رسائل من تركيا/ سَحُورٌ سياسي.. وغَزَلٌ بطعم الموت! (3)

اثنين, 2014-08-25 14:12

ما مِنْ شَكٍّ في أن "الإفطارات السياسية" التي دأبت الحكومات والأحزاب السياسية والسفارات الأجنبية على تنظيمها في رمضان؛ ترمي إلى الاستفادة من الصفاء الروحي والتقوى والشعور بالمحبة والأخوة التي يبثها الصوم في نفوس أهله..

يستغل هؤلاء تلك المشاعرَ النبيلةَ؛ فيبثون خطابا حُلْوًا يكسبون به مزيدا من الأنصار، أو يُرَوِّجُونَ به لفكرة ما، أو يشرحون عبره وجهةَ نظرٍ معينة..

ولا ضَيْرَ في ذلك - لَعَمْرِي - فمن مَظَانِّ قبولِ القول وعدمِ رَدِّهِ على أهله؛ أن يُتَخَيَّرَ له المقامُ المناسب..

 ***

في الثاني عشر من يوليو الماضي؛ نظم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا سَحُورًا سياسيا، تحدث فيه وزير الداخلية "أفكان علاء" Efkan Ala. وفي اليوم الموالي كان ذلك الحديث هو الْعُنْوَانُ الرئيس في الصحف، وكان موضوعُه أبرزَ المواضيع التي تحدث عنها كُتَّابُ الأعمدة الصحفية في تركيا، وتَرَدَّدَ صداه قويا في أرجاء العالم الإسلامي!

على هامش السَّحور تحدث الوزير عن إنجازات حزبه، لكنه شَدَّدَ على ضرورة التواضع إزاءَها، وعدمِ التباهي بها؛ لأن الله تعالى «هو من فعلها على أيدينا»، وأردف قائلا - كما جاء في صحيفة "زمان عربي" -: «نحن لا ننسب فخر رفعنا الحظر عن الحجاب إلى أنفسنا، بل نقول إن الله فعل ذلك. ولا نقول إننا نحن من أدخل القرآن الكريم إلى كل مكان - بما في ذلك المدارس العسكرية - وإنما نقول إن الله هو من فعل؛ وقد اخْتَبَرَنَا فقط ليرى أعمالنا».

إلى هنا كان حديث الرجل طَيِّبًا لا غبار عليه، لكنه أفسده برعونته وحمقه؛ حين ساق مثالا من السيرة النبوية أراد به توضيح فكرته، فزعم - في جهل غليظ - أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أُصيب بالغرور عند فتح مكة - التي أُخْرِجَ منها قبل سنين - حين رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فعاتبه القرآن بقوله: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)!

وإليكم ما قاله بالحرف الواحد: «عندما فَتَحَ نَبِيُّنَا مَكَّةَ ودخلها؛ قد يكون خالجه شعورٌ أنه في يوم من الأيام خرج منها، لكنه عاد إليها وفتحها، فبدأ الناسُ بدخول الإسلام أفواجا أفواجا. من المحتمل أن الرسول نسب لنفسه بعض الفضل في ذلك فأصابه الغرور.. انظروا هذه هي الحضارة التي جئنا منها، وهذه هي العقيدة التي نمثلها.. من الطبيعي أن يشعر الإنسان بقليل من الفخر والغرور، فهو في النهاية بشر، إلا أن التحذير سرعان ما أتى للرسول: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)».

لم يقف غباءُ الوزير عند هذا الحد، بل زاد إلى جهلِه الثَّخِينِ خطيئةً أخرى، وهي عدمُ اعتذارِه عن رعونةٍ وجهلٍ منقطعي النظيرِ.. وهو ما أَوْغَرَ عليه - في الأيام التالية - أقلامَ أبرزِ الكتاب الصحفيين. ولا ريب أنهم مُحِقُّونَ في ذلك؛  فَإِنْ كان الإنسانُ مُعَرَّضًا للخطأ، فهو غيرُ معذورٍ في عدم التوبة والاعتذار عنه.

