باريس ـ «القدس العربي»: عقب زيارة له ضمن وفد الحكومة الغامبية لفرنسا، قال وزير الخارجية حسين داربو في لقاء خاص مع «القدس العربي» إن بلاده تسعى لطي حقبة ما أسماه «النظام الديكتاتوري» للرئيس السابق يحيى جامى، وبدء صفحة جديدة مع الغرب على وجه الخصوص، إضافة إلى تطبيع العلاقات مع عدد من دول الجوار. وأشار وزير الخارجية أن الزيارة تسعى لطمأنة الشركات الفرنسية الأوروبية حول الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه غامبيا من أجل دفعها على الاستثمار وتعزيز آفاق التعاون التجاري والاقتصادي مع هذه الدول.
كما أكد حسين داربو أن بلاده تعمل حاليا على استكمال الاجراءات القانونية من أجل العودة من جديد لمنظمة الكومنولث ومحكمة الجنايات الدولية. وقال المعارض التاريخي ليحيى جامى أنه سامح وعفا عن «جلاده»، رغم «الاضطهاد والسجن» الذي تعرض له وأسرته في عهده. في المقابل، أكد أنه في حال ثبتت الاتهامات ضد الرئيس السابق، في أعمال قتل وتعذيب معارضين، فإن الحكومة الغامبية الحالية لن تعترض عن محاكمته سواء داخل غامبيا أو أمام المحاكم الدولية.
إلى الحوار:
٭ هذه هي أول زيارة لكم لأوروبا منذ انتخاب الرئيس أداما بارو. ما هي الأهمية التي تكتسيها زيارتكم لفرنسا؟
٭ فرنسا دولة كبيرة ومن كبريات الديمقراطيات في العالم، لها نفوذها وكلمتها في إفريقيا. ووقفت إلى جانبنا بعد وصول الأزمة إلى طريق مسدود مع يحيى جامى، بعد رفضه الاعتراف بهزيمته.
كان للحكومة الفرنسية موقف قوي وحاسم تجاه نتائج الانتخابات التي فاز بها أداما بارو. وشدد الرئيس فرانسوا أولاند في القمة الفرنسية الإفريقية التي جرت في كانون الثاني / يناير الماضي في باماكو، على ضرورة رحيل جامى عن السلطة والاعتراف بهزيمته. وفي هذا الإطار قام باستقبال الرئيس المنتخب وقتئذ وكان اعترافا فعليا وقانونيا بشرعيته. وخلال هذا اللقاء دعا الرئيس أولاند بارو إلى زيارة عمل إلى فرنسا. واستجبنا طبعا للدعوة لتعزيز العلاقات بين البلدين، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، وحتى الأمنية.
٭ في الجانب الاقتصادي، هل وقعتم أية اتفاقيات أو حصلتم على أية وعود بالاستثمار في غامبيا؟
٭ بالإضافة إلى لقائنا بمختلف أعضاء الحكومة الفرنسية والرئيس فرانسوا أولاند، فقد التقينا بكبار المسؤولين في الشركات الفرنسية، في مجالات النقل، والاتصالات، والخدمات والصناعة والسياحة. وعبرنا لهم عن رغبتنا في فتح بلدنا للاستثمارات الفرنسية والأوروبية، وبدء صفحة جديدة، بعد طي صفحة النظام الديكتاتوري السابق. وذلك عبر تشجيعها وتقديم تسهيلات لها من أجل الاستثمار في ظروف مواتية. لكن في المقابل نرغب أن تخلق هذه الشركات فرص عمل لمواطنينا، من أجل الحد من البطالة، وكذلك أن تكون ظروف عملهم كريمة وحسنة.
نرغب بتطوير قطاعي الخدمات والسياحة على وجه الخصوص، لأن غامبيا بلد جميل ذو طبيعة خلابة، تتمتع بموقع استراتيجي حيث تطل على المحيط الأطلسي، وتقع بين السينغال ومالي وموريتانيا، مما يؤهلها لتصبح دولة سياحية بامتياز. وندرس حاليا مع بعض الشركات الفرنسية عدة مشاريع بينها توسيع ميناء العاصمة بانجول، إضافة إلى تطوير الخدمات البنكية خصوصا التجارية منها في بلادنا.
٭ ما هي أبرز التحديات التي تواجهها غامبيا؟
٭ لا شك أن البلاد تواجه مشاكل كبيرة في كل المجالات، خصوصا في التربية والتعليم والصحة، والنقل والخدمات. عاشت غامبيا في نظام استبدادي على مدى 22 سنة في عهد يحيى جامى، الذي لم يهتم يوما بتطوير هذه القطاعات الحيوية. لقد عانى شعبنا خلال هذه السنين من الفقر والحرمان، لهذا سنسعى للملمة جراحنا من أجل بناء غامبيا جديدة. لقد انتهى عهد جامى الدكتاتوري من غير رجعة.
