رأي رئيس المجلس الدستوري السابق "ديدي ولد بونعامة" بخصوص الأخذ بالمادة 38

سبت, 2017-04-22 12:53
ديدي ولد بونعامة ـ أولد رئيس للمجلس الدستوري

ألقيت هذه الكلمة خلال ندوة للرابطة الموريتانية لدولة القانون و قد قال في نهايتها :  " أيها الجمع الموقر نقرأ من كل حيثيات هذا التأسيس ونستنتج من إيحاءاته إعمالا لكل دلالات النص في فضاء القاعدة الدستورية الموسعة أن رئيس الجمهورية في نطاق سلطته التقديرية وبأمانته المفترضة له الحق أن يستفتي الشعب مباشرة في أي وقت حول تعديل الدستور بغير وسيلة الوسائل العادية، وأن له الحق كذلك أن يستفتي الشعب في تعديل الدستور، وأن له الحق من باب أولى في تعديل الدستور بطريقه الأصلي العادي في جميع الأوقات طبقا لمقتضيات أحكام المادتين (38 – و 100) بدلالة النص بعبارته، وطبقا لأحكام المادة (101) بدلالة النص باقتضائه بإحالتها إلى المادة (38) دون أي قيد سابق ودون أي شرط لاحق، وبالإحالة يمتنع التخصيص فلا تجتمع في نص واحد الإحالة والتخصيص.

وهذا ما نفهمه ولا مصاغ عندنا قانونا لغيره استنادا إلى الأسباب الداعمة المشار إليها في ثنايا العرض، مع كامل التقدير لكل تأسيس أو رأي يرى غير ما نراه."

الكلمة كاملة

 

بسم الله الرحمن و صلاة و السلام على رسول الله محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه {رَبِ اشَرَح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي}

صدق لله العظيم.

وبلغ رسوله الكريم ونحن على ما قال ربنا وخالقنا ورازقنا ومولانا من الشاهدين.

أيها الجمع الموقر، قضاة، وفقهاء، ودكاترة، وأساتذة، يسعدني أن أتوجه إليكم بخالص التحية وصادق التقدير، أولا يشرفني أن أترأس أول نشاط لهذه الرابطة الناشئة الرابطة الموريتانية لدولة القانون.

فانطلاقا من واقع عقيدتنا الراسخة بضرورة المساهمة بأي شكل إيجابي في إثراء مكتبنا القانونية الناهضة لما نراه فهما صحيحا للنصوص القانونية، نصا لا تأويلا أولا، أو تأويلا إن اقتضاه النص بإحدى دلالاته ثانيا، ليتجلى النص في أصدق معانيه أمام طرفيه: دولته ومجتمعه، لتخضع الدولة لنص صحيح بسمو وشمولية متطلباته من وضعه، فتستحق  بذلك وصفها بدولة القانون، وتكتسي من ثم الشرعية الدستورية في بعض معانيها باعتبارها خضوعها، والخضوع لها، وليخضع المجتمع لنص صحيح بكامل مرعياته محصن عن أن تعبث به شطحات التأويل الجانحة، فيتأهل بذلك للخضوع للمشروعية القانونية في بعض معانيها باعتبارها خضوعه للقانون، فيتمتع بكامل امتيازاته، على ما يراه بعض فقهاء القانون الدستوري.

لذلك أيها الجمع الموقر، نقدم هذا التأسيس بكامل حيثياته دون دخول في أي جدال أو دخول في أي سجال فيه، ودون تأثير بأي طيف يستفيد منه، أو طيف لا يستفيد منه، غير مستظلين بأي ظلال خارج ظلال الأمانة العلمية البريئة.

وإنما نقدمه من باب الأمانة المطلوبة في التناول العلمي دون أي هدف آني حقيقي ودون أي هدف مستقبلي متخيل، حرصا منا على تسليط الإضاءة حول النص القانوني، وبالإضاءة ينكشف الضباب، وبانكشاف الضباب تحسن الرؤية ويزيل اللبس.

أيها الجمع الموقر نتناول هذا التأسيس بهذه الإضاءة حول بعض النصوص القانونية في الفضاء الموسع للقاعدة الدستورية، ولتدرج النصوص – كما تعلمون – نتطرق اليوم إلى ارفعها واسماها وهو الدستور من حيث التعريف ومن حيث النوع ومن حيث التعديل.

ومن حيث التعريف فلفظ "الدستور" لفظ فارسي في الأصل، وكان قبل استخدامه يطلق عليه النظام الأساسي أو القانون العام، ويتولد عن استخدام هذا اللفظ معنيان مختلفان. أحدهما: مادي أو موضوعي، ويقصد به مجموع القواعد الأساسية في الدولة التي تحدد شكل الدولة ونوع الحكومة، والمعنى الثاني: شكلي أو رسمي ويقصد به تلك الوثيقة المتضمنة القواعد القانونية الأساسية في الدولة، والتي يتم وضعها وتعديلها أسمى وأكثر ثباتا من القوانين العادية.

