حديث "ماسيل داسوزا" رئيس لجنة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عقب لقاءه رئيس الجمهورية أمس في نواكشوط، عن المخاوف من انتقال "مجموعات إرهابية" من الموصل في شمال العراق، إلى كيدال في شمال مالي، مرورا بليبيا، كلام يوحي بأن الرجل يتعمد خلط العديد من الأوراق المحلية والإقليمية والدولية، لحاجة في نفسه، أو أنه ومستشاريه من حوله يجهلون جهلا مركبا ميكانزمات تلك الجماعات والتنظيمات وتمفصلاتها وطبيعة علاقاتها البينية، كما يجهلون حقيقة الوضع في مالي شمالا ووسطا وجنوبا، أما الوضع في الموصل فحري بهم أن لا يميزوا أولاه من أخراه.
فالموصل اتخذ منها تنظيم الدولة الإسلامية عاصمة لـ"خلافته"، ومن يقاتلون فيها اليوم هم قادة وعناصر ذلك التنظيم، وحين يضيق الخناق عليهم، ففي الأراضي السورية متسع لهم وامتدادات جغرافية وتنظيمية وفكرية واجتماعية، ترتبط بهم ببيعة وولاء ومعتقدا فكريا.
أما الموجودون في منطقة شمال ووسط جمهورية مالي، فهم مجموعات مرتبطة في غالبها الأعم بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، والقاعدة ببلاد خراسان (القاعدة الأم)، ومعروف العلاقة بين القاعدة وفروعها، وبين تنظيم الدولة الإسلامية، تقوم على "المباهلة" والخصومة، والرفض المتبادل، ونفي الشرعية، حيث يصف تنظيم القاعدة غريمه "تنظيم الدولة الإسلامية" بالخوارج والغلاة والبغاة الذين أفسدوا الساحات وأبطلوا البيعات واستحلوا المحرمات، بينما يصف "تنظيم الدولة الإسلامية" قادة وعناصر القاعدة بأنهم مرجئة العصر وصحوات الردة، ومثبطون مبَطئون، ويسميهم "يهود الجهاد" .
أما الوجود القليل المحسوب على تنظيم الدولة الإسلامية في هذه المنطقة فهي "جماعة أبو الوليد الصحراوي" المعروفة باسم "جماعة الدولة الإسلامية في مالي" التي انشقت عن تنظيم "المرابطون" في مايو عام 2015، وتنشط أساسا في منطقة "غاوو الكبرى" و"منيكا" قرب الحدود مع النيجر و"اربنده" قرب الحدود مع بركنافاصو، ولا وجود لها على الإطلاق في منطقة كيدال بأقصى الشمال الشرقي لإقليم أزواد بشمال مالي.
لذلك فإن الحديث عن لجوء "الخوارج" إلى أحضان "المرجئة" والاستعانة بهم، لا يتحدث عنه إلا من يجهل حقيقة العلاقة بين الطرفين، والتنافر الحاصل بينهما فهما "للرؤية الجهادية"، وتطبيقا لذلك الفهم، وترتيبا لأولوياته.
كما إن الوضع في ليبيا التي تحدث عنها "ماسيل داسوزا"،كمحطة "للإراهبيين" القادمين من الموصل في طريقهم إلى كيدال، لم يعد كما كان سابقا، يوفر تلك البحبوحة الآمنة لعناصر "تنظيم الدولة الإسلامية" وقادتها، خلافا لما كان عليه الوضع قبل سنوات، إذ من المعلوم أن "تنظيم الدولة الإسلامية" فقد معقله الرئيس في مدينة" سرت" بعد طرده منها على يد قوات "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية، وتم إخراجه قبل ذلك من مدينة "درنة" في الشرق الليبي على يد مقاتلي "مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها" (مقاتلون إسلاميون)، وبات عبارة عن مجموعات متنقلة غير مستقرة، لذلك يبقى مستبعدا أن يلجأ قادة التنظيم وعناصره من الموصل إلى ليبيا في هذه المرحلة بالتحديد.
بل إن الأمر الذي يثير الجدل أكثر من غيره في تصريحات "ماسيل داسوزا" هو تخصيصه منطقة كيدال بالحديث عنها كبؤرة محتملة يأوي إليها "المتشددون" الهاربون من الموصل، وهو يعلم كما يعلم كل قادة دول غرب إفريقيا المشاركين في قوات "المنيسما" أن الجماعات التي تصنف إرهابية، تنشط في عموم شمال ووسط مالي بل وفي جنوبها، دون أن يكون ذلك حصرا على منطقة كيدال، كما أن نشاطها في منطقة كيدال ليس بأشرس ولا أكثر دموية وعنفا، من نشاطها في مناطق موبتي وسيكو وحتى سيكاسو وخاي وسائر الوسط والجنوب المالي، ولا في مناطق غاوو ومنيكا وتمبكتو وتاودني وغيرها من مناطق الشمال، فلماذا اختار الرجل "كيدال" اسما ووسما، دون غيرها من المناطق الساخنة في مالي، ليحذر من احتضانها "للإرهابيين" الهاربين من العراق، رغم الخصومة الدموية المعلومة ـ إعلاميا واستخباراتيا ـ بين "الإرهابيين" في هذه المنطقة و"الإرهابيين" في الموصل، لذلك أعتقد أنه لم يكن بريئا ولا عفويا حين حرص على ذكر كيدال وحدها دون سائر المناطق الساخنة في مالي، وأقلُ مراتب تفسير ذلك هو أن كيدال تبقى مشبوهة لأنها ما تزال خارج السيطرة الصورية للإدارة المالية، رغم انتشار القوات الفرنسية والدولية فيها، ومن هنا استحقت التحريض ضدها وتسجيل اسمها لدى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وحلفائها، كمنطقة مشبوهة تشكل خطرا على السلم في المنطقة والمجتمع الدولي، وإلا فلماذا كيدال وليست موبتي على سبيل المثال لا الحصر.