لم يختار البروفيسور “فرانسيس دينق مجوك” الكاتب الروائي عنوان كتابه الذائع الصيت (طائر الشؤم) بنفسه إنما اختار له المترجم من النص الإنجليزي للعربية البروفيسور “عبد الله أحمد النعيم” العنوان الإيحائي (طائر الشؤم)، ولم يخفِ مساعد الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق ميوله لعنوان آخر (صيحة البوم) ذلك الطائر أسود اللون ذو المنقار الحاد والريش المنكوش والرائحة الكريهة التي تنبعث من جسده.. وهو من ذوات المخالب.. يعتبره البدو الرحل نذر شؤم وطائراً منحوساً إذا صاح ليلاً غشيت المنطقة الحروب وسالت الدماء أو جفت الضروع ونفقت النعم.. ويقال إن (طائر البوم) لا يصيح إلا مرة واحدة في كل خمس أو أربع سنوات.. ويرمز عند الدينكا وهم أيضاً من البدو لنذر الخراب ويتشاءمون من رؤيته.وفي رائعة “فرانسيس” حينما صاح البوم في ذلك المساء في سماء بلدة “آبيي” “وألويل” بنت “شول” قد أتت محمية بالإله حطمت معولاً وهي تحفر قبراً لهم تركت والدي كعجل جاموس منفرد.. تصرخ البوم في دارنا في الدجى طائر الليل ألقى علينا دجى سحره هكذا اختار “فرانسيس” أشعاراً من لغة الدينكا الغنية بالرمزيات ليبدأ بها الرواية التي تنهض على موروثات الاعتقاد الأفريقي. وإذا كانت رواية طائر الشؤم تتميز بأنها جمعت بين عناصر الحبكة القصصية المثيرة والمعالجة الرصينة لأدق وأعمق القضايا الاجتماعية والثقافية في السودان، فإن رمزية ذلك الطائر المنحوس الذي صاح في الليل البهيم فوق رؤوس بلدة “آبيي” قد اتجه من المنطقة الغنية بمواردها شرقاً، وربما حط رحاله في قمة جبال (لمونق) وبدلاً من إطلاق صيحته كرمزية لحلول عهود من المسغبة والشقاء والبؤس والموت غير الرحيم قد حل بجبال النوبة. واليوم ينعق أو يصيح يومياً بدلاً من صيحة كل ثلاث أو أربع سنوات، وكل الطيور تغرد إلا البوم يصيح.. ومثل الحمار الذي ينعق.. فإن طائر الشؤم قد استقر في جبال النوبة وباض في كهوفها.. وفرخ طيور شؤم عديدة تصيح في كل مكان، فإنسان تلك المنطقة لم يستقر على حال منذ سنوات بعيدة.. وكلما لاح في الأفق ضوء برق خافت كبشارة لهطول المطر ونبت العشب وارتواء الضرع واخضرار الزرع هبت رياح (قروة) .. وجففت الأخضر.. الذي يسكن الضلوع منذ أسبوع وجبال النوبة قد هبت عليها مرة أخرى رياح الانقسامات التي ضربت هذه المرة معسكرات الحركة الشعبية ولم نقل الجيش الشعبي الذي لا يزال متماسكاً تحت قيادة الجنرال “عبد العزيز الحلو” ولكن الحركة الشعبية صاح في عرصاتها البوم في ذلك الليل البهيم.
