانوي ما بين 1988 و1992 في موريتانيا، والتحق بعد حصوله على الباكلوريا بجامعة انواكشوط، التي درس فيها الاقتصاد والأدب لمدة سنتين، قبل أن يتفرغ لإدارة ممتلكات أسرته، ومن ثَمَّ تحول إلى بائع قطع غيار السيارات المستعملة، المستقدم من أوروبا (آريفاج).
وفي الأخير يوصي التقرير الموقع في 27 فبراير 2008 من طرف قائد البحرية الأميركية الأميرال مارك هـ. بوزبي بمواصلة سجن أحمد ولد عبد العزيز.
من نواكشوط إلى قندهار، مرورا باسطنبول وإسلام آباد؛ أبعدت الأقدار أحمد ولد عبد العزيز عن ذويه، وأبدلته عن مهنته كبائع سيارات في العاصمة الموريتانية بزنزانة في سجن اغوانتانامو لمدة 13 سنة، بعيدا عن أطار (آدرار) حيث رأى النور في 24 فبراير 1970.
لـ"مراسلون": باباه ولد عابدين