الشيخ ولد التار
ظل الأدب الحساني في الحقب التاريخية المنقضية ملتزما ، محافظا على العادات والتقاليد الوطنية التي تطابق الشريعة الإسلامية السمحة وتخضع لها ، إذ طوَّع الأدباءُ وأخضعوا غزلهم لمعايير عدّة تهتم بهذه التقاليد ، و لم يكن بإمكان الشاعر أو لمغنّ أن يتحدى أو يخلّ بتلك العادات، لما يترتب على ذلك تُجاهه ، ومع كل ذلك لم ينقص ذلك من قيمة أدبهم بل أوصله إلى أعلى مراتب الإبداع وارتقى بذلك ليمثلهم أحسن تمثيل ، كما ظل خالدا ليكتب أسماء أصحابه بأحرف من ذهب
والنماذج شاهدة على ذلك ولاتكاد تحصى :
يامـس تــدليتْ أكتابْ @@ أعزيزه ذيك أعذابْ
اتركَّـــب خرب أفبابْ @@ خيمتهـــــمْ تــرْكابُ
هو حالـــتْ تــركـابْ @@ لخْـــــراب أعلَ بابُ
ليجسد هذا الأديب في ست تيفلواتن أجمل صورة وأعذبها في بت أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه بت الخبرة ، فمن لا يمتلك الخبرة التامة والحنكة الأدبية لا يمكنه أن يأتي بطلعة أو كاف في هذا البت، إلا ما كان من دردشات صبيانية أشاهدها يوميا على هذا العالم الافتراضي ، تنال غالبا من أصحابها أكثر مما تسيء لغيرهم ، لما تحمله من تصريح وانتهاك للحرمات .
ولكي لا يفهم البعض ما أقصده بكلمة التصريح ، فقد يذكر الشاعر أو لمغن اسم المغزَّل أو المتغزل عليه إلا أنه يحتاج حينها لحنكة وتمرس يخرجانه من مغبة تجاوز حدوده في الحرية "حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين "
وهذا نموذج :
فَـــــــاطمــةُ نبغـيــكْ @@ تلكــــاها توْ أمجيكْ
كوللْـها عــــنّ فيـــكْ @@ بلّغــــتْ أسلامِ هاكْ
أعس أصَّ من تلهيكْ@@ عنشِ مرسول أمعاكْ
نعرفــــها هــــيَّ ذيـكْ @@ اعيَــات اتواسِ ذاكْ
=====================
وقد لا يصل لمغني إلى مرحلة التصريح بالاسم ، فيستخدم مثلا ما ينوب عن ذلك وهذا في رأيي أحسن كقول أحدهم :
ميعـاد أكــريب عادْ @@ ألِّ منها فـــوجادْ
خلِّ عنّــك لمــــرادْ @@ يالـــدلاَّل أجيـــهَا
أتوك أسو ماهُ جادْ @@ ذاك أعليك أعليهَا
لا جاتك فالميـــعادْ @@ ذيك أنــــت تبغيهَا
ويـلَ ما جاتـكْ زادْ @@ أعيـــاتْ اتواسيهَا
الأدب في رأيي أكبر من أن نَنْزِلَ به لنُنْزِل أو نُهين أنفسنا ونَحُطَّ من قيمتنا وقيمة أدبنا ، فالأخلاق أكبرُ وأهمُ من كل ما نقرضه
أو نتذوقه ، وإذاكان الشاعر يقصد بذلك إرضاء شخص ، فقد خسر نفسه وخسر آخرين .
قد يتساءل البعض كيف خسر نفسه ؟؟ معتبرا أن هذا جزء من حرية الشاعر .
لهم أقول : هنا يكمن الفرق بين الأديب والشاعر ليس كل شاعر في رأيي أديب .
وهذا ما جعلني أعتب دائما على البعض وصفهم لبعض الشعراء بالأدباء ، بل حتى تقديمهم لهذا الوصف "الأديب " كهدية
لمن لاعلاقة لهم بالشعر لا من قريب ولا من بعيد .