ولم تجد قيادتها بداً غير الاعتراف جهراً بالأزمة التنظيمية التي تعيشها.. والصراع القديم بين التيارات والمذاهب والأعراق التي تتألف منها الحركة الشعبية قبيل واقعة الإعلان المدوي عن الخلافات بين نائب رئيس الحركة الشعبية والأمين العام.. كانت الأوضاع في السودان تتجه لتسوية سياسية بكلفة أقل مما كان في السابق.. والحركة الشعبية تعيش وقع الحصار السياسي.. المجتمع الدولي من خلال الولايات المتحدة يطالب قادة الحركة بقبول المبادرة الأمريكية لنقل الإغاثة، وبالتالي الانتقال من القضايا الإجرائية التي تسببت في تعطيل المفاوضات ثلاث سنوات، إلى القضايا الموضوعية من وقف دائم لإطلاق النار والاتفاق على التدابير السياسية والأمنية والعسكرية.. وتحت وطأة الحصار تقلل الحركة من حصارها بإعلان نائب رئيسها “عبد العزيز الحلو” استقالته.. (لتنقذ) الحركة نفسها من واقع الحصار الذي تعيشه والمفروض عليها.. بتأجيل المفاوضات التي كان الوسيط “أمبيكي” يقترح تواقيتها.. ويطالب الخرطوم بإرجاء تشكيل الحكومة الجديدة على أمل التحاق الحركة الشعبية بركب المشاركين.. ليوقع “مالك عقار” رئيس الحركة على خطاب موجه إلى “أمبيكي” يطلب منه تأجيل المفاوضات لأجل غير مسمى تحت دواعي التطورات داخل الحركة و”عقار” نفسه لا يملك تفويضاً عند الآلية الأفريقية للتوقيع على اتفاق السلام، حيث طلبت الآلية من الحكومة تفويض الرئيس لمن ينوب عنه في التفاوض وحدد “إبراهيم محمود” وطلب من الحركة الشعبية تفويض من يمثلها واختارت “ياسر عرمان”. ومخاطبة رئيس الحركة للآلية يعني عملياً سحب التفويض الذي مهدته الحركة بختمها وتوقيعها لأمينها العام.. وتلك أولى مؤشرات إذعان “مالك عقار” لشروط “عبد العزيز الحلو” التي وضعها أمام مجلس التحرير الخاص بجبال النوبة وليس المجلس القومي للحركة.
{ مصادر القوة في الحركة
منذ أن تخلقت الحركة الشعبية قطاع الشمال بانفصال الجنوب لم يشأ “سلفاكير ميارديت” رئيس الحركة الشعبية في الدولتين وضع فواصل صارمة.. واستقلالية لكلا الحركتين.. وعلى خطى الحركة الأم التي كانت تحلق بجناحين سياسي وعسكري.. مشت الحركة على ذات الدرب والمنهاج.
فهل قوة الحركة في جناحها السياسي؟؟ أم في جيشها الشعبي أي جناحها العسكري؟؟ وما هي مصادر القوة وبدءاً فإن ثمة اختلافات في المفاهيم هل البندقية يتم رفعها لخدمة السياسة؟ أم السياسة خادمة لفوهة البندقية؟؟ وهل انشغالات الكيانات ذات الصيغة العسكرية قتالية أم سياسية؟؟ تلك جدليات في عالم فيه الافتراض أكثر من الواقع.. لكن الحركة الشعبية من حيث الأطروحة السياسية ظلت متقدمة على بقية مكونات المعارضة بشقيها العسكري فصائل دارفور.. والمدني أحزاب التحالف المدعاة بأحزاب قوى الإجماع الوطني.. وأسندت الحركة الشعبية منذ نشوب الحرب في 6/6/2011م، لأمينها العام “ياسر عرمان” إدارة الملف السياسي.. باختيار الحلفاء من القوى المعارضة.. وتسويق الحركة الشعبية عالمياً وإقليمياً.. وبالتالي البحث عن مصادر التمويل والدعم والسند.. والدعاية والإعلام لصالح الحركة الشعبية، ولما كان “عرمان” يتكئ على خبرة تمتد لأكثر من (30) عاماً في هذا الفضاء السياسي وهو ثاني اثنين من أولاد الراحل د.”جون قرنق” تعلم كيف يقدم الحركة للغرب مع رفيق دربه الآخر “دينق ألور”، فإن “ياسر عرمان” خلال السنوات الماضية ما كاد يعبر عن نفسه إنما يعبر عن الحركة الشعبية والجيش الشعبي واستفادت الحركة من علاقاته.. وقدمته كشهادة تثبت براءتها من داء العنصرية والقبلية البغيضة.. واتسمت أطروحة “عرمان” بالتماسك سياسياً وظن الكثيرون أن العثرات التي واجهت التفاوض من صنع “ياسر عرمان” وبتدبيره هو.. ونزوعاً لأهواء نفسه الأمارة بكل شر وامتلك “عرمان” إلى جانب القيادة السياسية مصادر ثروات الحركة وأموالها واستثماراتها، مثل بنك جبال النوبة الذي كان المصرف الأول بدولة الجنوب قبل اندلاع الحرب الأخيرة.. وتم تأسيس شركة طيران خاصة بالحركة تنشط في جنوب السودان.. وأخرى للذهب الذي يغذي شرايين اقتصاد دولة الجنوب.. وصمم “ياسر عرمان” أنظمة مالية ومحاسبية تجعل سلطة المال بيد الأمين العام الذي بيده مفاتيح العلاقات الخارجية والمال.. ولكن تعوذه القوة العسكرية على الأرض.. لذلك سعى لنسج علاقات خاصة مع اثنين من قادة الميدان في الإقليمين.. “أحمد العمدة” بالنيل الأزرق و”جقود مكوار” في جبال النوبة.. وأخذ “عرمان” بيدهما لتطويرهما سياسياً وصياغتهما وفق حسابات الرجل.. وكانت المدرسة التي يتعلم فيها “جقود” و”أحمد العمدة” تفتح أبوابها حتى أثناء المفاوضات.. وكثيراً ما كان “جقود” و”العمدة” يتأبطان أجهزة الهاتف المحمول والمعلم “مبارك عبد الرحمن أردول” بالقرب منهما .
