مراسلون - خاص
رغم أن وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية ليست من وزارات الخِدْمات العامة التي تكثر شكوى المواطنين منها، إلا أنها أسالت مِدَادًا جَمًّا وانتصب رَجُلُهَا كثيرا أمام عدسات المصورين.
الخبر الجيد أنه لم يُعْرَفْ - حتى الآن - عن هذا الوزير النابه فسادٌ ولا انحرافٌ في تسيير المال العام، إذا ما استثنينا ما أُشيع أيام سرقة الـ 300 ألف دولار من غرفة نومه..
تَمَسُّكُ الرئيس عزيز بولد التاه وزيرا فترة تربو على سبع سنوات؛ يجد ما يُسَوِّغُهُ حين نلقي نظرة سريعة على سيرته الذاتية، وخبرته المهنية، وعلاقاته الواسعة بالمؤسسات المالية العربية.
لم يعد سِرًّا أن ولد التاه جلب لموريتانيا أموالا كثيرة: هبات وقروضا.. مُسْتَثْمِرًا علاقاتِه الواسعة التي بناها مع مسؤولي المؤسسات المالية العربية إبان فترة عمله الطويلة لديها.. ونظرةٌ سريعة على مصادر تمويل أهم المشاريع التي أنجزت في عهد الرئيس عزيز تثبت ذلك.
وفي تقرير نشرته جون أفريك Jeune Afrique في نسختها الإلكترونية بتاريخ 28/11/2013؛ اعترفت المجلة ذائعة الصيت بأنه حقق نجاحاتٍ معتبرةً في خَفْضِ التضخم ورَفْعِ نسبة النمو.
بدأ الرجل حياته المهنية إطارا في البنك الموريتاني للتنمية والتجارة، ثم عمل بميناء انواكشوط المستقل الذي كان من أوائل أطره إبان افتتاحه وإدارته من طرف أحمد ولد الزين رحمه الله.. و قد مكث فيه ما يربو على خمسة أعوام، تخللها سفر للتحصيل العلمي في فرنسا..
وبعد مكوثه بالميناء لسنوات أخرى؛ وَلَّى وجهَهُ ناحية الشرق العربي مُحَلِّلاً ماليا لدى الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي بالخرطوم (1996 - 1999)، قبل أن يلتحق بالعمل بمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، مكلفا بتشجيع الاستثمار (1999 - 2006).
وفي ديسمبر 2006 تم تعيينه مكلفا بمهمة برئاسة الجمهورية، ثم مستشارا اقتصاديا للوزير الأول مكلفا بالبنية التحتية والتجهيز في أكتوبر 2007، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى وقت تعيينه وزيرا للاقتصاد والمالية في 15/07/2008 في عهد الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله.
وعقب انقلاب 06/08/2008 بفترة وجيزة تم تثبيته وزيرا للاقتصاد والمالية (31 أغسطس 2008)، وهو المنصب الذي غادره أمس متجها إلى إدارة المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا.
يقول المقربون من ولد التاه إن نجاحاتِه المهنية توازيها نجاحاتٌ سياسية، تَجَلَّتْ في هزيمته للحزب الحاكم في المذرذرة حين وقف خلف ابن خاله عبد الوهاب ولد حامد ولد ببها.
وَيُصِرُّ هؤلاء على أنه كان مهندسَ المكاسب التي حققها الحزب الحاكم في انواكشوط، خلال الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة، وأنه صاحب الفضل الأول فيها.
وحسب أولئك دائما فقد ساعده في مهمته الصعبة تلك؛ ذكاءٌ حاد وفطنةٌ مدهشة وقدرة خارقة على سبر أغوار مجالسيه، إضافة إلى جَلَدِه العجيب على السهر ومتابعة العمل.
على المستوى الشخصي يقول العارفون بالوزير إن الوجه الجاد والوقور الماثل على الشاشات؛ يخفي وراءه شخصية أريحية مرحة، تحب الفكاهة والمزاح.
كان ولد التاه سيخرج من الحكومة الموريتانية دون أن تُخْدَشَ شخصيتُه الديمانية بشيء من تلك التصرفات التي ترفضها تقاليد "تشمشه" الصارمة، لولا خبر نشرته بعض وسائل الإعلام؛ يتعلق باعتراضِه على تعيين أحمد ولد يعقوب ولد الشيخ سيديا مديرا لبنك الإيداع العربي، واقتراحِه تعيينَ ابن خاله عبد الوهاب ولد حامد بدلاً منه.
أو تلك الإغفاءة التي أخذها أثناء مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، وتناقلتها المواقع المصرية.. حيث ربما أنهكته عصا الترحال الطويل بين المطارات الدولية في العالم..
وقد تداول نشطاء الشبكات الاجتماعية تلك الصورة المحرجة له وهو يغط في نوم ليس "ديمانيا"..
لقد خَلَبَ سيدي ولد التاه عقلَ الرئيس عزيز فتمسك به كما لم يتمسك بوزير، وأشاد به في المؤتمرات الصحفية كما لم يُشِدْ بأحد.. وها هو الآن يرقيه من وزير إلى مسؤول إقليمي.. فهل هي بركة "السر"؟
وعلى كل حال، فليس من المستغرب أن يكون سيدي ولد بَبَّ ولد التاه ولد أحمد العاقل مستقيمَ السلوك متدينا على المستوى الشخصي، غير أن ما لا يعلمه الكثيرون أن والدَه العالم الصالح بَبَّ ولد التاه يحرص على أن يصلي خلفه، بل ويتحرى ذلك خاصة في ليالي الجمعة.
ترى هل سينشد الواقفون بربوع وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية يومًا بيت جد الوزير؛ العلامة "بَبَّهَا" في داليته المشهورة:
تَحَلَّتْ بِمَيٍّ بُرْهَةً ثُمُّ عُطِّلَتْ ** فَمَا ثَمَّ مِنْ مَيٍّ وَمَا ثَمَّ مِنْ دَعْدِ
من يدري؟.. إنها أسرة السر.