كلمة صاحب مبادرة إحياء حلف تشمشه
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم
السادة الأمراء والزعماء التقليديون
السادة ضيوف الشرف من الأشراف والعرب والزوايا
الإخوة الممثلون للمجموعات الشمشوية
الحضور الكريم
لا يسعني إلا أن أتقدم إليكم جميعا باسم مجموعة أهل باركلل بالترحيب الحار بكم، على تلبيتكم لهذه الدعوة التي تندرج في إطار تعزيز أواصر الأخوة والتضامن بين مجموعة تشمش من جهة، وبينها وبين المجموعات الأخرى التي ترتبط معها بعلاقات وطيدة اجتماعية أو سياسية أو ثقافية من جهة ثانية. هذه الدعوة التي تمثل بداية حراك شمشوي جديد لاستعادة ما كان عليه الآباء من نهج، وما تخلقوا به من شيم، حفظها لنا التاريخ.
وتشمش كلمة صنهاجية معناها الخمسة أو المخمسة، وسبب تسميتهم بها كما في كتاب شيم الزوايا للشيخ محمد اليدالي رحمة الله عليه "أنهم خمسة رجال خلف كل منهم خمسة رجال وتعاقدوا على خمسة أشياء"، وقام حلفهم على التمسك بالسنة، والتخلق بأخلاق القرآن، لاسيما ما ورد منها في خواتيم سورة الفرقان ((وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما))... إلى آخر الآيات.
وقد ظهر سريعا بعد قيام هذا الحلف لمن حولهم من القبائل فضل تشمش وآبائهم وصلاحهم،
فبادرت مجموعات عديدة إلى الانضمام إليهم، وتوسعت تشمش وازدهرت بعد هذه الانضمامات الهامة، وحافظت على ما تعاهد عليه أجدادها من سجايا وأخلاق، فتشكل لهم بذلك تاريخ حافل، وماض مجيد، ومكانة رفيعة، امتدت من حوض نهر السينغال جنوبا إلى تخوم المغرب شمالا. وأصبحوا بفضل تمسكهم بوحدتهم، ومحافظتهم على شيمهم قوة هائلة في المنطقة لها إشعاع معرفي وحضاري قوي، عمرت البلاد، وأحيت الموات، وحفرت الآبار، ونشرت العلم، وكانت منها بيوت القضاء ومرجعية الفتوى الكبرى في ظل الإمارة العادلة للترارزة.
وظهر فيهم الأقطاب والأعلام الكبار، وشكلوا قوة دينية نشرت الإسلام جنوب النهر، وكان لها الفضل في قيام الدولة المامية في فوته وغيرها. وتخرج منها على امتداد تاريخها كبار أعلام البلاد الذين ما فتئوا على علمهم وجلالتهم يشيدون بتشمش وخصالها.
وفي الشمال قامت علاقة وطيدة بين قبيلة أهل باركلل وأكبر قبائل الشوكة والإباء هناك: اولاد اللب واولاد ادليم واولاد سالم والـﮕـرع وكذالك مع امارة اهل احمد لعيد بآدرار.
