يغلب على اﻹنسان نسيان النعم وهي مِلء سمعه وبصره وهو يموج في لججها ويذرع فضاءها ويسيح في فسحتها ويوم أن تفقدها العين ويخفت صوتها في اﻷذن ويستوحش منها المكان.
يبدأ الكَنود يستعظم ما كان لديه من إنعام ويقدر جلائل استحقرها وآﻻء ما شكرها ونعماء ما ذكرها.
يتجلى ذلك في تعاملنا معاشر بني آدم مع النعم عموما، وعند فقد العظماء خصوصا فندرك، وﻻت حين مندم، ضخامة عظيم حجَّمناه ومهول هونَّاه وكبير صغَّرناه، جسد قيما ومُثلا رفعه رفعٌ لها والتنويه به تنويهٌ بها وذكره ذكر لها وشيوع شأنه وذيوعه إشاعة للفضائل التي كان عنوانا لها.
أقول هذا وأنا أعيش مع آخرين كثر صدمة فقد أخي وخليلي وصفيي سيدي أحمد سيدي الأمين وكأني لم أستشعر بوما عظمة هذا الرجل، وكأن بساطة الرجل وتواضعه لففن عطاءاته ببساط كثيف ودثرنها بلحاف غير شفاف! فما إن سمعت بخبر الوفاة البالغ اﻷثر والذي مكثت وقتا لم أتبين أثره عليَّ لعدم تصديقي به.
ثم بدأت ذكريات الرجل وإنجازاته تزحف على ذاكرتي فأتذكر معاهد ومحاظر تعليمية وجمعيات خيرية ومؤسسات إغاثية عرفت أياديه البيضاء، وعطاءه المدرار، وجوﻻت وصوﻻت وأسهم في غنائم البر المتنوعة ؛ فبدأت الجروح تنكأ والدموع تنهمر واستشعرت كنودا مع نعم الله ﻻ يليق إﻻ التوبة منه واستشعار عظمة العطاء ساعة اﻷخذ وقبله
وذلك ما علمناه معلم الخير صلى الله عليه وسلم حين جعل اﻷخذ مذكرا بالعطاء داعيا إلي الرضا ((إن لله ما أخذ وله ما أعطى)).
رحم الله سيدي أحمد ستقولها جالية موريتانيا في الصين التي فقدت مفتاحا من مفاتيح الخير نعمت بشفاعته الحسنة وسنده القريب ونداه الندي وغوثه الحاضر.
فقدت رئيسا صنع لها مجدا وارف الظلال عالي العماد بين الصينيين والوافدين، كان تكريم الفقيد قبل أقل سنة ليس أبرز عنوان له.
رحم الله سيدي أحمد سيقولها عمار جامع مدينة (( يو )) الذي أسسه ورعاه مع إخوانه وكان سهم موريتانيا المادي والمعنوي اﻷول بين الجاليات العربية واﻹسلامية في الصين.
رحم الله سيدي أحمد سيقولها حجاج وعمار بيت الله الحرام وزوار مدينة سيد اﻷنام عليه أفضل الصلاة والسلام عرفوه يتابع الحج والعمرة ويقسم ليالي رمضان بين الحرمين يتبتل في المحراب، ويتفنن في خدمة وإعانة الحجاج والمعتمرين، عرفوه بمعرفة مُعرِّفا، وفي مزدلفة للخير مزدلفا وبمِنى يكتسب مُنى.
رحم الله سيدي أحمد سيقولها والدان ذاقا بره وإخوة ذاقوا طعم حنان، وأرحام عاشوا لين عطفة وكريم وصل.
رحم الله سيدي أحمد سيقولها حملة قرآن فُرغوا لتعليمه وأعينوا على نشره وطلاب له عهدوا معاهده وحضروا محاضره.
رحم الله سيدي أحمد ستقولها مكونات اجتماعية نعمت بخيره حين حرمت خير غيره وأخوته، وقد عانت جفاء غيره وتواضعَه وقد قاست استعلاء غيره وعطفه وقد عاشت قسوة غيره.
أما رفقاء الدرب وصحبة الخير وأعوان البر فأدعهم وشأنهم، كان الله في عونهم.
رحمك الله من شاب نشأ في طاعة فما عرف إلى الفاحشة سبيلا وﻻ إلى الخنا دليلا؛ عمر المساجد وسبق اﻷماجد باسم الثغر باذل الدثر نادرة الدهر نشر العلم بماله وأحيا الحلم بخلال. نحسبك كذلك وﻻ نزكيك على الله.
عزاؤنا فيك أنك قدمت على ما قدمت في الحياة وتركت آثارا تلحقك بعد الممات.
عزاؤنا فيك أننا نرجو لك ملأ خيرا من ملئنا ومنزﻻ خيرا من منزلنا.. حللت دارا عمرتها حقق الله لك الرجاء وأوسع لك العطاء.
أعظم الله أجرنا فيك وﻻ فتننا بعدك. الله يعلم من اﻷولى أن يكون سابقا ومن الحكمة أن يكون ﻻحقا رضينا بقضائه وقدره. وإنا لنرجو لك الخير الكثير معتمدين على نصوص الوحي المبشرة، وبشرى لسان صدق في اﻵخرين.
اللهم اغفر لسيدي أحمد وارفع درجته في المهديين وألحقه بالصالحين واخلفه في عقبه في الغابرين واجمعنا به في الفردوس أجمعين. وﻻ تحرمنا أجره وﻻ تفتنا بعده.
ﻻ أجد أصدق من المتنبي في التعبير عن حالنا حين قال
ألحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ @@ وَالدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ
يَتَنَازَعانِ دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّدٍ @@ هَذا يَجيءُ بهَا وَهَذَا يَرْجِعُ
النّوْمُ بَعْدَ أبي شُجَاعٍ نَافِرٌ@@ وَاللّيْلُ مُعْيٍ وَالكَوَاكبُ ظُلَّعُ
رحم الله الفقيد وأخلف الفاقدين
محفوظ إبراهيم فال "