ريم آفريك - محمد سالم
على مشارف السبعين، يقف الرئيس الأسبق اعل ولد محمد فال، يطوي في ذاكرة مساره 67 سنة من العمل الأمني والسياسي والاقتصادي حتى وعلاقات واسعة تنتظم أركان القارات الخمس، ورغم دفتر الذكريات الحافل بفترات مد وجزر طويلة لا يزال ولد محمد فال حريصا على أن يسجل دورا جديدا في المشهد وبتحديد لا يزال تواقا إلى كرسي الرئاسة من جديد
ابن انشيري
بقامته الفارعة استطاع ابن انشيري المولد سنة 1950 الدخول إلى المؤسسة العسكرية حاملا لشهادة الباكلوريا، وتلقى تكوينات عسكرية متعددة وخصوصا في فرنسا التي أخذ منها قيما كثيرة وحبا للسانها الفرنسي ولأدبها وتاريخها، ومن خلالها ربط علاقات واسعة وخصوصا من اللوبي الصهيوني، المتمدد عبر فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة
عمل العقيد اعل ولد محمد فال قائدا لمناطق عسكرية متعددة في موريتانيا، كما شارك في حرب الصحراء، ورغم الثقافة الفرنكفونية العميقة للرجل، فقد حمل في بواكير تكوينه الفكري انتماء للفكر البعثي سرعان ما تخلى عنه تنظيميا على الأقل بعد تهديد واضح تلقاه من الرئيس محمد خونه ولد هيداله وفق ما أثبته هذا الأخير في مذكراته
مدير الأمن المرهوب
في فترة الرئيس معاوية ولد الطايع كان اعل أحد أبرز أركان النظام وكان بالفعل الرجل القوي المؤثر، أدار الأمن طيلة عشرين سنة، وجنى من ذلك سمعة حقوقية غير جيدة على المستوى الشعبي، لكنه كسب علاقات هائلة وتحكما في كثير من مفاصل الجهاز الأمني الذي طالما اتهمته أطراف أخرى من السلطة بأنه لا يزال يتبع رسميا للرئيس السابق اعل ولد محمد فال.
وأثناء إدارة ولد محمد فال لملف الأمن وجدت الحركات السياسية المختلفة في موريتانيا نفسها في مواجهة آلة قمع قوية، وآلة استخباراتية قوية أدت إلى تفكك كثير من أركانها وإلى اختراق بنيتها التنظيمية أكثر من مرة.
يقول مناصرون للرئيس اعل ولد محمد فال إنه أدار الملف الاقتصادي لإدارة الأمن أكثر من إدارته لتفاصيل المشهد الأمني الذي كان بيد الرجل القوي جدا المفوض دداهي ولد عبد الله.
ويزيد العارفون بولد محمد فال إنه " عرف خلال سنواته الأولى أنه لن يستطيع تقليم أظافر دداهي المدعوم من الرئيس، فترك له تفاصيل جهاز أمن الدولة، واكتفى هو بإدارة الأمن العام بما يدره ذلك من شبكة أمنية ومن مداخيل مالية هائلة بسبب الإتاوات التي فرضتها الشرطة حينها على وسائل النقل"
من الأمن إلى الرئاسة
يردد أنصار الرئيس محمد ولد عبد العزيز أنه هو من منح الرئيس السابق اعل ولد محمد فال كرسي الرئاسة، وأنه لم يكن فاعلا أساسيا في تحضير الانقلاب العسكري في 2005 بينما يؤكد أنصار اعل أنه كان رجلا أساسيا ومشاركا بقوة في التحضير العام للانقلاب
أدار ولد محمد فال الفترة الانتقالية 2005-2007 قبل أن يغادرها بسمعة ناصعة باعتباره " سوار الذهب " الموريتاني، والعسكري الديمقراطي الذي وفى بالعهد وغادر الكرسي الوثير إلى بيته غير بعيد من الرئاسة
ورغم تلك السمعة التي عاش العقيد من ريعها منذ العام 2007 إلا أن " سوار الذهب الموريتاني متهم من قبل النظام الحالي بأنه ألقى " عليه أسورة كثيرة من ذهب واصطحب منه مليارات من حصيلة الفترة الانتقالية" وهي الملفات التي يهدد النظام أكثر من مرة بكشفها ويتحدي ولد محمد فال من يكشفها.
على رصيف المعارضة
بعد السنوات الطوال بين إدارة الأمن وإدارة البلد، يقف ولد محمد فال ضمن قادة منتدى المعارضة، ينسج علاقات جديدة مع خصوم سابقين ورفاق سابقين في سلك سلطة ولد الطايع، وربما مخبرين أيضا نقلتهم أيدي الأقدار إلى صف المعارضة مناضلين معارضين للنظام بعد سنوات من العمل في الضفة الأخرى
يرفع ولد محمد فال الصوت عاليا ضد ولد عبد العزيز ولا ينسى تذكير زواره وبعض معارفه بأنه له الفضل الأول على ولد عبد العزيز عندما " انتشله من الضياع" وألقى به في سلك الجيش الوطني لتدير له الأقدار لوالب الأمل وتمنحه في كل فترة قطع غيار مناسبة لمواصلة الطريق نحو كرسي الرئاسة، وربما الملك أيضا ما دام بعض رفاق الحزب الحاكم يطالبون بذلك
الأديب الفرنكفوني
عندما يتحدث ولد محمد فال بالعربية يمارس هواية إطلاق نار اللحن على كل متحرك وساكن ورغم أن ولد محمد فال تطور كثيرا في اللغة العربية وأصبح ذات قدرة على نحت صيغ جديدة خصوصا "عندما" يتحدث بجدية عن النظام، إلا أن هذا الجانب لا يمثل الركن الأبرز في شخصية ولد محمد فال الثقافية، فهو محاضر من الطراز الرفيع باللغة الفرنسية، وعضو في مجامع ثقافية عديدة، كما أنه صاحب مكتبة واسعة وقارئ نهم ولكن ..بالفرنسية ..والإنكليزية أخيرا.
عين على الرئاسة
يعتقد ولد محمد فال أنه الرئيس القادم لموريتانيا معتمدا على مؤشرات كثيرة أبرزها
العلاقات الأمنية الواسعة داخل الجيش والمؤسسة العسكرية
العلاقات الواسعة جدا مع الدوائر الغربية المؤثرة في المشهد السياسي الموريتاني
الذاكرة الضعيفة للشعب الموريتاني التي استطاع مسح جزء منها بنضالها في الفترة المنصرمة عقب الانقلاب العسكري في 2008
غير أن عوائق كثيرة تقف في وجه ولد محمد فال أبرزها ضعف الرصيد الشعبي، وضعف المرجعية السياسية الداعمة داخل الأحزاب والقوى السياسية المعارضة
وبين هذا وذاك يبقى ولد محمد فال أحد الذين تركوا بصمات واضحة على المشهد السياسي والأمني وظلت بصماتهم قادرة على التأثير وخصوصا عندما يبدأ المشهد السياسي ..يتفاقم...