قال الشيخ محمد المامي:
وكنا خمسة الحفاظ منا + مضاعفة وغير مضاعفينا
تيامن من تضاعف وانفردنا + بثغر لا يقال به منونا
وكان تشمش يجددون عهدهم كل سنة عند كثيب "أﮔننت" ، فيجتمعون عنده، وكل واحد منهم يأتي بالثوب الذي كان يلبسه، ويقسم بالله أنه لم يرتكب فيه خلال تلك السنة معصية. قال العلامة المؤرخ المختار بن حامدن رحمه الله تعالى:
وكان لنا مقام كل حول + نقوم به فنفعله الصوابا
تقوم به مشايخنا فتدعو + إلى الإحسان والعدل الشبابا
وكان من آخر ما جدد فيه تشمش عهدهم هذا يوم 14 رمضان 1366هجرية في مدينة "ندر" ونصه : ((إخبار ضمنه إنشاء ويسر معناه إفشاء بأن أعيانا من أنوف الخمس وفتيانا كلهم في الشهرة كالشمس أدركوا ما فيه سعادتهم بالحدس، فأكدوا اليوم ما أسسوا بالأمس، فردوا بذلك شرفهم القديم وهو غض، واستدار زمنهم كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض فضموا عز بني بازيد وكرمهم، وفضل بني يعقوب وعلمهم، إلى عقل بني ديمان وحلمهم، وفتح بني يداج ويمنهم، وبركة الأشفغيين وإخباتهم لربهم، وخوارق اليدمسيين وإباء أنفسهم، فجر المجد ذيوله، وسحب ثيابه، وحدد سيوله جنوبا من أقصى بلاد السينغال إلى حدود المغرب الأقصى شمالا، وطلع بحمد الله سعيدا وطاب وقتا وصار عيدا ويوما مشهودا، وعسى أن ينتج ذلك إحياء السنة ونشر العلم والعمل به خالصا لوجه الله تعالى ويثمر المروءة بأنواعها، ويؤكد الإخاء بين كل منهم مع بعض، والمحبة بينهم وبين جميع المسلمين، ويخرج الكسل والبطالة من قلوبهم ويزين بين أعينهم ترك ما لا ينبغي، فيحيوا شيمهم، ويجددوا عهودهم ويؤكدوها ويكونوا يدا واحدة على البر والتقوى نائين عن الإثم والعدوان، مجتمعين على مصالحهم الخاصة بهم، لا يقضون أمرا عليهم إلا عن مشورة ملإ من جميع بطونهم سلما لجميع المسلمين، قائمين بأمور الدولة، متواصين على الصبر والمرحمة واثقين بالنصر من عند الله وبالود في قلوب الناس فإنهم بحمد الله لم يعادوا قط قبيلة ما ولم يحربوا حيا ما فتح لهم في حسن المعاشرة، ومن طالع شيم الزوايار رأى من أخلاقهم ما يحرك النفس إلى اقتفاء تلك الآثار فالمرغوب من عامة تشمش وخاصتهم أن يقوم في اتفاق الكلمة وتجديد العهود بساق الجد)).
ثم تلاشى للأسف في عصرنا الحاضر هذا المجد، واندرس هذا العهد، أو كاد يندرس، بسبب ابتعادنا عما تعاقد عليه أجدادنا من شيمهم التي كان من أبرزها الحلم، والصبر، والتسامح، والإيثار، ونشر العلم والعمل به، والتمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فباعدتنا الخلافات، وفرقتنا النعرات، وتولى الشأن العام فينا من لا هم لهم إلا أنفسهم أو جماعاتهم، وأصبح هؤلاء حربا لهؤلاء، وهؤلاء ضدا لهؤلاء، ونحن لو أنصف الزمان إخوان لا أعداء، وأنداد لا أضداد، وقد فصل ذلك الشيخ العلامة البارز حمدا ولد التاه في تسجيله النادر حول لقائه بالشيخ الصالح المربي العلامة محنض بابه بن امين حيث يقول " الند شريكك في الشرف والضد حاسدك أو عدوك والندية من المهم فهمها لأن الناس دائما تحشر العلاقة بين الضدية والولائية ويجب ان تحيى هذه الفكرة وتقبل لتساعد في حل كثر من المشاكل " انتهى كلام الشيخ حمدا.
وقد تعاملت قبائل تشمش، سابقا ، بالندية الرشيدة. فكان كل طرف من أطراف الحلف الشمشوي ندا للآخر، ونعني بالند النظير والشبيه والمثيل والمساوي. لا ميزة لأي طرف على آخر في المعادلة الشمشوية. فالكل في الفضل أنظار، وفي العلم أشباه، وفي الصلاح أمثال، وفي الحكمة سواسية.
