كيف كان يصوم أسلافنا رمضان ويقيمونه:الأسودان: الماء و التمر / عبد القادر ولد احمدناه

اثنين, 2014-06-30 16:04

  في ظروف صعبة، ومناخ شديد القساوة في الأودية (ازْرَايِبْ) كما تسمى محليا، المحيطة بمدينة أطار، استطاع الأجداد أن يقهروا الطبيعة، ويسخِّروها: فحفروا الآبار وشقوا القنوات، وغرسوا النخيل الباسقات، وزرعوا وتركوه في سنبله إلا قليلا مما يأكلون، بنوا المساكن، وأقاموا حياة وعيشا كريما، محققين اكتفاء ذاتيا، ومستقلين وأغنياء عن الجميع، متكلين في ذلك، على الله أولا، وعلى جهودهم الذاتية، فأقاموا أركان الدين من صلاة وصوم وزكاة وحج وجهاد في سبيل الله على أرضه وضد أعداءه. عبر هذه الإطلالة أو الخاطرة، نرجو أن نفيد الجميع، ونكون قد نفضنا الركام عن جزء مطمور من حياة سلفنا الصالح، وإن كانت بضاعتنا مجزاة في هذا الصدد، إلا أننا نتمثل قول القائل:             هذا وإني لم أكن جذيله          لكن تطفلا على سخيله. يتولى الرجال الأعمال الزراعية بدءا بحفر العيون، أو(التيريس) كما يسمى هناك، في المناطق الصخرية الوعرة، وأحيانا يتم بناؤها بالحجارة، وعادة ما يكون ذلك جماعيا (التويزة)، كما يقوم الرجل ببناء أحواض الصرف من الحجارة والطين، وغرس النخيل، وبناء قنوات الري (الوديان) من الحجارة تارة ومن التراب أحيانا أخرى ومراقبة المسالك المائية والحُفَر المحيطة بالنخلة (آجمامير). ويستخدم الرجال وسيلة تقليدية أصبحت في طريقها للإنقراض وهي أرجوحة  مصنوعة من نصف جذع نخلة توضع أثقال في طرفه بينما يشد الدلو في طرفه الذي يلي العين أو البئر، مما يسهل جذب الماء، وتسمى هذه الآلة بـ:(أشيلال). ويتم تخصيب التربة الزراعية عبر التسميد العضوي (الخدْمَهْ) المتمثل في فضلات الحيوانات الداجنة (تُمْزَهْ) أو بعض القوارض الأخرى مثل (بول اكْلَيْلْوَاتْ) الذي يحتاج للبحث عنه في الشعاب الجبلية. كما يقوم الرجال أيضا ببناء المساكن المتمثلة في أعرشة على شكل نصف دائرة وتسمى(التيكاتن) وأخرى مربعة الشكل تدعى(لمحامل) يتخذ منها سكان هذه الأودية مساكن لهم، وهي مصنوعة، بالكامل، من مواد محلية: الجريد، الصبط، وأغصان وجذوع النخيل والأشجار الموجودة بجوار هذه الحدائق عادة. كما يصنع الرجال حواجز من الجريد (آمْلاَلَهْ، اصْمَاصِمْ) للتحديق، ورسم الحدود الجغرافية لكل حديقة (ازريبه) بينما يتم بيع جذوع النخيل(إِزِقْرَانْ) ، بعد نشرها وتجفيفها، في أطار، أو (لكصر)، كما اعتاد سكان الأودية على تسميته، وذلك لاستخدامه في تسقيف مساكنهم الحجرية أو الطينية.ولا يفوتنا هنا أن نسجل الغياب الكلي، تقريبا، للخيمة كأهم مسكن متنقل في باقي البلاد، وذلك نظرا لطبيعة التقري التي تمثلها الأودية والحياة الزراعية القارة، وانعدام التنمية الحيوانية المكثفة، على غرار المناطق الرعوية في باقي البلاد؛ فحتى عبارة "لخيام" التي تعني في المصطلح الشعبي: المدينة أو القرية أو المضارب، غائبة تماما في قاموس هذا المنكب من البلد، بل هناك مصطلحي: (لكصر)، المرادف للمدينة، والوديان: الذي يعني الريف، ولا ثالث للاثنين. يتم قطف الرطب، في بداية فصل الصيف من طرف الجميع: رجالا ونساء وأطفالا، بل كل من يمر بنخلة فله أن يقطف منها ويأكل دون أن يطلب إذنا لذلك، وفي شهر (آب) أغسطس، أو(أغشت) كما يسمونه، تبدأ حملة عامة لحصاد التمور، يتولى فيها الرجال فقط الحصاد، بينما تتولى النساء بصورة جماعية (التويزه) تصنيف تلك التمور ومعالجتها قبل تخزينها في المخزن (إِيْوِيْليِ) الخاص بها، يتم تجفيف ومعالجة وتخزين جميع أنواع التمور: (انْفَاظَهْ) (لِمْفَصَّصْ) (تَاجَهْ) (الْعِكَّهْ) وبيع أو مقايضة الفائض منها لتلبية الاحتياجات الأخرى الضرورية. كما يقمن بحصد الحناء من أشجارها وتجفيفها وطحنها، و(أزران) وتجفيفه كمادة أولية لصناعة "حصائر أزران" المعروفة، ويقمن كذلك بمعالجة جريد النخيل ليصنعن منه مادة أولية لحصائر(اجريد) بينما يتولى الأطفال جني وجمع النبق و "آز" و السنا "أفلجيط" وغيره من المحاصيل الأهلية. الحبوب، هي الأخرى، ينطبق عليها ما ينطبق على النخيل، حيث المرأة معنية فقط، بما بعد الحصاد، وأهم هذه المحاصيل هي: الشعير، القمح، الزرع، البطيخ الأبيض (فِنْدِ).