أحمد سالم ولد باب - لـ"مراسلون"
حين تسأل شخصا مستقيم السلوك، ذَا اطِّلاع متوسط على فقه المعاملات عن معنى "شبيكو" التي جَرَّم القانون الجديد طرفيها أمسِ؛ فأغلب الظن أنه لن يعرف معناها..
لكن لو أخبرتَه أن الجاهليين كانوا يعبرون عنها بـ"أَنْظِرْنِي وَأَزِدْكَ" أو "حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُكَ"؛ لَأَخْبَرَكَ بأنها من أصول الربا التي اتفق الفقهاء على حرمتها، وآذن اللهُ ورسولُه أصحابَها بالحرب..
وصورة هذه العملية أن الجاهليَّ كان إذا داين شخصاً لِأَجَلٍ وَحَلَّ موعدُ الأداء؛ قال لِمَدِينِهِ: أَدِّ الدَّينَ أو أَرْبِ.. ومعنى ذلك: إما أن تعطي الدين أو تُؤَخِّرَه بالزيادة المتعارفة بيننا..
أما اليوم فصورتها تتلخص في أن المرابي – ويسميه العامة المُشَبِّك – يُقْرِضُ شخصا آخر مبلغا ماليا مقابل شيك مصرفي بقيمةٍ تزيد على قيمة الدين الأصلي لِأَجَلٍ معين، فإذا حل الأجلُ وعجز عن أداء دينه – كما يحدث غالبا – عرض عليه أن يسترجع شيكَه ويعطي بدلَه شيكا آخر بقيمة أكبر وأَجَلٍ جديد، وإلا سجنه بتهمة إعطاء "شيك بلا رصيد".
وقد تتكرر "الزيادة والإنظار" حتى يشبع جشعُ المرابي، فلا يكون أمام المدين المسكين – أمام التهديد بالسجن – سوى بيع كل ما يملك، ثم اللجوء إلى أسرته وقبيلته في مجتمع لم يزل التكافل الاجتماعي عادته وديدنه.
ومن هذا التبادل المتكرر للشيكات – الشبيه بالتشابك – جاءت تسمية "شبيكو" التي صارت عَلَمًا على هذه العملية: الدائن يأخذ شيكا جديدا والمدين يسترجع آخر قديما..
ويبدو أن مِدَادًا كثيرا سَالَ وشكوى مريرةً طالت؛ قبل أن يضع القانون الجديد حدا لهذه العملية المرعبة.. فقد ناشدت منظمات حقوقية السلطاتِ العملَ على تفعيل القانون الخاص بالمعاملات المصرفية للحد من هذه الظاهرة، التي يدخل بسببها سنويا عشرات الموريتانيين السجنَ..
وتحدث المدون والكاتب عبد الرحمن ولد ودادي عن حالات لم تكتف بإفقار ضحاياها وحدهم، بل أفقرت أسرهم وقبائلهم بعد ذلك.. وكتب ولد ودادي قائلا: "أعرف شخصيا حالتين دفعت في أولاهما أسرةُ وقبيلةُ الضحية ما قارب السبعمائة مليون أوقية في مبلغ لا يتجاوز في أصله العشرة ملايين.
أما الحالة الثانية فدفع أقرباء الضحية سبعين مليون مقابل دين لم يتجاوز في أصله الثلاثة ملايين..
وفي الحالتين باعت أُسَرٌ كل ما يملك أفرادها: متقاعدون باعوا منازلهم، أسر بأكملها عرضت كل ما تملك مقابل دفع الديون.. حتى أن جدة أحد الضحايا باعت منزلها الوحيد و بقيت بلا مأوى في سن الرابعة والثمانين".
هكذا يتضح أن القانون الجديد جَرَّمَ "شبيكو" لنفس الأسباب التي يذكرها الفقهاء عِلَّةً لتحريم الربا، وقد لخصها الجزيري صاحب "الفقه على المذاهب الأربعة" في إرهاق المضطرين، واستغلال حاجة المحتاجين، وحصر الأموال في فئة المرابين، والقضاء على عوامل الرفق والرحمة بالإنسان، ونزع التعاون والتناصر بين البشر..
ويرى بعض المراقبين أن القانون الجديد – بتجريمه لطرفي عملية شبيكو" – تقدم على قوانين أخرى اكتفت بإلغاء عقوبة الإكراه البدني في حق دافعي "الشيك بدون رصيد"، كما هو المعمول به في فرنسا والسنغال.. وفضلا عن ذلك فإنه جَرَّمَ ضمنيا الربا بين الأفراد..
وكانت قضية عقوبة الإكراه البدني في حق ضحايا "شبيكو"؛ أثارت جدلاً حقوقياً واسعاً في البلاد، حيث يرى المطالبون بإلغائها أن فكرة الإكراه البدني - حتى باعتباره وسيلة ضغط على المدين للوفاء بما عليه - تخالف المبادئ المدنية الحديثة؛ لأن المدين يلتزم في ماله لا في شخصه، وجزاءُ الالتزام تعويضٌ لا عقوبة..