وقد ينطبقان بحيث تنطوي الوثيقة الدستورية على القواعد القانونية الأساسية في الدولة.

ومن حيث النوع قد يكون الدستور غير مكتوب، وإن يكون كذلك يكون مرنا وهو الذي يخضع تعدليه لنفس الإجراءات التي يجب إتباعها في تعديل القوانين العادية، فيمكن تعديل الدستور بقانون عادي، وقد يكون الدستور مكتوبا وإن يكن كذلك يكون جامدا، وأغلب الدساتير مكتوب جامد، ويتطلب تعديله جملة من الإجراءات تختلف باختلاف الدساتير.

  • فمنها ما يكون التعديل فيه من جمعية تأسيسية.
  • ومنها ما يشترط في التعديل فيه سواء عن طريق الجمعية التأسيسية أو البرلمان موافقة الشعب عليه عن طريق الاستفتاء؛
  • ومنها ما يتولى البرلمان تعديله طبقا لإجراءات خاصة؛

غير أن جمود الدستور مهما كانت الرغبة في استقراره فإنه من المسلم اليوم أن الدستور قابل للتعديل والإلغاء في أي وقت والجمود لا ينصب على التعديل في ذاته وإنما ينصب على الطريقة الإجرائية له، وهذه نتيجة حتمية لسيادة الأمة ولكون الدستور قابلا للتعديل والإلغاء يكون مستجيبا لتطور وحركة مجتمعه المضطردة.

أيها الجمع الموقر، كلما يعنينا اليوم من هذا التأسيس إنما هو التطرق بشكل خاطف وخاص وجزئي لدستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية الصادر 1991، وجوهر التطرق فيه إلى بعض مواده وقد أشرنا سلفا إلى أن تناول النص يكون عندنا بالفهم نصا، ويكون  عندنا بالفهم اقتضاء في فضاء القاعدة الدستورية الموسعة.

ذلك أن دلالة النص وهي تأدية الألفاظ من معانيه قد تكون دلالة بعبارته، أو بمفهومه أو باقتضائه، دلالة الاقتضاء كما تعلمون هي دلالة على معنى لا يستقيم النص بدونه، فهي بذلك تنبني على تصحيح النص بإضافة ما يكفل استقامة معناه،  والدستور الموريتاني جامد بالمعنى السابق، ولا يعني ذلك صموده أمام ضرورات التعديل أو الإلغاء طبقا لمقتضيات العصر ومتطلبات طرفيه: دولته، ومجتمعه.

وقد تناول المشرع وضعه بدلالة النص بعبارته في المادة 38 من الدستور وتناول تعديله بنفس الدلالة في المادة 100 من نفس الدستور. وتناول تعديله بدلالة اقتضاء النص بالإحالة من المادة 101 إلى المادة 38.

ذلك -أيها لجمع الموقر- لأن المادة -38- بصيغتها العامة تدخل تحت أحكام كل جزئيات الشأن العام إن اتصفت هذه الجزئيات بمعيار مركب من الأولويات أهمية ووطنية فقط، والتقدير فيه مؤتمن عليه حامى الدستور وهو رئيس الجمهورية طبقا لأحكام المادة 24 من الدستور فلا حرج  قانونا على رئيس الجمهورية في الاتجاه إلى الشعب لاستفتائه لوضع دستور جديد، أو إلغاء دستور قديم، ولا جناح عليه قانونا في الاتجاه إلى الشعب لتعديل الدستور.

فالمادة 38 بصيغتها هذه تجيز لرئيس الجمهورية اللجوء إلى الشعب مباشرة حول وضع دستور جديد، أو تعديل دستور قديم تعديلا تقتضيه في نظره أهميته ووطنيته طبقا لمقتضيات نص المادة بدلالة النص عبارة واقتضاء.

وتناول المشرع أيضا تعديل الدستور في المواد من 99 إلى المادة 101 من الدستور بدلالة النص بعبارته، وبدلالة النص باقتضائه بالإحالة من المادة 101 إلى المادة 38 من الدستور.

وتناول ــ كما تعلمون ــ من له حق مبادرة المراجعة وهو الرئيس والبرلمان، وقيود مناقشة المشروع المقدم  من البرلمان، وقيود المصادقة على المشروع، والأغلبية المطلوبة لاعتبار المراجعة نهائية، وإمكانية عدم تقديم مشروع المراجعة للاستفتاء إذا قرر رئيس الجمهورية عرضه على البرلمان مجتمعا في مؤتمره، وعدد الأصوات المطلوبة للمصادقة على المشروع.

