صحفي موريتاني يقرأ في النظام السياسي و الاقتصادي الصيني و علاقته بإفريقيا

ثلاثاء, 2017-03-21 10:23
المصطفى ولد إلبو ـ صحفي موريتاني مقيم بالصين الشعبية

من يتبنون مبدأ طموح الصين الاقتصادي لا يمانعون في وصفها بالدولة النامية حتى مع كلما تحقق و يتحقق على أرض الواقع و بلغة الأرقام مع الإشارة إلى قدرتها و نجاحها في دفع ثمن هذا النمو السريع، نفس النقطة تقريبا  أشار لها الرئيس الحالي شين جينغ بينغ في كتابه " حول الحكم و الإدارة " قائلا :

" وضع التمنية في الصين ممتاز و أمامنا مستقبل رائع و عظيم لإنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل و تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية. لقد قلتُ إن تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية هو أعظم حلم للأمة الصينية منذ بداية العصر الحديث "

إذن هي إستراتيجية مستمرة لا تهتم كثيرا بالإطراء الخارجي بقدر ما تهتم بتحقيق وسائل العيش الكريم للمواطنين.

 يرى كثير من المهتمين بالشأن الصيني أن الفضل فيما وصلت له الصين من تطور و نمو يعود للقادة المكافحين و الوطنيين و الذين سجل لهم التاريخ الصيني تضحيات كبيرة في سبيل توفير العيش الرغيد للمواطنين و ترسيخ أسس الاستقرار في البلاد.

يقترب عدد سكان الصين من المليار و 400 مليون نسمة و يحكمها حزب واحد هو الحزب الشيوعي الصيني بالإضافة إلى ثمانية أحزاب أخرى  ، و تشير المعلومات إلى اقتراب عدد أعضاء الحزب الشيوعي من عتبة التسعين مليونا و يعود تاريخ تأسيسه إلى العام 1949 و هو نفس العام الذي أعلن فيه عن قيام جمهورية الصين الشعبية .

يرى مناصرو الحزب الشيوعي الصيني أنه تمت شيطنته من الإعلام الغربي الذي يتجاهل تماما ما وصلت إليه الصين من نمو اقتصادي و استقرار سياسي و أمني متواصل منذ العام 1949 حتى اليوم.

السؤال الذي يطرحه منتقدو الحزب دائما هو ما لذي جعل الشيوعية الصينية مختلفة عن شيوعية الاتحاد السوفيتي قبل انهياره؟  أو عن شيوعية كوبا مثلا و ما هي رؤية الصين للتنمية ؟

المراقبون يرون أن رؤية الصين لها خصوصيتها، هي شيوعية اشتراكية بخصائص صينية و ما يميزها هو طبيعتها الاستشارية التي تتيح للجميع بما فيهم الأقليات من المشاركة و إبداء الآراء و وجهات النظر كجزء من النظام السياسي بالإضافة إلى تعليقات ملايين الصينيين عبر الإنترنت حول مشاريع الحكومة و برامجها و رد المسئولين عليهم و تبني اقتراحاتهم في بعض الحالات.

 يذهب بعض مناصري الحزب الشيوعي إلى القول إن نموذج الصين في الديمقراطية قد تتبناه الدول الغربية مستقبلا كنموذج بديل بالإضافة إلى الدول النامية و الساعية إلى النمو ،  الدول الغربية كانت ترى نفسها في الماضي نموذجا للمجتمعات المنظمة لكن الصين بدأت تطرح نفسها كنموذج بديل لقدرتها الفائقة على ضبط أقاليمها مع توفير قدر كاف من وسائل التنمية و الإبداع

و مع كل هذا لا ينكر الصينيون وجود فساد في البلاد و يؤكدون دائما على مواصلة محاربته و التقدم بخطى ثابتة نحو الإصلاح حيث يرى الرئيس شين جينغ بينغ أن تحقيق الحلم الصيني و الذي شرح مبادئه في كتابه " حول الحكم و الإدارة "   يجب أن لا يقتصر على النمو الاقتصادي فقط و إنما يراعي أهمية المبادئ العلمية و الإبداع .

و يؤكد الرئيس الصيني دائما سواء في مؤلفاته أو عبر خطاباته أن السلطة للشعب كما يدعو إلى القيام بإصلاحات مع البقاء على نهج الاشتراكية ذات الخصائص الصينية.