علينا بناء دولة يحكمها القانون، ويسود فيها السلم، وتنعم بالأمان وذلك عبر جهاز أمني يحارب الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات. لكي ننهض ببلدنا، يجب أن يكون البلد مستقر سياسيا وأمنيا. كلها تحديات كبيرة، سنسعى جاهدين للتغلب عليها. كما أن سمعة البلاد في الخارج جد سيئة ونتمنى أن ننجح في تصحيحها وترميمها.
٭ كيف تنوون إعادة بناء العلاقات مع بعض الدول الافريقية التي كان يحيى جامى في خصومة ونزاع معها مثل السينغال؟
٭ هذا صحيح. دخل الرئيس السابق في خصومات واستعدى عدة دول بينها السينغال بشكل غير مسؤول وبطريقة لا تراعي المصلحة المشتركة وعلاقات حسن الجوار. لكن منذ مجيء أداما بارو للسلطة، بدأنا سياسة تطبيع العلاقات مع دول الجوار. وبمناسبة احتفالات غامبيا بعيد الاستقلال الـ 52 في 15 شباط/ فبراير الماضي، استدعى الرئيس زعماء هذه الدول ولبوا الدعوة.
وكانت مناسبة أيضا شدد فيها الرئيس بارو لزعماء دول الجوار، على طي صفحة النظام السابق وبدء صفحة جديدة. غامبيا والسينغال دولتان شقيقتان، لنا نفس العادات والتقاليد، ونعتنق الدين الإسلامي ورغم ذلك فقد نجح يحيى جامى في توتير العلاقات بين بلدينا.
كما قام الرئيس أداما بارو بزيارة رسمية للسينغال وشكر فيها الرئيس مكي صال على الدعم الكبير والمساندة التي حظي به في أوج الأزمة مع النظام السابق. وتم التوقيع على عدة اتفاقيات ثنائية في الاقتصاد والتجارة والتعاون الأمني.
نعتزم أيضا تعزيز علاقاتنا مع دول الجوار الأخرى مثل سيراليون وغانا ونيجيريا وليبيريا.
نريد بناء غامبيا جديدة منفتحة ومتفتحة على جيرانها وأصدقائها في القارة السمراء وباقي دول العالم والمنظمات الدولية.
٭ هل صحيح أن هناك توتر في العلاقات بين موريتانيا وغامبيا، بعد استقبال وصف بـ«الفاتر» للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، لدى زيارته لبانجول، قبل أسابيع؟
٭ أعتقد أنه كان هناك سوء فهم للأمر فقط. لقد حظي الرئيس الموريتاني بحفاوة الاستقبال في بانجول عندما شرفنا للمشاركة في احتفالات عيد استقلال بلدنا في 18 شباط/ فبراير الماضي. لم يكن الرئيس أداما بارو في استقبال أي من الرؤساء الآخرين في المطار، لأنها لم تكن «زيارة رسمية»، بما في ذلك الرئيس الموريتاني. وهكذا تم استقبال زعماء كل من غانا ونيجيريا وبوركينا فاصو ومالي وساحل العاج من طرف نائب الرئيس أو من طرفي شخصيا باعتباري وزيرا للخارجية. باستثناء الرئيس السينغالي ماكي صال تم استقباله في المطار من طرف الرئيس بارو، باعتباره «ضيف شرف خاص». وفي العرف الديبلوماسي يكون هناك «ضيف شرف» واحد فقط. الرئيس بارو اختار الرئيس السينغالي باعتباره الزعيم الإفريقي الذي وفر له الحماية الشخصية حينما كانت حياته في خطر، كما استقبله في داكار بعدما غادر بانجول هربا من نظام يحيى جامى. هذا الاستقبال الخاص نوع من رد الجميل والعرفان. وطبعا هذا لا ينتقص من موريتانيا ومن مكانتها ومن قيادتها. نتعامل مع جيراننا باحترام وود كبيرين، كما نقدر كل الجهود التي بذلوها وما أسدوه لنا من مساعدة، وعلى رأسهم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.
٭ من بين القرارات التي اتخذها الرئيس السابق، على الصعيد الدولي الانسحاب من منظمة الكومنولث، هل ستطلبون العودة من جديد لهذه المنظمة؟
٭ هذا صحيح. لقد راسلنا الأمين العام للكومنولث قبل أسابيع وعبرنا له عن رغبتنا الشديدة بالعودة من جديد ضمن هذه المنظمة. كما أنني سأزور لندن يوم الجمعة وسألتقي بالأمين العام للمنظمة، من أجل مواصلة الإجراءات الكاملة للعودة ضمن الكومنولث في أقرب الآجال. قرار الخروج كان انفراديا وغير مسؤول، أقدم عليه يحيى جامى لوحده من دون استشارة أحد، لأنه كان يخشى من المنظمة التي كانت تطالبه بإنشاء مؤسسة للدفاع عن حقوق الانسان في غامبيا وهو ما كان يرفضه.
