يبدو أن قصة "اللص الجميل" ليست جديدة؛ فقد جاء في "ذيل الأمالي والنوادر" لأبي علي القالي أن مالك بن الريب التميمي المازني كان من أجمل العرب جمالا وأبينهم بيانا، وكان لصا فاتكا.. لقيه سعيد بن عثمان بن عفان حين ولاّه معاوية بن أبي سفيان على خراسان وهو متوجه إليها، فلما رآه سعيد أعجبه، وقال له: ويحك يا مالك، ما الذي يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العَداء وقطع الطريق؟ قال: أصلح الله الأمير، العجزُ عن مكافأة الإخوان، قال: فإن أنا أغنيتك واستصحبتك أَتُكُفُّ عمّا تفعل وتتبعني؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير، أَكُفُّ كأحسن ما كف أحد، فاستصحبه وأجرى عليه خمسمائة دينار في كل شهر، وكان معه حتى قُتل بخراسان.
قال: ومكث مالك بخراسان فمات هناك، فأنشد قصيدته المشهورة، يرثي فيها نفسه ويذكر غربته ومرضه، وقال آخرون: بل رثته الجن لِما رأت من غربته ووحدته، ووضعت الصحيفة التي فيها القصيدة تحت رأسه..
قال أبو علي القالي: والله أعلم أَيّ ذلك كان..
ومطلع تلك القصيدة:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ** بوادي الغضى أزجي القلاص النّواجيا
فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه ** وليت الغضى ماشى الركاب لياليا
إلى أن يقول:
تقول ابنتي لما رأت طولَ رحلتي ** سِفارك هذا تاركي لا أبا ليا
تذكرتُ من يبكي عليّ فلم أجد ** سوى السيف والرمح الرُّدَيْنِي باكيا
وأشقر محبوكا يَجُرُّ عنانه ** إلى الماء لم يترك له الدهرُ ساقيا
ولكن بأكناف السُّمَيْنَةِ نِسْوَةٌ ** عَزِيزٌ عليهن العشيةَ ما بيا
صَرِيعٌ على أيدي الرجال بِقَفْرَةٍ ** يُسَوُّونَ لَحْدِي حيث حُمَّ قضائيا
ولما تَرَاءَتْ عند مَرْوٍ منيتي ** وخَلَّ بها جسمي وحانت وفاتيا
أقول لأصحابي ارفعوني فإنه ** يَقَرُّ بعيني إن سُهَيْلٌ بدا ليا
خُذَانِي فَجُرَّانِي بثوبي إليكما ** فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
وكنت عَطَّافًا إذا الخيل أدبرت ** سريعا لدى الهيجا إلى من دعانيا
وآخرها:
وبالرمل منا نسوة لو شهدنني ** بكين وفدّين الطبيب المداويا
وما كان عهد الرمل عندي وأهله ** ذميما ولا ودّعت بالرمل قاليا
فمنهن أمي وابنتاي وخالتي ** وباكيةٌ أخرى تهيج البواكيا