نموذج الصين في القيادة مختلف و مستوحى حسب مراقبين من الشعب، فالشعب هو الذي يمنح الثقة للقادة الذين عليهم بالمقابل أن يبذلوا جهدا كبيرا و يظهروا تفانيا أكبر حتى يستحقوا هذه الثقة و التي يرى المتابع للشأن الصيني أنهم عملوا جاهدين و عبر القيادات المتعاقبة على تعميق هذه الثقة مع الشعب بما تحقق من نمو اقتصادي و استقرار سياسي و أمني و في فترة وجيزة

يرى منتقدو النظام السياسي أن هذا الأخير لم يعد يطبق الاشتراكية بحذافيرها و يعتبرون أن الانفتاح الاقتصادي جعله أي النظام يقدم تنازلات فكرية و سياسية من أجل ضمان عيش رغيد للشعب الصيني الأمر الذي يعتبر أولوية عند الحزب منذ نشأته في العام 1949.

و يضيفون أن الحزب و رغم طبيعته و أصوله الشيوعية إلا أنه أنشأ ديمقراطيته الخاصة و التي تقوم على إتباع منهج الاستشارية للوصول إلى القرار و مع كل ذلك يبقى النظام السياسي الصيني متماسكا و نجح نجاحا باهرا في رفع مستوى المعيشة عند الشعب الصيني إلى جانب تطوير المدن و الأقاليم كما أنه خلق ديمقراطية يقودها الاقتصاد و تبني السلام و تحفز على التعاون المشترك.

لعب الشعور القومي دورا بارزا في النمو الاقتصادي و أسهم في جعل الحلم الصيني يعبر الحدود لتضع الصين أقداما ثابتة في دول أخرى كشريك اقتصادي و تنموي كبير و كباحث عن مصالحه و ساع إلى الحفاظ عليها مع احترام أبجديات السيادة و العلاقات الدولية

و ترى الصين نفسها كبلد يتشارك مع العالم الثالث الكثير من الخصائص و هو ما يفسر كم الودية الكبير الذي تتعامل به خارجيتها مع القارة الإفريقية و التي تحتفظ لها الصين بجميل تمثل في دعمها للحصول على عضوية الأمم المتحدة في العام 1971 و حينها قال ماو تسي تونغ جملته الشهيرة " إن أصدقاءنا الأفارقة هم من أوصلونا إلى الأمم المتحدة "  و تتعامل الخارجية الصينية بثلاثة مبادئ  في تعاملها مع الدول الأخرى و هي الاحترام المتبادل و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى و تحييد الايدولوجيا في مساعدتها للدول بالابتعاد عن فرض القيود و وضع الشروط المسبقة ، هذه السياسة مازالت مستمرة و تحافظ بشكل كبير على توازنها كما أنها أضعفت التأثير الغربي في بلدان العالم الثالث و خاصة إفريقيا

مع انتقاد البعض لعلاقات الصين الاقتصادية مع إفريقيا و حصرهم لأهدافها في نقطة واحدة و هي فتح الصين لأسواق لها في القارة إلا لغة الأرقام ترد بشكل قاطع و تشير إلى أن التبادل التجاري بين الاثنين تخطى عتبة  العشرين مليار دولار و ساعد في تطوير البني التحتية في كثير من البلدان الإفريقية  كما استفادت من الاستثمارات المتلاحقة و التي ساعد الكثير منها في جعل دول القارة تخطوا خطوات مهمة نحو تحقيق العيش الرغيد مع تأكيد الخبراء الصينيين على ضرورة انفتاح القارة اقتصاديا مما سيزيد التنافسية و يساعد في النمو.

و يرى الخبراء أن الصين تصدر لإفريقيا مواد جاهزة بينما تستورد مواد أقل منها و ضمنوه في التحديات التي تواجه الطرفين لكنهم أشاروا في نفس الوقت إلى وضع الصين خططا إصلاحية ستشجع العلاقات التجارية بين الطرفين و تدعمها الثقة المتبادلة مؤكدين على عدم نية الصين الضغط على الدول الإفريقية التي يتمنون منها إظهار جدية أكثر نحو خلق مناخ مناسب لرواد الأعمال و الحرص على جودة المنتج و تنويع الاقتصاد حتى ينجحوا في جذب المستثمرين و المقاولين الصينيين

 

 

 

بقلم الصحفي المصطفى ولد البو