في خِضَمِّ هذا الجدل؛ تابعت - بإعجاب كبير - دور "الخصم النبيل" الذي لعبه بعض الكتاب الصحفيين في هذه القضية..

"مصطفى أونال" خَصْمٌ لدود لحكومة "العدالة والتنمية"، كان من "المنتظَر" أن يستغل "زلة اللسان" هذه، ويَسْتَعْدِيَ الْعَوَامَّ على الوزير الثرثار، لكنه لزم جانب العدل والقسط، وكتب قائلا: «بالطبع لا يمكن أن يكون قد نطق بهذه الإساءة لرسولنا الكريم عمدًا، لا يوجد لدي شك في ذلك.. الأشخاص الذين يتكلمون كثيرًا يمكن أن يخطئوا، وأن تصدر عنهم كلمات وأشياء لا يقصدون قولها.. ونحن نعتبر ذلك من قبيل زلّات اللسان... ولا أحد معصوم من الخطأ، وكل ابن آدم خطّاء» ثم أردف يقول: «كنت في انتظار أن يُطِلَّ علينا مرة أخرى ليقول إن الأمر فُهم خطأ، وأنه ما كان يقصد ذلك».

قلت في نفسي: ليت بعض صحفيينا كان كهذا الرجل!

***

المكانةُ القيادية التي يحتلها وزير الداخلية "أفكان علاء" في "حزب إسلامي"، وجهلُه - مع ذلك - بالعصمة الواجبة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ذَكَّرَتْنِي بالمآخذ التي أخذها أستاذي وشيخي الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله على الحركة الإسلامية في كتابه الشهير "الأخطاء الستة للحركة الإسلامية في المغرب"، ومنها جهلُ كثير من القياديين الإسلاميين بما هو معلوم من الدين بالضرورة، ناهيك عن أحكام السهو وفروع العبادات الأخرى!

مثلُ تلك المآخذ - وأخواتٍ لها - كانت هي سبب تأليفه - رحمة الله عليه - لكتابه المذكور، وكتابه الآخر "البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي".

في نفسي شيءٌ من "إسلامية" - وليس إسلام - حزب "العدالة والتنمية"، لكنها لا تطمئن أيضا إلى مقالة من يقول بعلمانيته.. وأرجو أن تكون - من بين ما يُقْبِلُ من هذه الرسائل - رسالة تناقش هذا الموضوع بعمق؛ يتجاوز "عاطفيةَ" الغالين و"تحاملَ" الْمُغْرِضِين..

***

"يونس يلماز" شاب تركي في بداية العقد الثالث من عمره، ذو ديانة متينة، وسلوك مستقيم، وإقبال على الشأن.. تَعَلَّمَ العربية في وقت وجيز، وتخرج نهاية العام الدراسي الحالي من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وكان موضوع رسالة تخرجه عن الأستاذ فتح الله گولن وجماعة الخدمة..

يقرأ يونس القرآن بصوت شَجِيٍّ، لا تَشِينُهُ عُجْمَة.. تبعث قراءتُه الخشوعَ في النفس، وتَسْتَدِرُّ دمعَ  العين.. رأيت مرة دموع الشيخ محمد الحسن ولد الددو تسيل على خديه؛ حين سمعه يقرأ مفتتحا أحد الاحتفالات المخلدة لذكرى المولد النبوي..

أكثرُ النشاطات التي يقيمها الأتراك يستفتحونها - بعد القرآن الكريم - بنشيدهم الوطني، ورغم أن كلمات هذا النشيد لا تحمل أَيَّ معانٍ دينية؛ فقد لفت انتباهي - غير مرة - أن الشاب يونس يقف مرددا كلماته، وهو مغمض العينين، في إجلال وخشوع!  

كلماتُ نشيدِنا الوطني تحوي أسمى المعاني الدينية التي لا يختلف عليها مُسْلِمَان، ومع ذلك تجد أكثرَنا لا يحفظه، فضلاً عن أن يبعث في نفسه مشاعر الإجلال والتوقير للوطن.. 

