مقاطعة تواصلستان.. ومقاطعة فسادستان!/حسن ولد إحريمو

ثلاثاء, 2014-06-24 19:24

بمناسبة الحديث في التدوينة السابقة عن المقاطعة الثالثة، وضرورة إنشاء مقاطعات جديدة، ما هو رأيكم في حل للأزمة السياسية المزمنة في موريتانيا، أن ننشئ مقاطَعة جديدة لأهل المعارضة «المقاطِعة»! نذهب إلى أرض بور في المجابات الكبرى أو نختط منطقة غير مأهولة ونسلمها لقادة أحزاب المقاطعة، الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ولا يرضون عن الواقع الذي تكشفت عنه الانتخابات ويرفضون النزول عند رأي الشعب، ونترك لهم أن يبنوا في تلك المنطقة «المدينة الفاضلة» أو «الجمهورية» الديمقراطية التي يحلمون بها، دون أن ينازعهم أحد في ملكها. ولتكن تلك المقاطعة الجديدة ذات حكم ذاتي، ووضع إداري خاص، بحيث لا يسري عليها من شؤون وقوانين جمهورية موريتانيا الشقيقة سوى العلم والنشيد الوطني والتمثيل الخارجي. وهنالك مدن كثيرة في العالم ذات وضع سياسي خاص، مثل إمارة موناكو، ودولة الفاتيكان، ودولة ليخنشتاين، ومدينة سيفاستوبول ذات الوضع الخاص في شبه جزيرة القرم (قبل ضم روسيا لها).. وهنالك مزرعة في الولايات المتحدة فيها بيوت قليلة أعلن صاحبها الاستقلال منذ زمن بعيد ويتصرف على اعتبار أنها دولة مستقلة ذات سيادة، وتتعامل معه الحكومة الأميركية بسعة صدر عجيبة، وينشر عنه الإعلام الأميركي من باب التندر والطرافة ويصف ضيعته بأنها «أصغر دولة في العالم».وليكن عدد سكان هذه المقاطعة الموريتانية الجديدة ذات الوضع الخاص، وطبعاً ذات الاحتياجات الخاصة 4040 نسمة لا غير، كما نص على ذلك أفلاطون في «جمهوريته»، وذلك نظراً لما لهذا الرقم من خصائص حسابية عجيبة، كان صاحب «الجمهورية» يستمد الاقتناع بمفعولها السيبراني السحراني من نزعته الأورفية الفيثاغورية التي تخلط بين التصوف والنزعة الديونيزوسية وسر الحرف. وهذا العدد مثالي فعلاً لأنه سيسمح لجميع قادة أحزاب المعارضة، والسواد الأعظم من نشطاء هذه الأحزاب الأكثر تحمساً -وتلحْمُساً- أن يجدوا لهم مكاناً في مدينة الأحلام تلك. ولأن الأراضي واسعة وشاسعة جداً ولا تنتطح في «نيمروات» المجابة عنزان (على عكس نيمروات تفرغ زينة)، يمكن لأصحاب السعادة المناضلين أن يختط كل منهم لنفسه مملكة صغيرة من عدة كيلومترات، يقيم فيها فلته وموقف سيارته ومزرعته ومكاناً يأوي إليه خدمه وحشمه وهتِّيفته وحملة صوره، مع تخصيص ركن لشعارات ولافتات الحزب، ومتحف صغير لصور سعادته أثناء التظاهرات الأخيرة الخطيرة!ومن المتوقع طبعاً أن تتنازع أحزاب المقاطعة على زعامة مقاطعة الأحلام هذه، ولكن قد يكون من الحق والإنصاف أن يتولى حزب تواصل زعامتها، لأنه هو الأكثر تنظيماً وحيوية في تسيير المدن والمشاريع الحضرية. وفي هذه الحالة يكون اسم المقاطعة قد حل سلفاً، حيث يمكن تسميتها مثلاً مقاطعة «تواصلستان» الإسلامية، ويكون الشارع الرئيسي فيها هو شارع حسن البنا، ويتفرع عنه شارع سيد قطب، وشارع حسن عبدالله الترابي (الترابي لأنه شارع رملي غير معبَّد كشوارع مقاطعة عرفات). وبهذه الطريقة يخلو للإخوة الجو فيبيض من يريد أن يبيض، ويصفر من يريد أن يصفر، وتطلع المدن الخضراء من بطون الكتب الصفراء.ويمكن أيضاً أن يتولى زعامة مقاطعة الأحلام المنشودة الإخوة مناضلو اليسار الموريتاني، فتسمى «غولاغ المجابة»، أو مقاطعة المجابة الديمقراطية الشعبية، ويكون أهم شارع فيها هو شارع الرفيق فلاديمير إيليتش لينين، ويتفرع عنه شارع الرفيق ماو تسي تونج، وشارع الرفيق ليو تروتسكي. وفي هذه الحالة يطبق فيها نظام إنتاج فلاحي صارم ويتم استبعاد كل من لا يحفظ «البيان الشيوعي» و«رأس المال» عن ظهر قلب، ويرسل إلى معسكر سخرة خارج المقاطعة مخصص للتخلص من التحريفيين والرجعيين وغير الثوريين. ويتم توقيع اتفاقية توأمة بين مقاطعة المجابة مع مدينة بيونج يانج في كوريا الشمالية، ومدينة كراكاس في فنزويلا، ومدينة شانغهاي في الصين، وهي توأمات يمكن أن تفيد المقاطعة، لجهة تلقي مساعدات ثورية، وأيضاً لتوفير لوازم مكتبة للفقه الثوري.ويمكن أيضاً أن يتولى زعامة مقاطعة الأحلام هذه بعض قادة أحزاب «نصف كُم» ورموز الفساد -وفق التصنيف الرسمي- وفي هذه الحال تسمى «فسادستان»، بحيث يتم انتقاء إدارة عامة للمقاطعة من المفسدين المعتقين المخضرمين المشهود لهم بتخريب المشاريع العمومية، وتركها أثراً بعد عين. ومن يأكلون ميزانية كاملة في طرفة عين، دون أن يرفّ لهم جفن أو تطرف لهم عين!.. وبهذه الطريقة تكون جنة للمفسدين، وملاذاً شهيراً من الملاذات الضريبية على صعيد عالمي.. ومع مرور الوقت تتحول إلى وجهة سياحية وسياسية لكل من جربوا ومن أفسدوا فأحسنوا الفساد في العهود الماضية.. وما زالوا لا يعدمون للفساد شهية.. وللقصة بقية.

من صفحة الأستاذ حسن احريمو على الفيسبوك