حال الديمقراطية في موريتانيا مرهون بعام 2019؛ حيث تنتهي المأمورية الثانية للرئيس محمد ولد عبد العزيز. لأول مرة في تاريخ البلد يعلن رئيس تركه للرئاسة ويحدد التاريخ لذلك. قد يكون التاريخ بخيلا في تسجيل النوايا لكنه كريم في ملء فراغات المذكرة؛ صحيح أن الأجندا الانتخابية والدستور الموريتاني يفرضان على الرئيس عزيز أن يترك الأمر لغيره؛ وقد حدداه سلفا. بعد عامين سيكون الرئيس عزيز قد قضى عقدا من الزمن رئيسا للجمهورية؛ وسيكون بذلك ثالث أطول الرؤساء مكوثا بعد الرئيسين معاوية (عشرين عاما) والمرحوم المختار (18 عاما) ليس الأمر سهلا بالمرة على بلد لم يتعود الانتقال الدستوري للسلطة سوى مرة واحدة؛ ولم يودع فيه رئيس سلفه عبر تاريخه سوى مرة واحدة؛ وكان ذلك من عسكري إلى مدني. إذا غادر الرئيس عزيز الرئاسة وتسلم رئاسة الحزب الذي أسس من ولد محم فهو قادم على الطريقة الروسية؛ فالرجل ستيني بالكاد وقوي العزيمة والشخصية وعصي على التوقعات؛ أما إذا غادرها وخرج من البلاد أو آوى إلى تقاعد مبكر فتلك استقالته الأبدية. يقول الرئيس عزيز لقناة فرنسية إنه سيدعم خلفه كمواطن موريتاني؛ وهو سيناريو يعني أن الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 ستنظم من دون عزيز ولكن في نهاية عهده وتحت إدارته؛ وتنهال الاستفهامات حول من هو خليفة عزيز؟ إما أن يكون رئيس موريتانيا ما بعد عزيز من الأغلبية أو من المعارضة؛ مدنيا لم يتعسكر أو عسكريا تمدن حديثا؛ فإذا كان الجنرال غزواني قائد الجيش هو الخليفة المنتظر وهو ما يحلو لمعظم كتاب الرأي ذكره؛ فإن الرجل الثاني في حكم عزيز لن يؤكد الأمر أو ينفيه بحكم واجب التحفظ -إلا همسا- مالم يحن تقاعده المفترض أنه سيتزامن مع رئاسيات 2019؛ ولا يحتاج لنقاهة برزخية لخوض حملة انتخابية هو سيد العارفين بأجواءها المرسومة سلفا. الغزواني يحمل أعلى رتبة في الجيش؛ وقد أثبت ولاءه لعزيز بشكل أسطوري في مرضه بعد ما يعرف بحادثة اطويله؛ وتتحدث مصادر مقربة من الرجل عن ذكاءه الحاد وطموحه الوقاد؛ والزمالة الطويلة بين الرجلين تجعل الخلافة أو الاستخلاف أكثر من واردين. المعارضة الموريتانية تستطيع التنسيق أكثر والتصعيد أكثر والاتفاق أكثر لخلق اهتزاز في ميزان القوى المحلي المهتز أصلا؛ حيث القطيعة الطويلة بينها وبين الأغلبية والحوارات المتكررة التي لم تزد الاحتقان بين الطرفين خفة؛ وقد تبحث عن موطئ قدم في مرحلة ما قبيل ما بعد عزيز. مسعود وأحمد سيكونان خارج صناديق الاقتراع في الحالة العادية بحكم السن الدستورية القصوى للمرشح (75 عاما) وستكون البدائل المعارضة من الإسلاميين واليساريين غير إجماعية إذا استمرت المعارضة في مستوى ردات الأفعال أكثر من الأفعال. وهامش المفاجآت محصور في رجلين؛ شاب يخطف الأضواء وينجح في جمع حراك شبابي انتخابي جامح في فترة وجيزة؛ وآخر قادم من الخارج في مواجهة "ميدفيديف موريتاني ضعيف" بعض الخبراء يعتبرون التمرير المزمع لمخرجات الحوار؛ تكييفا جديدا لنفاد صلاحية غرفة الشيوخ في البرلمان حسب فتوى المجلس الدستوري؛ وبعضهم يراه تشبثا باستفتاء غير مباشر على تهيئة الخليفة المنتظر. أما "مدنيو" الأغلبية فهم خزان وارد من الولاءات المتمثلة في بعض متقاعدي الإدارة وبعض خلص عزيز من كبار رجالات الدولة مثل السفير السابق في السعودية ولد لحويرثي والوزير السابق شياخ ولد اعل والوزيران الأولان الحالي والسابق ولد محمد لقظف وولد حدمين؛ قد يكون من بينهم من هو جزء من سيناريوه أو اثنين. وفي انتظار الإعلان عن سيد القصر الرئاسي نهاية 2019 تبقى الاحتمالات مفتوحة والتكهنات تترى؛ على أن يبقى ثالوث المحمدين في القصر والجيش والأمن؛ صانع الحدث بامتياز في مأمورية الوداع هذه. وتبقى الأنظار والأسماع مشدوهة في بلد يتغذى أهله ب"الطواري"
إسماعيل ولد الشيخ سيديا