استطاعت حركة "الخدمة" خلال تجربتها التعليمية - التي تناهز ثلاثين سنة - أن تتجاوز إشكالية "المدرسة الدينية والمدرسة المدنية"، واستطاعت بذلك أن تَصِلَ ما انقطع من عُرًى بين القلب والعقل، والروح والمادة في النظام التربوي التركي منذ الانقلاب الكمالي..

وقد نقلت الحركةُ تجربتَها الفريدة إلى أكثر من مائة وستين دولة، عبر ما يزيد على ألفي مدرسة، ومئات المعاهد المتخصصة، وعشرات الجامعات..

لكن الأعجبَ من ذلك كله؛ أنها تسعى إلى الأخذ بأيدي طلابها إلى مقامات الإحسان، من خلال إدراج مادة "التربية الروحية" أو "التصوف" - سَمِّهِ ما شئتَ - في مناهجها الدراسية، وهي - لَعَمْرِي - مَرَاتِعُ لم ينتجعها أحد منذ عصور، ومَرَابِعُ لم تَطَأْهَا قدمٌ منذ دهور.. كيف؟ والتصوفُ في زمننا - كما يقال - "طارت به في الجو عَنْقَا مُغْرِب":

إِذْ أَصْبَحَتْ أَبْوَابُهُ الْمَشْهُورَهْ**بَعْدَ رَحِيلِ أَهْلِهَا مَهْجُورَهْ

لاَ يَعْتَنِي بِطَرْقِهَا غَيْرُ حَفِي**يَرُصُّهَا فَوْقَ رُفُوفِ مُتْحَفِ

لكن تلك قصة أخرى..

***

للأتراك عادة طريفة "يحتال" بها الضيف على مضيفه؛ ليعرف هل بقي شيء من ألوان الطعام لم يتم تقديمه بعدُ، حيث يرفع صوتَه قائلا: «لا إله إلا الله».. فإذا أجابه المضيف: «محمد رسول الله»، كان ذلك إيذانا بأن في "الجعبة" شيئا فيمكث، وإذا كان جواب المضيف: «وحده لا شريك له»، علم أن المأدبةَ انتهت فيستأذن منصرفا..

وقد قرأت مؤخرا "تدوينة" لسعادة السفير "محمد فال ولد بلال"؛ تفيد أن هذه العادةَ كانت موجودة عندنا أيضا، فلعلها وُجِدَتْ في مناطقَ بعينها دون المناطق الأخرى.

استدعانا أحد الإخوة الأتراك مرة، وجاء لاصطحابنا في سيارته رفقةَ زميلٍ له، وأثناء الطريق تثاءبتُ فقلت بشكل تلقائي: «لا إله إلا الله».. فأسرعا يجيبان بصوت واحد: «محمد رسول الله».. وكانت نبرتهما الضاحكة تقول بلسان حالها: وهل بدأنا أصلا ؟!

حدثني صديقي العزيز الأستاذ والباحث المغربي محمد البويسفي؛ عن عادة قريبة من هذا عندهم، فذكر أن الضيف إذا استوفى إكرامَه مختومًا بالشاي دعا بالدعاء المعروف: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة».. فإذا سها المضيف عن الشاي فلم يقدمه، قال الضيف: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة إلا جبريل!».. فينتبه المضيفُ إلى تقصيره ويتداركه.

***

فصل الصيف هو موسم الأعراس في تركيا، وقَلَّ أن تمر ليلة دون أن تسمع ضجيجَ الأفراح وضوضاءَها..