ومعلوم أنه في ظل سيادة مبدأ الندية تختفي دواعي التضاد وبواعث التنافر وعقد النقص والاستعلاء، وتنساب بعفوية وصدق علاقات الأخوة والتضامن والتقدير والاحترام.
قال الشيخ محمد المامي :
يقوم بأمرنا منا أصيل + ينازعه عليه الأقربونا
نزاع سلاسة لا خرق فيه + ويغلب بالأناة الغالبونا
فلم نتصارع؟ وعلام نتنازع؟ إن هذا التنازع، وهذه الفرقة هما اللذان جعلا تشمش اليوم بلا ثقل اجتماعي، وبلا معنى ثقافي، وبلا وزن سياسي...
وما ذلك إلا لأننا تركنا لمن شاء منا أن يسير بنا إلى غير ما رسمه لنا الآباء والأجداد، فآثرنا الجهل على العلم، والاستفزاز على الحلم، وجمع حطام المال على الكرم، ورضى الناس على رضى الله، فتأخرنا وتقدم الآخرون، وتحاربنا وتصالح الآخرون.
إنه لن يصلح آخر هذه المجموعة إلا بما صلح به أولها، وذلك لا يكون إلا بالتحلي أولا بالتواد والتراحم والتكاتف في ما بيننا، حتى نعيد تشمش إلى ما كانت عليه من حلم وفضل، ومن كرم وبذل، ثم بالعلم والعمل ثانيا، ولا طريق لذلك إلا حث أبنائنا وإخواننا على طلب العلم والعمل به، وإعزاز العلماء وتوقيرهم، والاستفادة من علمهم وبركاتهم، لاسيما علماء تشمش الذين هم بفضل الله اليوم في مقدمة علماء البلاد علما وفهما وعملا وفضلا، فلنتمسك بغرزهم، لأنه لا عز لنا إلا بعزهم، ولنسر على خطاهم، ونتعلم من علمهم.. ولنبادر إلى تحقيق ما طلبه والدي أحمد بن حمين رحمة الله عليه في كتابه "الوصول والترسيخ في مناقب الشيخ اعل الشيخ" من "إنشاء معهد شمشوي للقرآن والشريعة، لتلافي بقية المجد الروحي، والإرث النوراني، حيث تنصهر فيه الجهود القبلية المكونة للحلف وغيرها اقتصاديا وعلميا، معهد مؤسس على نظام تسيير مالي وإداري محكم يناسب إدارة العصر، ويؤازر بقية المحاظر الموجودة في تشمش. انتهى الاستشهاد.
وأدعو من هذا المنبر إلى إنشاء جامعة للعلوم الإسلامية تحمل اسم "أﮔـننت"، تخلد ذكرى عهد الأجداد، وتحقق طموحاتهم في صناعة أجيال متمسكة بالعلم والعمل به.
وأخيرا، وحتى نستثمر هذا اللقاء المبارك، المتميز بحضوره كيفا وكما، أدعو إلى إنشاء لجنة ثقافية ـ غير سياسية ـ تمثل كافة أطياف المجموعة الشمشوية وفروعها، منتقاة على أساس مكانتها الثقافية والاجتماعية، يمثل كل قبيلة في المجموعة شخص أو شخصان منتدبان فيها، وتكون بمثابة مكتب لتشمش يجلس ويدرس وضعية تشمش وسبل النهوض بها، ويقترح ما ينبغي فعله لإعادتها إلى مكانتها الطبيعية، ويشرف على تنفيذه، فتشمش اليوم لا تتوفر على تمثيل يناسب طموحاتها ومكانتها اللائقة بها.
وأخبركم أننا على مستوى قبيلة أهل باركلل نتبنى هذه المبادرة ونرحب بها، ومستعدون لاستضافتها، ومواكبتها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إسحاق بن أحمد بن محمد بن محمد الأمين "حمين" بن أحمد بن يعقوب بن الفاظل ابن باركلل بن أحمد بازيد بن يعقوب بن ابهنضام خامس الخمسة.