​أما بالنسبة للثروة الحيوانية (تُمْزَهْ) المتواضعة فيتولى الرجال شراء المواشي، خاصة الماعز والضأن، وذبحها وسلخها وتقطيعها، ليبدأ بعد ذلك دور المرأة التي تتولى تجفيف وادخار لحومها (التيشطار، مقفو)، بينما تتم صناعة القرب وحافظات اللبن (المِدْفَافَهْ)، وحاويات التمور (الشنه) المنزوعة النواة و(الزي) (لِمْفَصَّصْ) وأوعية لحفظ الدهن(آگرطْ) كما تتم معالجة ودبغ وتلوين هذه الجلود من طرف النساء بهدف استخدامها في صناعة حصائر من الجريد (احصاير اجريد) وأخرى من (أُمْ رِكْبَهْ). بينما يتولى الصناع التقليديون (لمعلمين) معالجة ودبغ وتلوين هذه الجلود لصناعة بعض الأوعية الأخرى لحفظ السكر والشاي (أشكفل) والأمتعة والوسائد الجلدية (الصرامة). تتولى النساء حلب الماشية والاعتناء بها، حيث يصنعن (الزَّرِيگَ) من لبنها وهو عبارة عن إضافة بعض الماء إلى اللبن الرائب، ومن زبدتها يصنعن الدهن، ويقمن بتجفيف فائض لبنها الرائب، ويسمى (الگارِصْ) ليستخدم لاحقا كشراب بعد نقعه في الماء، كما يستعمل كدواء لعسر البول. النساء، أيضا، مسؤولات عن كل الأعمال المنزلية، بدءا طحن الحبوب يدويا عبر (الرحى) التقليدية المعروفة، مرورا بالطبخ وإعداد بعض الأطباق التقليدية والمنتجة محليا، مثل: عيش فندي، عيش الشعير: (بِلِقْمَانْ)، الكسكس: يصنع من دقيق القمح، الحساء (النْشَ): يصنع من دقيق الزرع عادة. ناهيك عن تربية الأطفال وتدريسهم التهجية وقصار السور القرآنية، وقد يساعدهن تلامذتهن في ذلك أيضا، بدق وتكسير ونقع نواة التمر، التي تستخدم كعلف لتسمين الحيوانات في فترات انعدام المراعي والأعلاف. إن جدية وعملية المرأة الآدرارية، عامة، هو ما جعل منتجاتها مضرب المثل فيا الجودة: "دهن آدرار" "حنت آدرارا" "تمر آدرار" ... إلخ. يبدأ البرنامج اليومي للرجال، إبان هذا الشهر المبارك، بعد صلاة الفجر، فيقوم الرجال بتدريس أبنائهم، ثم يذهبون للحقول صحبة هؤلاء الأطفال ليتلوا عليهم ما حفظوا، في الوقت الذي يقوم فيه الآباء بجذب الماء لملأ أحواض الصرف، قبل الإشراف على صرفها لسقي النخيل، وري القمح والشعير والزرع، بعد ذلك يتولى الأبناء رعي الماشية بعيدا عن الواحات خشية الإضرار بها، كما يقوم هؤلاء الرجال باستصلاح الأرض وتعميق الآبار، وحث النخيل (الصكيطه) وتأبيره (التجنكير). وفي الزوال تكون هناك استراحة وغفوة، قد تكون تحت النخيل صيفا، حيث يكون الجو أقل حرارة منه في غيره. وبعد صلاة الظهر تبدأ الدراسة والتدريس للكبار والصغار من أفراد الأسرة أو الأسر المجاورة وحتى الموالي والتلاميذ وغيرهم. ويختلف هذا النشاط باختلاف طبيعة الرجل، فمن الرجال من يتفرغ للتدريس فقط، لأن هناك من التلاميذ من يتولى عنه شؤون الحديقة والماشية، وحتى شراء الاحتياجات من المدينة التي يحمل إليها فائض الإنتاج لبيعه أو مقايضته باحتياجات أخرى مثل: السكر والشاي والأواني والحيوانات وحتى التبغ (اشتوكه). أما البرنامج الليلي لشهر رمضان فهو قيامه بعد تناول مائدة الإفطار التي قد لا تكون سوى: ماء وتمر (الأسودان)، أو بعض الحساء (النش) أو في أحسن الأحوال: عيش من دقيق الشعير(بلقمان)، والعشاء قد يكون ثريدا (كسكس) بالسمن. أما السحور، فحدث ولا حرج، فغالبا ما يكون عبارة عن حفنة من تمر أصفر (تكدرت) في الغالب الأعم، أو نظيراتها من التمور الصفراء مثل: أجب، سكاني، أدقد، تامشكررت، تجب ... بعد أن يتم نقع هذا التمر في الماء حتى وقت السحور حيث يصبح لينا وماؤه حلو المذاق، فيكون مأكلا ومشربا. فأين ساكنة الأودية الآن من كل هذا ؟ فالمـأكل مستورد، والمشرب مستورد، والمسكن مستورد، ووسائل الإنتاج مستوردة، والمنتج متواضع، وبالكاد يغطي تكاليف إنتاجه !!! إنها قطعا ضريبة التخلي عن الموروث الديني، والنكوص عن السنن الإلهية، فهلا عدنا لنعود كما كنا ؟!

يقلم عبد القادر ولد احمدناه