في أعماق موريتانيا الأعماق كان مولد ونشأة وتعلم هذا الفذ،على يد والده الحبر المتبتل الشيخ المحفوظ،في بواكير تحصيله علَ من كأس مترعة برحيق عذب من فنون الرواية والدراية، وكان باديا عليه من النبوغ ما لم تستطع مدرسته الصوفية الموغلة في الزهد ونكران الذات أن تخفيه، فاق أترابه، في مسابقة القضاة حل ثاني الخمسة المتفوقين القادمين من الأعماق ربما تواضع حتى لا يكون الأول،هناك في تونس ولما سُحب حامل الرقم الأول (ب ولد إنه) ظل هذا الفذ محافظا على الترتيب هو الأول، له تجربة في الحكم وزيراً،وتجربة في التدريس لم تغيرا سلوكه ولا نهجه، غالبية من شرقوا من أهل هذا البلد بهرتهم بهرجة ما لدى فئام الحجاز ونجدٍ من محاريب وجُفن ومحابر يتفنن الكتبة بها فيزخرفون أفكاراً حتى تبدو سالبة لب غير المتمكن، فينزع ما كان عليه من رأي،وقد يتطاول على مقولات ومنقولات من علموه كيف يسود،هذا الفذ لم يتغير ولم يهجر المتون والأنظام وطرر قومه،ولم يجهر بتزكية نُظم وافهام مشايخ مُضيفه على حساب مشايخه كما فعل الجل من أبناء وطنه.
أجل سنوات التدريس الطويلة في الحجاز لم تغير سلوك ونهج الشيخ عبد الله بن بيه ظل جوهرة تزين المالكية في المحافل والمنتديات، وتاج فخر لكل موريتاني، بعد دخول الأمة الإسلامية أحلك محطات العبثية والانتحار الجماعي المؤصل بأقوال وفتاوى علماء الطوائف كان هذا الشيخ الفذ نبراس العقلاء، وحده من المشهورين تشبث بنهج الهادي الأمين الداعي إلى الوحدة والرفق والمحبة، في زمن دعاة السلام فيه مهجورون ،الغرب الواعي وحده فهم رسالة الشيخ عبد الله بن بيه، لم يعاند الرئيس أوباما عند سماع ما يدعو إليه من قيم دين المحبة والسلم لم يعاند فتلقف كلمات هذا الشيخ ووضعها في صلب خطابه مستشهدا بها مدركا أنها مما تحتاجه البشرية فعلا في هذا الظرف المعقد الغامض المآلات ،في قوم عيسى عليه الصلاة والسلام تواضعا وإجلالا لأهل العلم المتميزين على عكسنا حيث الحسد والتمذهب والطائفية والكبر ميزتنا الأبرز لا تجد فينا من ينتقد أخطأ المذهب أو الطائفة أو يزكي رواية لعالم مهما كان تميزه إذا كان من خارج الطائفة أو المذهب.
شرفني الأخ الفاضل محمدو بن عبد الله بن بيه بحضور جلسة في بيت الشيخ، كان كل الحضور من كبار علماء البلد ومفكريه، وكنت الاستثناء الوحيد بينهم، رغم العناية اللافتة التي خصني بها صاحب السعادة محمد محمود بن بيه،اكتشفت في تلك الجلسة الفرق الشاسع بين هذا الفاضل وكل الفضلاء الحاضرين، كانت مداخلته كلها تشخيص لواقع أمة تحتضر، كان الشيخ حمداً متعه الله بمفور الصحة الأذكى حيث تولى طرح الأسئلة، وكانت مداخلة الشيخ عثمان استعراضية بامتياز يكاد منطوقها يقول من هم؟ تطايرت شظايا استعراضه لتصل حسن الترابي “المتطفل على فن الأصول”،والشيخ محمد الحافظ النحوي شغل وضع مسلمي إفريقيا جنوب الصحراء حيزا من كلمته المقتضبة، كانت جلسة اكتشفت من خلالها كيف يفكر الأجلاء في واقع الأمة واكتشفت الحضور القوي للمذهبية والشعور بالتميز والتفوق ، وشعرت بحزن عميق لأن هذا الشيخ المتميز لا يوجد بيننا من سيصغي لفكره النير، ومن لا يعتبر نفسه نداً له. ما ذا يضرنا إن أدخلنا فكره في مناهجنا التعليمة.
لندخل منهج التعايش السلمي الذي يدعوا له هذا العلم رافع العلم الوطني في محافل العلم الدولية في محاظرنا، إننا نحتاجه كثيراً بعد أن اشرأبت أعناق الفتن البينية، واستنسخ البعض منا أفكار التدمير وروج لها، وانتشرت في صفوفنا ثقافة الاصطفاف المذهبي البغيض، وافتعال الطائفية بمضامينها الكارثية، نحتاج نهج بن بيه كثيراً فالنيران مشتعلة على أطراف بلادنا وقد اصطلينا بها مرات ومرات، وفي أئمتنا ووعاظنا وخطباء جمعنا دعاة فتن وتكفيريين، ومنفرين من المخالف، وفي فكر هذا الشيخ ما لو اعتمدناه لخففنا كثيراً من الاحتقان المهيأ عادة للمحن ودخول الأنفاق المظلمة الموصدة