٭ هل هذا يعني أنكم ستطلبون العودة أيضا لمحكمة الجنايات الدولية، بعد انسحاب الرئيس السابق منها؟
٭ تماما. لقد راسلنا أيضا الأمم المتحدة، من أجل إبطال قرار الرئيس السابق يحيى جامى القاضي بالانسحاب من الجنائية الدولية. كما أنني سألتقي قريبا بالمدعية العامة للمحكمة، وهي بالمناسبة مواطنة غامبية، من أجل استكمال إجراءات العودة بشكل نهائي، لأننا نؤمن بالعدالة الدولية، وبالديمقراطية وبحقوق الانسان.
٭ هل تعتقدون أن الرئيس السابق يحيى جامى، يجب أن يمثل يوما ما أمام القضاء للرد على كل التهم المتورط فيها، بينها القتل والتعذيب؟
٭ مما لاشك فيه أن نظام جامى، كان نظاما ديكتاتوريا قاسيا. وقد عانيت كباقي المعارضين من نظامه وسجنت عدة مرات على يده. كما ألحق الأذى بي وبأسرتي وقام بسجن ابنتي أيضا.
ورغم الاضطهاد الذي تعرضت له فإنني سامحته وعفوت عنه ولن أتابعه أمام القضاء. أنا شخص يؤمن بالعدالة ولا أحب الانتقام.
ما يهمني أن نبني بلادنا من جديد على أسس ديموقراطية يسودها القانون والعدالة والديمقراطية.
٭ ماذا لو رغبت عائلات الضحايا بالقصاص لأبنائها الذين قتلوا أو عذبوا في عهد جامى؟
٭ طبعا هذا من حقهم. لن أقف ضد شكاوى عائلات الضحايا. وإذا ما تبين أن جامى متورط في جرائم القتل، والتعذيب، ورفعت عائلات الضحايا شكاوى ضده، ففي هذه الحالة، يجب أن تأخذ العدالة مجراها.
٭ هل في هذه الحالة ستلجؤون للجنائية الدولية أو ستتم محاكمته في غامبيا؟
٭ هذا يتوقف على نوع الاتهامات التي تورط فيها السيد جامى. فإذا كانت مثلا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، فإن الجنائية الدولية هي المحكمة المختصة في هذا النوع من الجرائم ولن نقف ضد متابعته في هذه الحالة. فقد تم العثور مؤخرا على مقبرة جماعية لخمسين شخصا، وتقوم الأجهزة القضائية حاليا بالتحقيقات للوصول للجناة. فهذا النوع من الجرائم لا يمكن التستر عليه ولا شك أن الفاعل، يجب أن ينال جزاءه سواء كان ذلك أمام القضاء الغامبي أو محكمة الجنايات الدولية.
٭ بعد انتخابه مباشرة، قال الرئيس بارو إنه سيلغي اسم «جمهورية غامبيا الإسلامية» لتصبح «جمهورية غامبيا». هل الخطوة تستهدف قرارات يحيى جامع أم هناك أسباب أخرى؟
٭ صحيح. مجموعة من القرارات قام بها يحيى جامى كانت مزاجية وغير مسؤولة. وبعضها الآخر كان تكتيكا فقط، مثل قرار تغيير اسم جمهورية غامبيا إلى جمهورية غامبيا الإسلامية. فبعدما قام الرئيس السابق بتوتير علاقاته مع الغرب، أراد التعويض عن ذلك عبر التودد لدول الخليج، من أجل الحصول على امتيازات إضافة إلى الرفع من شأنه أمام الدول الإسلامية خصوصا أن غامبيا ستحتضن مؤتمر الدول الإسلامية العام المقبل. ولذلك استخدم جامى الجانب الديني لاستدرار عطف الدول العربية والإسلامية، هذا كل ما في الأمر. الشعب الغامبي شعب مسلم ولا يحتاج إضافة «إسلام» لاسم الدولة، لأنه لن يغير من الأمر شيئا.
٭ كانت هناك أطراف إقليمية عدة، ساهمت في حلحلة الأزمة وإقناع الرئيس السابق بمغادرة السلطة. من هي الدولة أو الدول التي لعبت الدور الأهم؟
٭ نعم هذا صحيح. فقد لعبت عدة دول إقليمية دورا مهما لإيجاد حل للأزمة، وأخص بالذكر السينغال وموريتانيا والمغرب وغينيا. ولا ننسى أيضا الضغوط الدولية خصوصا قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة التي طالبت جامى بمغادرة الحكم، إضافة إلى الاتحاد الإفريقي ودول منظمة المجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية (إكواس). تضافر كل هذه الجهود ساهم بحل الأزمة بعد إرغام يحيى جامى على الرحيل ومغادرة البلاد. وبالمناسبة أشكر كل هذه الدول الصديقة والشقيقة التي قدمت لنا يد العون في محنتنا.
٭ هل ستسعون إلى تطوير العلاقات مع العالم العربي أيضا؟
٭ طبعا. سنسعى لتعزيز علاقاتنا مع الدول العربية والإسلامية خصوصا دول الخليج التي قدمت عدة مساعدات من قبل لغامبيا على رأسها قطر والكويت. كما نرحب بهذه الدول للاستثمار في بلدنا. وسأقوم قريبا بجولة في عدد من دول الخليج لتعزيز العلاقات وبحث فرص التعاون في مختلف المجالات.