وإذا كان الجناح السياسي في الحركة الشعبية قد خنق الحكومة في كثير من المرات.. وجعلها غير قادرة حتى على استخدام سلاح الطيران الذي تتفوق به على الحركة، وكبحت الحركة الشعبية عبر تحالفها جماح الطائرات من أداء مهامها القتالية بالإعلام والسياسة وليست بالمضادات الأرضية، فإن الجناح السياسي للحركة الشعبية كان مقاتلاً بشراسة ويذود عنها أكثر من الجناح العسكري الذي صممه “عبد العزيز الحلو” بطريقة تجعل من القادة المقاتلين والعسكريين في الميدان أقرب إلى “عبد العزيز الحلو” القائد المغامر والشخصية الغامضة.. “عبد العزيز” لا يثق في الآخر.. ولا يفتح عقله وقلبه لحليف وحينما تتحدث إليه بما لا يروق له يزعم أن أذنه مصابة منذ الحرب الأولى.. ولكن أذن “عبد العزيز الحلو” (تسمع ما تريد فقط) وتطرب لمارشات الجيش الشعبي.. وأهازيج العنصرية التي يتغنى بها “آدم مرمطون” وهو يحشد عبارات التأليب التي تقول:
جيش الجلابة قطع السكة
وعيشة السودان بقت مشكلة
و”عمر البشير” قال أنت الحشرة
يا كومرت..
تطرب أذن “عبد العزيز” لمثل هذا الحديث.. وقد تفاوتت تقديرات الخبراء بالملف الحربي في جبال النوبة عن عدد قوات الجيش الشعبي ما بين (20-45) ألف مقاتل.. في دولة الجنوب يحمون الآن سلطة “سلفاكير” من ثورة النوير.. بينما تقديرات عدد المقاتلين من ميليشيا الجيش الشعبي في جبال النوبة نحو (50) ألف.. واختار “الحلو” تصميماً هرمياً للقيادة بإشراك أغلب القبائل النوبية في قيادة أفرع مليشيات الجيش الشعبي.. المورو تعتبر القبيلة الأكثر مشاركة في الجيش ويمثل “جقود مكوار” رمزيتها.. والكواليب المجموعة الثانية ويمثل رمزيتها “عزت كوكو”.. والليرا والشواية.. المجموعة الثالثة ويمثلها “كوكو الجاز” وفقدت الحركة نفوذها في الجبال الغربية التي يمثل (النمانج) أصلب عناصرها.. ولكنهم بعد موت “محمد جمعة نايل”.. آثروا النأي عن الميدان العسكري.. وبعد عودة “عبد العزيز الحلو” إلى “كاودا” يوم (الثلاثاء) الماضي أعلن الاستنفار العام.. والاستعداد لا من أجل قتال الحكومة، ولكن من أجل الحفاظ على تماسك الجيش الشعبي الذي ردد قسم الولاء لـ”عبد العزيز الحلو”.. وأصبح في كل منطقة يتلقى البيعة.. وفاضت المشاعر وزرفت الدموع وهي دموع ساذجة.. كأن “عبد العزيز الحلو” هو المظلوم.. وإن مارداً قد انطلق الآن من قمقمه وتلك من أحاييل الرجل الذي يعرف طبيعة ونفسية الإنسان النوبي العاطفي.. لذلك حسم “الحلو” الجدل ووضع كل المقاتلين تحت تصرفه الشخصي.. وترك رئيس الحركة الشعبية “مالك عقار” أمام واقع ووضع لا يحسد عليه.. “مالك” من جهة أقرب لـ”عرمان”.. ولكنه يدرك أن القيمة في البندقية والبندقية عند “الحلو”.. وإن المال والسياسة والعلاقات الخارجية والرؤيا عند “عرمان”.. ولكن لا قيمة لذلك في مواجهة البندقية التي تعني السلطة وقديماً قال تروتسكي (القوة تقرر الأشياء)!