وهذه المواد –أيها الجمع الموقر- تمخضت عنها الإيحاءات القانونية التالية:  

  • الإيحاء الأول: إن الأصل في التعديل يكون عن طريق الاستفتاء، وذلك أن المراحل كلها مراحل تمهيدية تحضيرية لعرض المشروع على الاستفتاء طبقا لأحكام المادة (100) التي تحدد الأغلبية البسيطة من الأصوات المعبر عنها في الاستفتاء عليه.
  • الإيحاء الثاني: إن المادة (101) من الدستور رخصة قانونية لرئيس الجمهورية في عرض مشروع التعديل على البرلمان دون العرض على الاستفتاء، والرخصة غير ملزمة، وإن استحالت ارتفع حكمها وتعين الرجوع إلى الأصل الملزم، والأصل الملزم هنا هو عرض التعديل على الاستفتاء طبقا لأحكام المادتين (38 – 100) من الدستور.
  • فرخصة رئيس الجمهورية في عرض مشروع التعديل على البرلمان استحالت لعدم حصول الأغلبية المطلوبة كما تعلمون، لذلك كان لا يصوغ قانونا إلا الاتجاه إلى الأصل الوارد في المادتين (38 –والمادة -100) والمحال بدلالة الاقتضاء من المادة (101 إلى المادة – 38) وهو لجوء رئيس الجمهورية إلى استفتاء الشعب مباشرة حول تعديل الدستور.

ويتأسس هذا الاتجاه على الاعتبار المعزز التالي:

  • إن المشرع لا يوصف عادة بالقصور أو التقصير، وإنما يضع القواعد القانونية مدركا كافة خصائصها، وكافة أبعادها ومدركا كذلك أن المختصين على الأقل يعلمون أن إرادته قد تكون ضمنية، وقد تكون مفترضة تستخلص من أجواء وظروف النص.

وتأسيسا عليه فإن المشروع الموريتاني وهو يضع دستور 1991 لم يشأ إحداث فراغ متعمد، ولم يذهل سهوا عن تغطيته، وإنما ركن في وضعه إلى إمكانية استخلاص إرادته المفترضة من دلالة اقتضاء النص، فاعتبر أن إرادته المفترضة تتضح بدلالة الاقتضاء إذا استحالت رخصة العرض على البرلمان فيتجه مباشرة إلى المادة (38) ذات الأصل وذات الفضاء المركب الموسع حول الاستفتاء مباشرة بضوابطه المقررة فليس من المستساغ عند ذوي الاختصاص أن تستحيل الرخصة ولا يرجع إلى الأصل ويتعزز هذا الإيحاء  بالاستئناس بالقياس على بعض الدساتير، فالدستور الفرنسي 1946 م كان فيه:إذا وافق أقل من  الأغلبية المطلوبة تعين عرض الدستور على الاستفتاء.

فالمشرع لا يتصور قانونا بقاءه يتفرج على الفراغ، فإما أن يعالج الفراغ بالإرادة الصريحة بدلالة النص بعبارته كما في الدستور الفرنسي، أو بالإرادة المفترضة بدلالة النص باقتضائه كما في الدستور الموريتاني.

ويتعزز هذا الاتجاه بالاستئناس ببعض السوابق الدستورية.

فقد تم استخدام المادة(11) من الدستور الفرنسي في سنة 1963م لتعديل دستور 1958م بجعل انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر، ثم في سنة 1969م تمت محاولة الرئيس ديغول تعديلا آخر بنفس الإجراء وعرض التعديل على الشعب معلنا قبل الاستفتاء أنه سيعتبر نتيجة الاستفتاء بمثابة استفتاء على شخصه، وأجاب الشعب الفرنسي بلا للتعديل، واستقال الرئيس ديغول بعد أن تلقى هذه الإجابة.

والمادة (11) هذه تسمح للحكومة مع رئيس الجمهورية أن يعرض مشروع قانون على الشعب لاستفتائه بشأنه إذا كان مشروع القانون متعلقا بالسلطات العامة.

هذا الإجراء لا يتطلب موافقة البرلمان السابقة أو للاحقة على الاستفتاء، لذلك فإن الرئيس ديغول أعتبر أن نص المادة هذه وسيلة من وسائل تعديل الدستور إلى جانب الوسائل العادية.

أيها الجمع الموقر نقرأ من كل حيثيات هذا التأسيس ونستنتج من إيحاءاته إعمالا لكل دلالات النص في فضاء القاعدة الدستورية الموسعة أن رئيس الجمهورية في نطاق سلطته التقديرية وبأمانته المفترضة له الحق أن يستفتي الشعب مباشرة في أي وقت حول تعديل الدستور بغير وسيلة الوسائل العادية، وأن له الحق كذلك أن يستفتي الشعب في تعديل الدستور، وأن له الحق من باب أولى في تعديل الدستور بطريقه الأصلي العادي في جميع الأوقات طبقا لمقتضيات أحكام المادتين (38 – و 100) بدلالة النص بعبارته، وطبقا لأحكام المادة (101) بدلالة النص باقتضائه بإحالتها إلى المادة (38) دون أي قيد سابق ودون أي شرط لاحق، وبالإحالة يمتنع التخصيص فلا تجتمع في نص واحد الإحالة والتخصيص.

وهذا ما نفهمه ولا مصاغ عندنا قانونا لغيره استنادا إلى الأسباب الداعمة المشار إليها في ثنايا العرض، مع كامل التقدير لكل تأسيس أو رأي يرى غير ما نراه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.