يُعقد الْقِرَانُ في الجامع بعد صلاة الجمعة مباشرة، وتستمر الأفراح ثلاثة أيام، ومن أبرز مظاهرها التي شهدتُها بنفسي رقصة "الدبكة التركية" التي تقام في شبه دائرة.. يمسك الرجال والنساء بأيدي بعضهم، وتبدأ الرقصة هادئةً ثم لا تزال تشتد حتى تبلغَ غايتَها.. وقد لفت نظري وجود المحجبات في دائرة الرقص هذه، وأغلبُ الظن أنهن لا يتحرجن من ذلك بسبب اقتصار المشاركين على أفراد العائلتين.

تذكرتُ الوطنَ الحبيب حين وجدت أن من طقوس الأعراس الغريبة عندهم؛ أن قريبات العروس يحاولن جاهدات ضرب العريس وإيذاءه، وفي نفس الوقت يسارع لِدَاتُهُ إلى حمايته والذود عنه!

وقد علمتُ أن هذه العادةَ آخذةٌ في الاضمحلال، فلم يعد أهل المدن يأخذون بها إلا نادرا، بينما يحافظ عليها أهل القرى.

هل صحيح أن بين التحضر والعنف علاقة طردية؟ أصحيحٌ أنه كلما تحضر الإنسان قَلَّ ميله إلى العنف، وكلما ابتعد عن الحضارة مال إلى العنف أكثر؟! لم أصدق أبدا تلك المقولة، على الأقل فيما يتعلق بالعالم الغربي..

أذكر أن "ديل كارنيجي" روى في أحد كتبه أن قبائل "الإسكيمو" البدائية يُغرقون في الضحك إذا سقط أحدهم عن جواده وانكسرت ساقه، وهو منظر يتوجع له الغربي الذي يجد سَلْوَاهُ وبهجتَه - مثلا - في رجل يطارد قبعتَه التي انتزعتها الريح فجأة!

كنا - ونحن صغار - نجد متعةً كبيرة إذا غمسنا رَأْسَ أَحَدِنَا في الطعام الساخن وبدأ يصرخ من شدة الألم، أو إذا دَفَنَّا رأسه في الرمل وابتعدنا ضاحكين، أو ألصقنا عودَ الثقاب المشتعل برجله وهو نائم!

عندما أقص هذا على الأجيال الحالية أرى الذعر يرتسم على وجوههم الصغيرة، وأرى أفواههم تَنْفَغِرُ دهشةً وحيرة.. فأتضاحك قائلا: لقد تحضرتم كثيرا!  

وقد شهدتُ - وأنا صغير - أعراسا رُمِيَ فيها العريس بالأواني المعدنية، وتحمل ضربات السِّياط في صَبْرٍ وَجَلَد.. ثم اختفى كل ذلك فجأة!.. هل التحضر هو السبب في ذلك؟

قُتل بسلاح "الحضارة الجديدة" في الحرب العالمية الثانية ما يزيد على عشرين مليونا، وهو رقم يتجاوز ما قتل في جميع الحروب التي شهدها العالم عبر تاريخه الطويل.

وفي أيامنا هذه يراقب "العالم المتحضر" - في برودة أعصاب مُحَيِّرَة - اعتداءات اليهود على غزة، ويرى ضحاياها من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فلا يحرك ساكنا..

***

استوقفني مشهدٌ ذكرته الأميرة عائشة أوغلو بنت السلطان عبد الحميد الثاني - آخر سلطان عثماني قوي - في مذكراتها الممتعة "والدي السلطان عبد الحميد"..

ذكرت الأميرة في معرض حديثها عن عادات الأعراس في القصور السلطانية العثمانية؛ أن من تقاليد السراي  Saray(القصر السلطاني) أن تُصِرَّ العروس على عدم الذهاب مع العريس مدةً حتى يُلِحَّ عليها، وقصت في هذا السياق قصة عرس أختها "نعيمة": «وصل العريسُ أمام أريكة تشبه كرسي العرش، كانت تجلس عليها أختي، ورجاها أن تنهض، وظل على ذلك ما يزيد على نصف ساعة ولم تنهض، وكان الناس ينتظرون وقوفا على أقدامهم، والعريس يتصبب عرقا (...) وفي النهاية أخبروا الأميرة الوالدة، فذهبت وصاحت عليها وهي عند الباب: "ابنتي، كفى.. انهضي لأجل خاطري، ولا تُغضبي عريسنا" فنهضت الأميرة، وارتفعت الأصوات من الأسفل: "ما شاء الله" وعزفت الموسيقى السلامَ الحميدي».

