اكتشفتُ أنه إذا كان القاضي ممن ينظر في من يُخالل ويصادق، فإن الشاعرَ خير من يخالل ويصادق، أحرى إن كان الشاعرُ ملتزما في شعره، وحياته، ومن أسرة تليد فيها القضاء توارثَتْهُ أبًا عن أبٍ إلى ما فوق العَشَرة..
علاقة القضاة بالشعراء قديمة، وليست دائما رهينة الصَّفْوِ، فَـ للشعراء مقالاتٌ كثيرة شائعة سارت بها البُرُدُ في قضاة كل زمان، ولعلها لا تجيءُ إلا "على رُوصْ" القضاة، ومع ذلك فقد رأينا في القضاة من انتصر وانحاز لهذا الشاعر آو ذَاك، ومن أمثلة ذلك وساطة زميلنا القاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني بين كبير الشعراء أحمد بن الحسين المتنبي، وخصومه، وهي في سِفْرٍ سماه: "الوساطة بين المتنبي وخصومه"، أبان فيه عن عمق العلاقة بين القاضي والشعر والشعراء، وعن حسن إدارة القاضي للخصومة الأدبية، حتى ولو كان في طرفها الآخر صديقه الملاطف، ونديمه الصاحب بن عَباد..
من فروع هذا الاكتشاف أن القاضي في مجلس الشاعر عليه أن يستحضر معارفه - وإن كانت مُزْجَاة - لأن صديقه الشاعر يطوفُ بكل ثمرات المعارف، ويسلك سُبُل ربه ذُلُلا..
ومنها أيضا، أنه إذا كان من فوائد السفر الخمسة: "صحبة ماجد"، فإنها من أعظم فوائد التحويل، التي قد لاتصل ذلك العدد..
كانت محادثة: "الشوق إلى شطآنها - رؤى الصياد الأخيرة - جئني ولو حلما" تحدثني عن الشاعر المهندس أحسن الحديث، حتى التقينا، تَبَيَّنٓتْ عيني أن الشِّعْر إنما اختلس وميضا يسيرا من قاموسه، ونَفَسًا خفيفا من شمائله، ونُتَفًا قليلة من ثقافته..
تعارفنا افتراضيا - كما يقول العٓصْريون - وقبل اللقاء - كما يقول الأقدمون - فتناجينا بالضمائر، وتخاطبنا بالسرائر - كما يقول صديقي الافتراضي أبو منصور الثعالبي - فحصل القرب بالإخلاص، الذي لن يضره إن شاء الله البعد بالأشخاص..
أتطاولُ إلى اليوم الذي ينقلُ فيه صديقي الشاعر المهندس الشيخ ولد بلعمش للمكان الذي يناسبه في سيدة الاقتصاد الوطني شركة سنيم التي يحبها ويخدمها باخلاص، وسينفع ذلك الشركة، وقد يرفع سعر خام الحديد، كما رفع الشعر سعر الخُمُر في زمن فائت، ففي الشعر للعرب برَكة..
من صفحة القاضي أحمد عبد الله المصطفى على الفيس بوك