{ الحركة الجديدة والقوميون النوبة
تفكيك مفردات خطاب الجنرال “عبد العزيز الحلو” تقود لاستنتاج بأن الرجل وضع أمام مجلس التحرير مسودة إعلان مبادئ لحركة جديدة.. بثوابت وقيم أخرى.. وأهداف وطموحات البحث عن دولة.. ويدغدغ الخطاب مشاعر القومية النوبية بعبارات عاطفية تكاد تعيد الجنرال “عبد العزيز آدم الحلو” إلى العصر الحجري للسياسة في جبال النوبة، حينما كان الأب “فليب عباس غبوش” يقف في المنابر ومنصات الخطابة ويسخر من أهله النوبة بما يوغر صدورهم في مواجهة المركز.. تلك اللغة الكلاسيكية التي تسيل لها دموع الرجال هي ما حصدت ثمانية مقاعد للحزب القومي السوداني في آخر انتخابات متعددة الأحزاب جرت عام 1986م، وكانت دموع “فليب غبوش” تمطر مكاسب سياسية وحقائب وزارية ومقاعد برلمانية. ولما بدا مناخ الحركة الشعبية قاتماً من جهة شعور “عبد العزيز الحلو” بالعزلة داخل كيان صنعه هو منذ أن اختاره الراحل “يوسف كوه مكي” قائداً ينوب عنه إذا رحل عن الدنيا، وفضله على أبناء عمومته “تلفون كوكو” و”يوسف كره مرفعين” ورفعه فوق بني جلدته من قيادات النوبة “دانيال كودي أنجلو” و”خميس إسماعيل جلاب” و”محمد جمعة نايل”.. فأصبح “عبد العزيز الحلو” المنحدر من أصول دارفورية (المساليت) المشهود لهم بالنبوغ والإبداع والذكاء.. وإذا كان الأب “فليب غبوش آدم” يقول عنه بعض القوميين النوبة إن أصوله تمتد أيضاً لدارفور (الفور)، فإن هناك تشابهاً بين “الحلو” و”فليب عباس غبوش” خاصة بعد الخطاب الأخير أو منفستو الحركة الجديدة وهي تعظم من شأن البندقية.. وبدأت نبرات المزايدة والرقص على أنغام القبيلة والعرق جلياً وهو يدين تاريخ السودان قديمه وحديثه.. ويمد لسانه ساخراً حتى من ما أطلق عليه تنازلات قدمتها قيادة الحركة التي تفاوض.. وفي لهجة ونبرة لكسب العسكريين يقول إنه يرفض الترتيبات الأمنية المفضية لإدماج الجيش الشعبي في القوات المسلحة، ويبشر برفع بندقية (النوبة) كما أطلق عليها “الحلو” لمدة (20) عاماً أي أن تظل تلك البندقية فوق رؤوس الشعب السوداني حتى عام 2037م، إذا كان السودانيون يريدون وحدة.. أما دون ذلك فحق تقرير المصير ومجرد الدعوة لحق تقرير المصير (لشعب النوبة) وهم يعتبرون أنفسهم شعوباً أصيلة ويحتفلون كل عام في قلب أم درمان بعيد أو يوم الشعب الأصيل الذي تدعمه الأمم المتحدة.. وقد ظل “الطيب حسن بدوي” وزير الثقافة يدعم ويسند مهرجان الشعوب الأصيلة لأن المؤتمر الوطني لا يجد حرجاً سياسياً في دعم ذلك المهرجان الثقافي والإعلاء من شأن النوبة كشعب أصيل.. فكيف لمن هو الأصل أن يطلب تقرير مصيره من من؟؟ ومن أجل ماذا؟؟ فهل تخلت النخبة التي تتحلق حول “عبد العزيز الحلو” عن أصالة النوبة.. باعتبارهم هم أصل السودان.. وهو وطنهم وخوض مغامرة انفصالية لإقليم تشاركهم فيه مجموعة قبائل وأفخاذ غير نوبية؟؟ والدعوة للقومية التي وجدت الدعم والسند وعادت معظم القيادات التي أخرجت من الحركة وانشقت في السنوات الماضية لأسباب أغلبها لها علاقة بوجود “ياسر عرمان” الذي تكاثرت عليه النصال من كل جهة.. فإن “الحلو” بعد خطابه الجديد.. أقبلت عليه مجموعات المنشقين من “رمضان حسن” الذي ترشحه القيادات النوبية إلى منصب الأمين العام خلفاً لـ”ياسر عرمان” الذي فقد عملياً موقعه بعد قرار (مجلس التحرير) أو برلمان الحركة الشعبية.. وتمددت اتصالات “الحلو” حتى بما يعرف (بالنوبة الأمريكان) وهي مجموعة المهاجرين من قادة الحزب القومي السابقين.. وذلك لتأسيس حركة جديدة تنهض على أنقاض الحركة القديمة أبرز سماتها الانكفاء عرقياً على النوبة لتقاتل بالنوبة من أجل النوبة كما تدعي.. وفي ذلك مخاطر شتى على وحدة البلاد وعلى النوبة أنفسهم.. فالصراعات العرقية والاثنية.. هي من الصراعات الأكثر مرارة في الكون.. وهناك تجارب إنسانية فاشلة لمثل هذا النوع من الصراعات.. ولن تجد حركة “الحلو” الجديدة من يصغي إليها إقليمياً ولا دولياً إلا من قبل رئيس دولة الجنوب الفاشلة حيث يؤسس “سلفاكير” لدولة نخبة الدينكا التي تحكم بمجلس ظل قبلي.. ومخاطر الحركة الشعبية الجديدة على البلاد أنها تحرض على سكان منطقة جبال النوبة من غير النوبيين وتستهدف وجودهم.. أما مخاطر الخطوة التي أقدم عليها “الحلو” على النوبة الذين خرج أغلبهم من الجبال ولا يتعدى الموجودون حالياً في جنوب كردفان الجغرافية الـ(40%) من جملة النوبة المنتشرين في الخرطوم ومدني وعطبرة وبور تسودان، وحتى في أستراليا وإسرائيل بسبب الحرب التي أخرجتهم من جبالهم قهراً وظلماً.. فالجنرال “الحلو” يقودهم من غير تدبر ووعي لحرب جديدة مع السودانيين بمختلف أعراقهم.. و”الحلو” الذي لا تنقصه المعرفة بالعسكرية وآدابها.. وخططها.. ومدارسها.. حينما يقاتل بأهله قبيلة فإن الآخرين سيقاتلونه أيضاً كقبيلة، وحتى اليوم فإن الحرب التي تدور كانت حرباً بين القوات الحكومية وحركة تحمل السلاح اسمها الحركة الشعبية لا تمثل النوبة ولا النوبة يقولون إنها حركتهم وممثلهم.. ولكن “الحلو” اليوم يتجه لتأسيس حركة جديدة بمفاهيم جديدة.. وإعلان مبادئ جديدة.. يجمع لها كل أبناء النوبة ليخوض بها حربه الجديدة. أما “ياسر عرمان” فقد لفظه “سلفاكير” والجنوبيون القوميون باعتباره شمالياً رفعه “جون قرنق” فوق أصحاب الحق الأصيل.. وحينما غربت شمس “جون قرنق” وانطوت صفحته لفظته الحركة الشعبية الأم.. ورفض “سلفاكير” مجرد اقتراب أولاد “قرنق” الجنوبيين من قصر الرئاسة في “جوبا” جدع أولاد “قرنق” بالتبني من الانتهازيين الشماليين كما يقول الجنرال “ميانق”، وأما الشماليون في السودان فهم الأكثر بغضاً لـ”عرمان الجعلي” الذي ينظر إليه العنصريون الشماليون بالخائن الذي اختار الجلوس في الضفة الأخرى المقابلة لهم بدلاً من السير في ركبهم والرقص على طبلهم.. ولاذ إزاء هذا الواقع بالنوبة فكان مصيره أن طرده “الحلو” بالتي هي أخشن لتفتح صفحة جديدة كل شيء فيها قد يحدث.