يشبه هذا التَّمَنُّعُ تَمَنُّعَ عرائسنا في المجتمع البيضاني، وكنت - ولا أزال - أجد أن لدينا ظواهر اجتماعية تتعلق بالمرأة جديرة بالتأمل والدراسة..

قبل ستة قرون زار الرحالة المغربي ابن بطوطة مدينة "ولاته"، ولاحظ - مندهشا - أن نساءَنا سافرات (= لا يغطين وجوههن) في حِقْبَةٍ لا توجد فيها امرأة في عموم العالم الإسلامي لا تغطي وجهها..

ثم لاحظ - في استهجان كبير - أن النساء عندنا لا يجدن حرجا في الاختلاط بالرجال، ولا يدركهن الخجل في حضرتهم، وقد أنكر ابن بطوطة هذا الأمر على أحد فضلاء المدينة، فأجابه بجواب لا نزال نسمع مثله إلى الآن، لم تغيره سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ مضت عليه: «مُصَاحَبَةُ النساء للرجال عندنا على خير وحسن طريقة، لا تهمة فيها.. ولَسْنَ كنساء بلادكم!».

قال ابن بطوطة: «فعجبتُ من رعونته وانصرفت عنه، فلم أَعُدْ إليه بعدها، واستدعاني مراتٍ فلم أجبه!».

وقبل مائتي سنة لاحظ عالم جليل قادم من أقصى الشرق الموريتاني نفسَ الملاحظة، فاستفسر شيخه - وهو عميد أسرة علمية عريقة في الجنوب الغربي من موريتانيا - عن ذلك فأجابه الأخير بجوابه الشهير: «إن الأجانب (= من لا محرمية بينهم) عندنا كقرون البقر؛ تتجاور ولا تتلامس!».

وقبل ستين سنة فقط اعتبرتْ امرأة - تنتمي إلى أسرة عريقة - أنها حصلت على الطلاق حين وَدَّعَهَا زوجها الطيب قائلا: "وَدَّعْتِكْ لْمُولاَنَ" ثم خرج في سفر طويل، رجع منه ليتفاجأ بأن زوجَه خرجت قبل مدة من عِدَّةِ الطلاق المزعوم، وأن لا سبيل إلى استرجاعها إلا بعَقْدٍ جديد.. ليس هذا فقط، بل وبخه والده قائلا: في قابل الأيام؛ عليك أن تودعها للشيطان إذا أردت السفر!

سفورُ المرأة عندنا، وعدمُ تَحَرُّجِهَا من الاختلاط بالرجل، وحساسيتُها المفرطةُ تجاه كرامتها؛ ظواهر اجتماعية مثيرة، تحتاج إلى تفسير أنتروبولوجي..

ما هي الروافد التي خلقت هذا الوضع الاجتماعي الفريد الذي تتميز به المرأة البيضانية؟ هل هي العادات البربرية الموغلة في القدم؟ أم هو الرافد الأندلسي (معروف أن السفور وعدم التحرج من مخالطة الرجال؛ شاع بين الأندلسيات قديما، وفي "المعيار" للونشريسي فتاوى يُسْتَشَفُّ منها ذلك)، أم جميع ذلك؟..

قبل أيام قليلة وَقَعْتُ على عبارة يخاطب بها عريسٌ تركي عروسَه وهي:

Seni sevdikten sonra kıldım bütün kızların cenaze namazını

وتعني: «بعد أن أحببتكِ أقمتُ صلاة الجنازة على جميع النساء».

ضحكتُ وأنا أتخيل ردة الفعل حين تسمع إحدى عرائسِنا مثلَ هذا "الغزل" من عريسها!